الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ماذا ينتظر الشرق الأوسط فى ولاية ترامب الثانية

لقد عاد!

ترامب رئيسا من جديد
ترامب رئيسا من جديد

بينما يبدو الشرق الأوسط على شفا حرب أوسع نطاقًا، من أى وقت مضى، تأتى نتائج الانتخابات الأمريكية بآمال ومخاوف جديدة بشأن أجندة واشنطن تجاه النزاعات الحالية، ففى رأى مراقبين فإن سياسات الولايات المتحدة الأمريكية خلال الولاية الأولى للرئيس المنتخب «دونالد ترامب» تعتبر مؤشراً على الأجندة الأمريكية خلال الأربع سنوات المقبلة، مرجحين أن يضع الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب الشرق الأوسط على رأس أجندته. نفور واشنطن من الحروب الخارجية هو خيط ثابت فى السياسة الخارجية غير المنتظمة لترامب فى كثير من الأحيان، رغم ميول المحيطين به لدعم الحركة الاستيطانية فى فلسطين، مثل صهره جاريد كوشنر (الذى تحدث عن إمكانات العقارات «المطلة على الواجهة البحرية» فى غزة) والسفير السابق فى إسرائيل ديفيد فريدمان، الذى اتخذ طلبه للحصول على وظيفة جديدة فى الإدارة القادمة شكل كتاب يمجد ما أسماه حق إسرائيل المستوحى من الله فى الاستيلاء على الضفة الغربية.



وخلال السنوات الأربع الأولى من ولايته، صنع ترامب التاريخ باختياره المملكة العربية السعودية لأول رحلة خارجية له، وحاول التوسط فيما يسمى وقتها «صفقة القرن» بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وعزز التكامل الإقليمى للدولة اليهودية، وكثف الضغط بشكل كبير على إيران.

 

ترامب ونتنياهو اتفقا كثيرًا واختلفا قليلًا
ترامب ونتنياهو اتفقا كثيرًا واختلفا قليلًا

 

ولكن الشرق الأوسط تغير بشكل كبير منذ ترك منصبه فى عام 2021، وباتت جميع الجهات الفاعلة إقليميا تراقب باهتمام كيف سيتعامل الرئيس الأمريكى الجديد مع هذه التحولات.

«عودتك التاريخية إلى البيت الأبيض تقدم بداية جديدة لأمريكا والتزامًا قويًا بالتحالف العظيم بين إسرائيل وأمريكا. هذا انتصار كبير»! نشر رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو هذه الكلمات عبر حسابه على منصة «إكس X» بعد ساعات من إعلان الفوز.

فيما قللت إيران من أهمية الانتخابات، قائلة إنه «لا يوجد فرق كبير» فى من يصبح رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، حسبما ذكرت وسائل الإعلام الرسمية، كما نقلت وسائل الإعلام الإيرانية عن فاطمة مهاجرانى، المتحدثة باسم الحكومة، قولها إن «السياسات العامة للولايات المتحدة وإيران لم تتغير» بعد إعلان نتائج الانتخابات.

 

فائزا فى انتخابات البيت الأبيض
فائزا فى انتخابات البيت الأبيض

 

لكن حسب صحف ووسائل إعلام أجنبية متعددة قد يؤثر انتخاب ترامب على أزمات الشرق الأوسط فى أكثر من منحى، فبالنسبة لفلسطين لقد أصبح الشعور باليأس من الأحداث فى غزة والضفة الغربية راسخًا لدرجة أن الفارق الذى أحدثه فوز ترامب تم التعامل معه بشكل هامشى فكلا الإدارتين لن تحدثا فارقا بعد إراقة هذا الكم من دماء الأبرياء.

 

مستقبل غامض للعلاقات الأمريكية - الإيرانية
مستقبل غامض للعلاقات الأمريكية - الإيرانية

 

وقال مراقبون: ليس هناك ما يدعو للتفاؤل بشكل كبير حيال حل القضية الفلسطينية، فقد حقق الاحتلال أهدافه المنشودة من الحرب الدامية على الأراضى الفلسطينية، ولكن حسب صحف أمريكية فمن المرجح أن يضع ترامب على رأس أجندته فى الشرق الأوسط إنهاء الحروب فى غزة ولبنان، لا سيما وقد استهدف الاحتلال أهم قادة حركتى حماس وحزب الله، ووفقاً لـ«سى إن إن» سيعمل ترامب ونائبه السيناتور الجمهورى جى دى فانس على إعادة دمج إسرائيل فى الشرق الأوسط.

