حاجة اسمها «بلوجر»
كتبت: شيماء قنصوة
تستيقظ فى موعد محدد اعتادت عليه منذ سنوات، وتبدأ يومها بالقهوة التى تعدها فى ماكينة خاصة لتصبح مصنوعة على طريقة اللاتيه، ولا تفوت نشر تحضير الحمام للشاور الصباحى واستعراض منتجات العناية بالشعر والبشرة التى تستخدمها فى روتينها الخاص.
ثم تصطحب الـ 5 ملايين متابع فى يومها الطويل بداية من اختيار «الأوت فيت» ولقاء الأصدقاء والشوبينج وحتى إزالة الماكياج وتناول مشروب مهدئ للأعصاب على ضوء الشموع الفخمة ذات الرائحة العطرية المميزة من أجل نوم عميق وهادئ.
أخرى تشارك رحلتها مع الأمومة والتربية الإيجابية والقواعد التى وضعتها لتعليم أبنائها اللغات فى عمر صغير ومنهج المنتسورى ليصبحوا أصحاب قدرات عقلية خارقة، وثالثة تشارك الملايين فرحتها بحفل زفافها الفخم وإطلالتها الملكية ورحلة شهر العسل التى اختارت فيها وجهات سياحية مميزة خارج مصر.
السطور السابقة هى مجرد تلخيص لمحتوى الكثير من الإنفلونسر والبلوجر على منصات السوشيال ميديا، وتحديدا إنستجرام الذى أصبح وسيلة تواصل لحظى مع ملايين المتابعين حول أدق تفاصيل يومهم.
ومع تزايد أعداد الإنفلونسر وتعدد مجالاتهم تغير الكثير من آراء الشباب وحتى الكبار فى العديد من الأمور والاختيارات الخاصة فى حياتهم الشخصية وأصبحوا أكثر استهلاكا وأقل رضا وقناعة.
على مدار السنوات القليلة الماضية أصبحت السوشيال ميديا واحدة من أكثر الأمور تأثيرا فى تفكير وتحديد أولويات الكثير منا وخاصة المراهقين والشباب.
ومع انتشار ظاهرة البلوجر والإنفلونسر أصبحت الحياة أكثر تعقيدًا، بسبب تطلع الجميع لحياة أفضل يملؤها الهدايا الفخمة من البراندات ورحلات مجانية فى أفخم الفنادق من أجل الترويج لها.
وكأن هذه هى الحياة، أو كأنها الحياة كما يجب أن تكون.
شهرة كبيرة
البداية كانت مع الفاشون بلوجر، وفى الحقيقة الإنفلونسر الذين اتجهوا لهذا المحتوى استطاعوا أن يحققوا شهرة كبيرة دون غيرهم، وذلك لأن البنات تميل بطبعها لمتابعة كل ما هو جديد فى عالم الموضة والأزياء، واستطاع هؤلاء البلوجر تقديم تنسيقات مميزة للملابس بطرق عصرية، وكلما قاموا بنشر أفكار مختلفة خارج المألوف حققوا شهرة أكبر وتعاقدوا مع براندات أزياء أكثر.
الفود بلوجر محتوى سهل وبسيط واستطاع عدد كبير من مقدميه تحقيق شهرة كبيرة، فبين الشيفات وربات البيوت البارعات فى الطهى امتلأت السوشيال ميديا بمقاطع فيديو مليئة بأسرار الأطباق الشهية تحقق ملايين المشاهدات.
وعلى جانب آخر اختار البعض أن يكون محتوى الطعام الذى يقدمونه قائما على تقييم تجارب الأكل فى أشهر المطاعم ، أو اكتشاف أماكن جديدة تقدم جودة مميزة وبأسعار فى متناول الجميع.
وفى مقابل ذلك أصبحوا وجها دعائيا للكثير من مطاعم التيك أواى الشهيرة ومحلات الحلويات صاحبة الاختراعات الجديدة التى لم نسمع عنها من قبل.
وعلى الرغم من سخرية البعض من محتوى الفود بلوجر فى بداية ظهورهم لكن محمود إيهاب يؤكد أن هذا المحتوى هو سر لقائه بأصدقائه أسبوعيا.
فهناك أسماء شهيرة فى «الفود ريفيو» يقدمون تجارب حقيقة عن المطاعم وتكون هذه الأماكن هى سبب اللقاء الأسبوعي، حتى أحدهم قرر أثناء زيارتهم مدينة الإسماعيلية لتجربة عدد من المطاعم بالإعلان عنها فى ذات التوقيت.
