الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

المرشحة الوحيدة للرئاسة

أكتب هذه الحكايات والذكريات من الذاكرة واعتمادا على بعض ما أمكن جمعه من مواد وصور، وأترك لنفسى حرية التجوّل فى دوائر الذكرى دون تخطيط مسبق حتى أشعر براحة ومتعة لا تحققها عملية التوثيق الأرشيفية ولا يتحقق معها للقارئ ذلك الشعور بالمتعة والمؤانسة.



ومع أن الحكايات والومضات تتزاحم فى رأسى، ومع أن بعض الأسماء تختفى من شريط الذاكرة بفعل التقادم، وتشابك الأحداث والوقائع والشخصيات والمشاعر، فإن ما يهمنى أكثر هو جوهر كل حكاية أو ومضة أو واقعة.

فى تاريخ مصر الحديث كله هناك امرأة واحدة فقط هى التى تقدمت للترشح لمنصب رئيس الجمهورية, هى صديقتى نوال السعداوى.

مصر عرفت فى تاريخها القديم الملكات بالطبع، حتشبسوت وكليوباترا ونفرتيتى.. وعرفت حاكمات مثل شجرة الدر.. لكن فى العصر الحديث وفى زمن حكم الأرستقراطية والأحزاب لم تظهر امرأة واحدة فى قمة السلطة.. وفى عصر ثورة يوليو 1952 حصلت المرأة على حق التصويت فى الانتخابات وحق الترشح لعضوية البرلمان اللذين كانت محرومة منهما فى أزهى عصور الليبرالية.

 

 

 

 وأصبحت تتقلد منصب الوزيرة والقاضية.

ولاشك فى أنه مع التقدم وتمكين المرأة ورقى المجتمع سيأتى وقت تتولى فيه الحكم امرأة.. ما المانع؟..  لكن نوال السعداوى فاجأتنا فى سنة 2005 وهى تتقدم لترشيح نفسها لمنصب «رئيسة الجمهورية»..

فاتصلت بها وأجريت معها حديثًا صحفيًا.. «مع أول مصرية تريد أن تكون «رئيسة جمهورية مصر العربية».. وقبل الحديث قالت لى إنها أرادت أن تنتهز الفرصة لتعتلى المنصات وتتحدث فى الصحف والإذاعة والتليفزيون والاجتماعات والمؤتمرات وتعبر عن آراء وأفكار حرمت من نشرها والتعبير عنها طويلًا.

حكاية نوال السعداوى تستحق أن تحكى، وقبل ذلك أستعيد معكم حكايتى مع هذه المرأة المتميزة بكونها من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل.

عرفتها عندما تزوجت شريف حتاتة الذى تعرّفت عليه فى مكتب رئيس تحرير «صباح الخير» سنة 1964.

وكنت قبل ذلك أتابع ظهورها كوجه جديد فى حركة تحرير المرأة التى بدأتها هدى شعراوى وسيزا نبراوى ثم درية شفيق قبل ذلك بعقود من الزمن. 

وكنت قد قرأت كتابها عن «الأنثى» فأعجبنى وهو دراسة علمية جادة، لو تجاهلنا بعض ما نختلف عليه فيه، وهو قليل.

مع نوال

عندما تيسرت لى محاورتها فى قضية المساواة مع الرجل وجدت أنها تتعصب للمرأة ضد الرجل، وتنظر للأمور بطريقة تختلط فيها الأفكار الصحيحة بالأفكار المرتبكة..المتهورة، فالمطالبة بالحرية تعنى الرجل والمرأة، ولا معنى لحرية المرأة إذا كانت حرية الرجل مسلوبة.

لكن استعداء النساء على الرجال ليس الطريق الصحيح لتحرير المرأة.

هى ترى غير ذلك، تقول إن المجتمع الذكورى حرم المرأة من حقوقها واستغلها واستخدمها وحوّلها إلى عبدة يتسيدها ولا يضع لها أى اعتبار، ولا يقبل بمفهوم المساواة.. 

 

 

 

وواصلت نوال السعداوى كفاحها – على طريقتها- وتعرّضت للمتاعب فى عملها كمديرة فى وزارة الصحة، وعضو نقابة الأطباء ورئيسة تحرير مجلة «الصحة» اعتراضًا على بعض أفكارها.

لكنها نالت تأييد ومباركة نساء كثيرات فى مصر وفى البلدان العربية.