 

 

 

وطوال حملته الانتخابية، لم يحدد ترامب كيف سيتعامل مع الحرب بين إسرائيل وحماس إذا أعيد انتخابه، أو كيف ستختلف سياساته عن سياسات سلفه جو بايدن، لكنه أوضح فى أبريل الماضى أن إسرائيل بحاجة إلى «إنهاء ما بدأته بسرعة»، مشيرًا إلى أنها «تخسر حرب العلاقات العامة» بسبب ما يتم نشره بوسائل الإعلام من صور لآلاف الضحايا من غزة.

وقال مصطفى البرغوثى رئيس المبادرة الوطنية الفلسطينية: «سيواجه نتنياهو رئيسًا أكثر صرامة مما اعتاد عليه بمعنى أننى لا أعتقد أن ترامب سيتسامح مع الحروب بالطريقة التى تحدث بها»، مضيفًا أنه بالنسبة للفلسطينيين، لن يحدث ذلك فرقًا كبيرًا «لأن الإدارتين كانتا متحيزتين تمامًا» لإسرائيل.

ولكن هناك مخاوف من أن يسمح ترامب لإسرائيل بضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، وهو ما من شأنه أن يعنى «نهاية حل الدولتين»، حسب تصريحات البرغوثى.

فيما قال ألون بينكاس، الدبلوماسى الإسرائيلى السابق، لشبكة سى إن إن، إن ترامب لا يريد أن تكون هذه الحروب «على مكتبه كقضية ملحة» بحلول 20 يناير عندما يتم تنصيبه.

وأضاف: «ترامب سيقول: أنهوا الأمر؛ لست بحاجة إلى هذا»، مشيراً إلى أنه من المرجح أن يطلب ترامب من رئيس الوزراء الإسرائيلى «إعلان النصر» ثم التوصل إلى اتفاق من خلال وسطاء، فهو لم يهتم بالقضية الفلسطينية خلال فترة ولايته الأولى، ولم يلقِ بثقله خلف دعم الولايات المتحدة الأمريكية الطويل الأمد لدولة فلسطينية مستقلة، قائلاً إنه يرغب فى الحل «الذى يحبه الطرفان».

وفيما يتعلق بلبنان فقد أوضح الرئيس العائد أنه سيرغب فى التوصل إلى صفقة سريعة فى بيروت، إذا لم يتم التوصل إليها خلال الأشهر الأخيرة من ولاية بايدن المنتهية، والأمر الأكثر أهمية هو أن نتنياهو لا يستطيع التأكد من أن ترامب سيدعم أولويته الاستراتيجية، وهى الحرب لتدمير البرنامج النووى الإيرانى.

 تصفية الحسابات

وخلال فترة ولايته الأولى، اتخذ ترامب عدة خطوات لصالح إسرائيل، فى عام 2017، اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، كما اعترف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، التى استولت عليها من سوريا خلال حرب عام 1967، ولكن فى حين ادعى ترامب فى كثير من الأحيان أنه الرئيس الأكثر تأييدًا لإسرائيل فى التاريخ الحديث، بل وحتى تفاخر بعلاقته الوثيقة والشخصية مع نتنياهو، فإن العلاقات بين الزعيمين لم تكن جيدة.

 

 

 

ففى عام 2021، عندما كان كلاهما خارج مناصبهما السياسية، اتهم ترامب نتنياهو بالخيانة عندما هنأ الزعيم الإسرائيلى بايدن على فوزه بالرئاسة فى عام 2020.

وبعد وقت قصير من هجوم حماس فى 7 أكتوبر على إسرائيل العام الماضى، انتقد ترامب نتنياهو وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لعدم استعدادهم، مدعيًا أن الهجوم لم يكن ليحدث لو كان رئيسًا للبيت الأبيض حينها.

وصرح بواز بيسموث، عضو البرلمان الإسرائيلى (الكنيست)، من حزب الليكود الذى يتزعمه نتنياهو، لشبكة سى إن إن، بأن انتخاب ترامب جاء فى «الوقت المناسب» لأنه سيوفر فرصة لتوسيع اتفاقات التطبيع مع اقتراب الحروب فى غزة ولبنان من نهايتها، وهى مجموعة من الاتفاقات التى سهلتها إدارة ترامب الأولى وشهدت تطبيع إسرائيل للعلاقات مع أربع دول عربية، ووضعت احتمالات قيام دولة فلسطينية مستقلة على باقى الأراضى الفلسطينية، وهو ما رفضته إسرائيل من قبل.

وأضاف بيسموث: «عندما تنتهى الحرب، ستحتاج تل أبيب إلى إعادة هيكلة حقيقية لعلاقاتها فى الشرق الأوسط»، وسيكون ترامب أفضل شخص لتحقيق مشروع «شرق أوسط جديد».