وتقول إسراء عبد الرحمن : إن الترايفل بلوجر كانوا السبب فى خلاف كبير بينها وبين زوجها، وذلك لأنها محبة للسفر بشكل كبير وعلى الرغم من الرحلات التى تقوم بها مع أسرتها فى مصر بشكل مستمر.
لكنها كانت تريد أن تقوم بتجربة السياحة الخارجية، وذلك بعدما انبهرت بدولة ألبانيا التى غادرت لها إحدى البلوجر برفقة زوجها فى عيد زواجهما.
بعد بحث سريع قامت به إسراء عبر الانترنت للتعرف على أسعار تذاكر السفر والفنادق وغيرها اكتشفت أن الميزانية ليست مستحيلة.
فمن الممكن أن تستغى عن بعض الرحلات التى تقوم بها فى مصر وتتخلى عن السفر مع أطفالها من أجل الاستمتاع بأسبوع مثالى على طريقة البلوجر.
وهو ما رفضه زوجها واتهمها بسببه بالأنانية وبعد نقاشات طويلة انتهى الأمر بينهما بإصراره على الرحلات العائلية التى اعتادوا عليها منذ سنوات، لأنها متعة خاصة لا يعلمها محبو المالديف والساحل الشرير.
الجانب الآخر
نورهان خالد أكدت أن كل شىء له جانب سيئ وآخر جيد، وكذلك البلوجر، وقالت أنها تتابع الكثير منهم عبر إنستجرام، لكن هناك محتوى مميزا ومختلفا تقدمه واحدة من آلاف البلوجر الذين حققوا شهرة كبيرة خلال الفترة الماضية وقالت أنها استفادت من المعلومات التربوية التى تقدمها فى طريقة تعاملها مع أطفالها. وأكدت أنها فى تجربتها الأولى فى الأمومة استعانت بالمعلومات التى قدمتها عن التعامل مع الطفل فى الأشهر الأولى وتحديدا تجربة روتين النوم التى ساعدتها كثيرا فى أن تتجاوز الصعوبات خلال الفترة الأولى من حياة الطفل.
ومع مرور الوقت اكتشفت محتوى مميزا قدمته فى وقت سابق عن الوجبات الصحية وفوائد تمارين السباحة فى عمر صغير وغيرها من المعلومات التى اختصرت عليها الكثير من التجارب التى لم تخبرها عنها والدتها وأمهات عائلتها أصحاب المدارس التقليدية فى التربية.
دكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس حذرت الشباب والمراهقين من الانسياق وراء البلوجر دون تفكير، مشيرة إلى أن الكثير منهم يقدم محتوى ويقوم بالإعلان عن سلع ومنتجات مقابل عائد مادي، أى أن الهدف الأساسى الذى يحركهم للقيام بنشر هذا المحتوى هو الشهرة فى المقام الأول ثم إرضاء المعلن.
وطالبت أيضا بعدم الانخراط فى عالم البلوجرز الذى جعلنا استهلاكين نبحث بشكل مستمر عن كل ما هو جديد ويزيد من معدل الرفاهية حتى لو لم نكن فى حاجة إليه.
مشيرة إلى أنها تواجه الكثير من النماذج الذين يقومون بشراء منتجات جديدة بشكل جنونى لمجرد الوجاهه الاجتماعية وليس لرغبة حقيقة فى امتلاكها.
وعلق دكتور أحمد هارون أستاذ الطب النفسى بجامعة عين شمس على خطورة انتشار ظاهرة البلوجر بشكل كبير فى مجتمعنا.
وأكد هارون أن بعض المحتوى الذى يتم نشره يتعارض مع القيم والعادات والتقاليد التى اعتدنا عليها، وقال أنه من الضرورى مراقبة الأهل للأطفال والمراهقين الذين يتعرضون لمحتوى على السوشيال ميديا، وذلك لأن البلوجر أصبحوا يشكلون خطورة على طريقة تفكيرهم وذوقهم العام سواء فى الملابس والموسيقى والرقص والغناء وكافة السلوكيات الحياتية.
وأضاف أن بمتابعة عدد منهم سنلاحظ أنهم سبب أساسى وراء تفكك الأسرة، فبعدما كانت العائلة تجتمع فى الأعياد والمناسبات بشكل دائم، ويستعدون لرحلة الصيف وليالى السهر والمرح، أصبح هم الشباب التجمع مع أصدقائهم مثل البلوجر، فأصبح الأصدقاء فى المقام الأول والعائلة قد تأتى بعدها وأحيانا لا تأتى أبدا.