بل وأيّدها بعض الرجال، ومنهم زوجها الثالث شريف حتاتة الطبيب الذى تحوّل من مناضل شيوعى اعتقل فى الواحات لسنوات طويلة، إلى مناضل معها فى قضيتها..لإيمانه بقضية تحرير المرأة.. ووصفته هى فى وقت لاحق بأنه الرجل «النسوي» الوحيد فى مصر!

ومع أنه تعجبنى آراء كثيرة لها، لكن مالا يعجبنى من أفكارها أكثر، وكنت أجادلها فأجدها متمسكة بشطحات غريبة كمهاجمة الأديان واتهامها بأنها سبب تخلّف وعبودية المرأة.. مع أنها كانت محجبة وتدعو للتحجب خلال سنواتها الجامعية (فيما بعد اعتبرت الحجاب والنقاب من مظاهر استعباد المرأة والنظر إليها كعورة، وقالت إن الدين لا يدعو إلى ذلك).

أفكار مجنونة!

ومن أفكارها المجنونة أن يحمل الإنسان اسم أمه، لا أبيه؟!..وأطلقت على نفسها اسم «نوال زينب»! وفكرة سخيفة أخرى: أن تمنع عملية ختان الرجل!.. وفكرة أسخف: أن تتم المساواة فى الميراث بين الذكر والأنثى!

وشطحات نوال السعداوى لا آخر لها، فهى تقول فى أحد أحاديثها التى بلا نهاية، أنها أشهر من نجيب محفوظ عالميًا ككاتبة روائية، لكن الجميع يعلم أن ما تسميه روايات، ليس إلا لوحات درامية ضمن حملتها لتحريرالمرأة.

كما أن هذه «الروايات» لم تنشرها دور نشر، نشرتها، بعد ترجمتها إلى الإنجليزية، منظمات غربية تعنى بقضايا «النسوية».

ورغم مجادلاتى معها، فقد كانت أحيانًا تتغاضى عنها، وتتواصل معى.

ولا أنكر أنها امرأة شجاعة ومثقفة ومثيرة للجدل، وتفكّر بطريقة حرة، متحررة حتى من المنطق.

لكنها جعلتنى أفكّر فى أن قضية تحرير المرأة التى أعتقد أنها لو عرضت بالصورة السليمة، وتحققت، سترتقى بالمجتمع كله.

لكن القضية الصحيحة تحتاج ممن يتبناها أن يكون موضوعيًا، وإلا أضرّ بها، قضية عادلة تنقصها قيادة حكيمة، وغياب القيادة الحكيمة يؤذى القضية للأسف، وهذا هو الحال. 

فتحرير المرأة ليس من الرجل، ولكن من التخلّف الحضارى، صحيح أن المجتمع الذكورى قائم، وعلينا التخلص منه، بالمنطق وبالعدالة، وليس بالسخرية والتهكم.. ولا بالشعارات الفارغة.

وقد اشتهرت بالتصريحات العجيبة والمطالب غير المعقولة.. فهى طالبت بإلغاء التعليم الدينى فى المدارس!

وهى تعلن أن المرأة مقهورة فى جميع الأديان؟!

وتعليقًا على ظاهرة الحجاب التى ترفضها بشدة تقول: لماذا تتحجب المرأة ولا يتحجب الرجل؟!

وإذا واجهها أحد بأنها تناقش قضايا مثل الإسلام دون أن تكون عالمة به بما يكفى، ترد بكلام لا يليق: أنا دارسة للإسلام أكثر من الشيخ الشعراوى.. وأعرف الإسلام أكثر من شيخ الأزهر!

وأذكر أن أحد مشاكلى مع الرائدة النسائية نوال السعداوى، وصفها مثلًا للزواج بأنه استعباد من الرجل للمرأة!.

 

 

 

غرائب

رددّت نوال السعداوى أمامى بفخر فى أكثر من مناسبة، أنها هى التى طلّقت زوجيها الأولين!

أما زوجها الثالث والأخير، فتقول إنه خانها.. واعتقادى الشخصى وأنا أعرفه، أنه بعد مرحلة الانبهار بها والالتزام بقضيتها التى اعتبرها قضيته لسنوات طويلة (43 سنة) أفاق مؤخرًا على حقيقة أن نوال السعداوى، ضيّعت القضية بشطحاتها وانشغلت بنجوميتها وما تحققه من مصالح فى الغرب بمواقفها الخارقة.

مع أنهما فى مراحل سابقة تعرضا معًا لممارسات عنيفة وأحكام قضائية بفصلهما، ودعاوى بتهمة «ازدراء الأديان».. وكان بعض السلفيين يتهمونها بالكفر ويهددونها بالقتل.