ولاحظ ناداف شتراوكلر، الاستراتيجى السياسى الذى عمل مع نتنياهو، إن استعدادات نتنياهو لاستقبال الرئيس الأمريكى الجديد ظهرت فى قراره بإقالة وزير الدفاع يوآف جالانت بعد أشهر من الصدامات حول السياسة الداخلية وجهود الحرب الإسرائيلية، ما أكسبه جرأة على المستوى المحلى، وربما اختلفت تحركاته التالية فى حال انتُخبت هاريس، مضيفًا أنه يواجه حالياً المزيد من الضغوط لإنهاء الحروب فى غزة ولبنان، وربما إعادة تركيز الجهود لمواجهة إيران.

وأرجأت إدارة بايدن فرض أى ضغوط ذات مغزى على رئيس الوزراء الإسرائيلى إلى ما بعد الانتخابات، على الرغم من إحباطها المتزايد منه بشأن العديد من القضايا مثل عرقلة المساعدات إلى غزة، وحملته ضد الأمم المتحدة، وعرقلته لاتفاق الرهائن مقابل السلام، ودعم حكومته للمستوطنين العنيفين فى الضفة الغربية.

وساهم الغضب من استخدام القنابل الأمريكية لتدمير غزة، وتحديدا فى ولاية ميشيجان، موطن أكبر تجمع عربى فى الولايات المتحدة، وفى أماكن أخرى فى هزيمة كامالا هاريس أمام ترامب والآن يقول شتراوكلر: حتى لو تم إطلاق العنان لنفوذ أمريكا الساحق فى المنطقة أخيرًا، فسيكون الأوان قد فات لإحداث أى تأثير ذى مغزى.

 جولة جديدة 

قد تكون السنوات الأربع المقبلة أكبر اختبار للنظام الإيرانى منذ تأسيسه فى عام 1979، نظراً لما تعتبره وسائل إعلام أجنبية قدراته المحدودة فى التعامل مع الأزمات الداخلية إلى جانب كم التهديدات الخارجية الهائلة التى سيواجهها مع خضوع طهران لحملة الضغط المرجح أن يستأنفها ترامب، حيث تسببت فى ولايته الأولى فى زيادة عزلة إيران وشلت اقتصادها.

وبالرغم من انسحابه من الاتفاق النووى لعام 2015، وإعادة فرض العقوبات على طهران، للحد من جهودها النووية، وحتى إصدار أمر باغتيال قاسم سليمانى، القائد العسكرى الذى أشرف على العلاقات مع وكلاء إيران فى المنطقة، لم يتمكن ترامب سابقاً من احتواء نفوذ طهران فى الشرق الأوسط، ومنذ مغادرته البيت الأبيض كثفت إيران تخصيب اليورانيوم، وزادت صادراتها النفطية، وكثفت دعمها للجماعات المسلحة الإقليمية، ووجهت صواريخها لضرب إسرائيل فى هجوم مباشر مرتين، وفى هذا الإطار فإن هناك مخاوف من أن انتخاب ترامب قد يمكّن نتنياهو من ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وهو الأمر الذى حذرت منه إدارة بايدن.

سيناريو واحد فقط يطرحه المحللون الإيرانيون فى حال طلب فيه ترامب من نتنياهو إنهاء أزمة زوبعة الحرب الإيرانية الإسرائيلية، قبل توليه منصبه رسميًا، وهذا يعنى أننا قد نشهد تصعيدًا حادًا فى التوترات بين البلدين فى نوفمبر وديسمبر حيث تحاول إسرائيل شن المزيد من الهجمات على وكلاء إيران ومحاور المقاومة التابعة لها بالمنطقة لإضعافها قبل أن يتولى ترامب منصبه، ومن ثم يأتى ترامب وينسب الفضل إلى كونه نفسه «صانع سلام» وفقاً لـ«سى إن إن».

هذا السيناريو قد يتغير إذا قررت إدارة بايدن «سحب القابس» من قدرة إسرائيل على تصعيد التوترات فى الأشهر الأخيرة من ولايتها، وتحذير تل أبيب من العواقب إذا لم تحسن إسرائيل الوضع الإنسانى فى غزة، حتى لا يُنسب إرساء السلام لترامب.

وسيكون أحد العوامل المهمة فى علاقة إيران بالرئيس الأمريكى القادم هو كيفية استجابة ترامب لتقارير الاستخبارات الأمريكية الأخيرة التى تشير إلى أن طهران حاولت اغتياله- وهى مزاعم رفضتها إيران ووصفتها بأنها «غير مؤكدة وخبيثة».

ومن المتوقع أن يكون أمام ترامب اختياران للتعامل مع الدولة التى اتهمها مراراً وتكراراً بمحاولة اغتياله، إما أن تنجذب إدارته إلى سياسة المفاوضات لإنفاذ صفقة نهائية مع طهران، حيث أعلن الرئيس الأمريكى الجديد من قبل استعداده لعقد الصفقات مع إيران، أو اللجوء لإجراء التغيير من الداخل ودعم الشعب الإيرانى لمناهضة النظام.