ومعروف أنها كانت ضمن الشخصيات المصرية التى اعتقلها السادات يوم 5 سبتمبر1981.. (1800 شخصية عامة).

لكن عِشرة 43 عامًا ذهبت مع الريح للأسف.. عندما أدرك الزوج الطيب أن زوجته مشغولة عنه بتحصيل عائدات شهرتها فى مصر والبلاد العربية والغربية.

وفى اندفاعها نحو الشهرة والحضور، وجدتها تكتب مقالًا عبارة عن رسالة منها موجهة إلى «نادية عابد» فى «صباح الخير» ونشرها بالكامل مفيد فوزي!

عز عليّ ما جرى لنوال السعداوى وزوجها شريف حتاتة فى خريف العمر.. وأتذكرهما عندما كانا يزوران لندن ونلتقى نتواصل وكانا يعدان ابنهما للدراسة العليا فى لندن فيسألاننى عن طرق مساعدة ابنهما لدراسة السينما فى بريطانيا.

ورغم علاقة المجادلة القائمة بيننا وجدتها ذات مرة تأتى إلى لندن وتريد نشر مذكراتها التى كتبتها بعنوان «أوراقى..حياتي».

جاءت بها إليّ ويبدو لى أنها لم تجد لها قبولًا للنشر فى مصر.. وغيرها.

أخذت منها المذكرات لنشرها على حلقات فى مجلة «المشاهد» التى كنت مديرًا لتحريرها فى ذلك الوقت، وقدّمتها لرئيس التحرير فورًا دون حتى أن أطالعها، لكنه ردها لى، قائلًا إنها لا تصلح للنشر!

عندها أسرعت إلى قراءتها، فإذا بها مكتوبة بلغة صاخبة خارجة على كل سياق سوى، فيها اعتراض على كل شيء، المجتمع والسياسة والدين والناس، بألفاظ لا يمكن نشرها فعلًا.

وعلمت فيما بعد أنها تمكنت من نشرها فى بيروت على نفقتها الشخصية، وأن هذه المذكرات منعت من دخول مصر.

لكن المخطوطة التى أعطتنى إياها لا تزال ضمن مقتنياتى.

وقد أعدت مطالعتها وأنا أكتب هذه الحكايات، فى محاولة للعثور على فقرة أو أكثر لنشرها الآن.. لكن بلا جدوى، فالمذكرات محشوة بكتابات لا يمكن نشرها، هل أنشر مثلًا أنها اختلفت مع زوجها الأول واسمه أحمد – كما قالت – دون ذكر لقبه، وإن أشارت إلى أنه كان طبيبًا وتعرفت عليه كزميل لها فى كلية الطب، لكن بعد الزواج وجدها مشغولة بكتابة المقالات والمذكرات (لها كتاب بعنوان «مذكرات طبيبة») فهددها قائلًا: إما أنا أو الكتابة!

فماذا كان منها؟.. كانت حبلى فأسقطت الجنين فى جردل – كما تقول - وأعلنته أنها تفضّل الكتابة!

وبمناسبة المذكرات المكتوبة بخط يدها بقلم رصاص، فقد لاحظت أنها تضع قبل اسمها حرف «د.» أى الدكتورة نوال السعداوى.. مع أنها لا تحمل درجة الدكتوراه!

وإن كنت أعتقد أن كتبها وأبحاثها العلمية عن الأنثى.. وعن الرجل، تكفى لنيل هذه الدرجة!

رسام فرنساوي

وأين يمكن لفنان فرنسى شاب يهوى مصر ويهاجر إليها ويعيش وسط أهلها فى السيدة زينب والأحياء الشعبية التى هام بها..

أين يمكنه مزاولة فنه سوى فى «صباح الخير»؟..

هذا هو «جولو» الذى رحّب به راعى الفنانين ومؤسس «نادى الرسامين» حسن فؤاد.

وعرّفنى به وأعجبت بشخصيته المرحة وبساطته وسلوكه الأشبه بخصال ابن البلد المصرى الأصيل، فأصبحت أصحبه لرسم موضوعاتى وأقدم له موضوعات أخرى ليرسمها، وكان هو يقترح أيضًا ما يريد أن يرسمه من واقع معايشته للحياة الشعبية المصرية.

تحوّل مع الوقت هذا الشاب الفرنسى إلى ابن بلد مصرى.. يعيش فى غرفة مفروشة فى إحدى حوارى السيدة زينب، ويطوف بالأزقة والحوارى ويجلس على المقاهى الشعبية ويدخن الشيشة بشراهة، ويأكل الفول بالزيت الحار.

وطوال الوقت تجده حاملًا دفتر الاسكتشات، يرسم ويرسم ويرسم، بنات الحارة وصبيانها والباعة والميكانيكية والسمكرية..

 ويأتى لنا بكل هذا لنشره فى «صباح الخير».. ونحتفل برسومه ويلقى اهتمام وصداقة كل من فى المجلة.. ثم يختفى فجأة فنعرف أنه فى فرنسا، وعندما يعود يكون قد أصدر كتابين من تأليفه ورسومه بالفرنسية عن وطنه «مصر» كما يسميه هذا الفنان الفرنسى المولد المصرى الهوى.

أحد الكتابين عبارة عن قصة مرسومة كشرائط مصورة عن الأقصر وتاريخها وأساطيرها.. ف«جولو» طاف الأقصر وأسوان.

ويفاجئنا مرة أخرى بأن يقيم معرضًا من وحى الفنون الشعبية المصرية التى وقع فى غرامها، معرض عن فن شعبى بدأ يختفى هو «صندوق الدنيا».

ويقدّم له بالقول: حتى الستينيات من هذا القرن كان من الممكن رؤية هذا الفن فى شوارع القاهرة، ولكنه انقرض.. ويصوّر شريط القماش المثبّت على محورين متحركين داخل الصندوق مشاهد من الأشعار الملحمية والحكايات الشعبية.. السيرة الهلالية (إلياذة الشعب المصرى) ومغامرات الشاطر حسن ورواية الظاهر بيبرس وحكايات ألف ليلة وليلة.

ويقوم العارض بتحريك هذه المشاهد تباعًا مضيفًا إلى العرض تعليقات جذابة، ويملأ الصور حيوية.

وهكذا صمم «جولو» صندوق الدنيا فى التسعينيات مضيفًا لوحات من حياة القاهرة وقتها.. وقد أذهل الجميع بعشقه وحبه لهذا الوطن الذى بادله الحب. 

أتذكر الآن حكاية مؤلمة بمناسبة الحديث عن رسام أجنبى فى صحافتنا، فالصحافة المصرية عرفت مشاركة الرسامين الأجانب وخاصة فنانى الكاريكاتير منذ زمن بعيد وأتذّكر أننى فى طفولتى كانت تستهوينى رسوم لفنان فرنسى متمصر اسمه «سانتوس» كانت تنشر فى مجلات دار «الهلال».

وكان هناك رسامون أجانب غيره هم «رفقي» التركى المتمصر، و«صاروخان» الأرمنى الذى نال الجنسية وأصبح مصريًا.. وكان هناك رسام كاريكاتير مصرى يهودى اسمه «زكي» ترك مصر وتحوّل إلى إسرائيلى بعد حرب 1956.

أما الحكاية المؤلمة فقد وقعت فى سنة 1997 وبطلها رسام كاريكاتير يهودي – أمريكى فرضته إحدى الصحف القومية العريقة على قرائها، فأثارت ضجة.

رسام الكاريكاتير جمعة فرحات، الذى اكتشفه عمنا وأستاذنا حسن فؤاد، هو الذى قاد الحملة على صفحات «روزاليوسف» ضد وجود هذا الرسام واسمه «لوري».

وكان جمعة وقتها من رسامى «الأهرام».. وساندته بالكتابة فى «صباح الخير» تعبيرًا عن المعارضة لهذا الخلل والإهانة.

وشارك فى الحملة على صفحات المجلة صديقنا رسام الكاريكاتير رؤوف عياد، ومن «صباح الخير» أيضًا كشف محيى الدين اللباد فنان الكاريكاتير والتصميم الفنى للصحف والمجلات والكتب أنه عندما كان مديرًا فنيًا لجريدة «السفير» اللبنانية عرض عليه نشر رسوم هذا الـ «لورى» فرفضه تمامًا.

أما بهجت عثمان فقال ساخرًا: وهل سيصبح وريثًا لصلاح جاهين؟! 

ثم ساهم فى الحملة إيهاب شاكر محتجًا على جمعية الكاريكاتير المصرية برئاسة مصطفى حسين التى تعاقدت أيضًا على نشر رسوم هذا العدو.. 

 وانتهى الأمر بعدها بانتصار الحملة وتنظيف صفحات الجريدة القومية الكبرى من هذا الـ«لوري». وفى الأسبوع المقبل نواصل