توماس جورجسيان
سنة من الحرب.. بدءًا من غزة ومرورًا بلبنان
لا شك أن من يقرأ عنوان مقالى هذا قد يضيف من عنده عبارة ووصولا لإيران. وذلك بعد ما شاهدناه وعايشناه فى الأيام الأخيرة، من تحركات ومواجهات واستفزازات عسكرية تسعى إسرائيل من خلالها لجر المنطقة إلى دمار شامل!
مع مرور عام على بدء حرب لم تتوقف حتى الآن كان من الطبيعى أن يتساءل أصحاب الرأى فى أمريكا عما حدث وعما يحدث وعما قد يحدث فى المستقبل القريب والبعيد للمنطقة برمتها ومن ثم العالم. والسؤال الذى يفرض نفسه وماذا عن أمريكا وعن تأييدها المطلق لإسرائيل؟ وماذا عن دورها فى التعامل مع الملف الفلسطينى؟ ومحاولاتها لاحتواء الأزمات والتوترات وفى السعى لتحقيق الاستقرار فى المنطقة وأيضًا فى تحديد ملامح الخريطة الجديدة للشرق الأوسط ومناطق النفوذ بها.
وبالتأكيد يطرح أمرًا مهمًا: كيف سوف تدفع واشنطن ثمن انحيازها الأعمى لنتنياهو رئيس وزراء إسرائيل بأطماعه التى لا تعرف الحدود.؟ وهل سيكون ثمن ما يدفعه بايدن الرئيس الأمريكى وأيضًا كاميلا هاريس المرشحة لرئاسة أمريكا باهظًا؟ ولا شك أن ترامب المرشح الجمهورى للرئاسة يعجبه هذا التخبط وهذا التردد من جانب الإدارة سواء كان فى حب إسرائيل أو فى مواجهة إيران. والحديث المتكرر من ترامب ومن مؤيديه عن أن إسرائيل دولة صغيرة بمساحتها المحدودة المحاطة والمحاصرة بتهديد الأعداء! وهذا ربما يعد الضوء الأخضر لضم الضفة مستقبلا.. كما حدث من قبل بالنسبة لهضبة الجولان فى ولاية ترامب السابقة! وبما أننا نعيش فى سنة غزة وسنة الانتخابات الأمريكية معا فمراقبو المشهد الأمريكى رصدوا تغييرًا لما حدث فى تعاطف الأجيال الجديدة (أقل من 40 سنة) فى أمريكا مع الشعب الفلسطينى ومعاناته. تحديدًا لما حدث للأطفال والأمهات من أهل غزة، وبالطبع فإن جيل الزد وأهل التيك توك ساهموا فى إحداث هذه الهزة فى المفهوم الأمريكى تجاه ما جرى فى هذه الحرب. مشاهد المظاهرات والمسيرات المطالبة بوقف إطلاق النار ومنع إرسال الأسلحة لإسرائيل تكررت وتوسعت عددًا وتواجدًا وتأثيرًا خلال سنة الحرب. وصارت قضايا حرية التعبير وأيضًا الحق الفلسطينى مطروحة على الساحة الأكاديمية والسياسية والإعلامية، هذا الملف لم يغلق بعد حتى بعد استقالة أو إقالة رؤساء جامعات كان عليها أن تتعامل بطريقة أفضل مع حق الطلبة فى التعبير عن أنفسهم!. وبالطبع فى المقابل انصبت عليهم الانتقادات الحادة بأن تم السماح لخطاب الكراهية والمعادى للسامية بالتظاهر فى رحاب الجامعة إضافة إلى ترهيب الطلاب اليهود وربما تهديد حياتهم!
وحتى لا تختلط الأمور ومن ثم يتم إصدار أحكام واتهامات عامة فى أجواء المزايدة المستمرة فى زماننا الحالى فإن ما قيل خلال السنة الماضية وما يُقال الآن علينا أن نتعامل معها بحذر وأن نكون أكثر قدرة ورغبة على قراءة المشهد كما هو دون أن نُصدر أحكامًا مسبقة من باب التمنى غالبًا أو أن نتجاهل أو نقوم بإخفاء ما قد لا يأتى على هوانا!!
ومثلما تزلزل موقف اليهود الأمريكيين تجاه إسرائيل وقادتها السياسيين والعسكريين وطبيعة علاقاتها مع أمريكا وأيضًا جيرانها فى المنطقة فإن سنة الحرب التى مضت أحدثت هزات فى موقف العرب الأمريكيين (والفلسطينيين منهم على وجه الخصوص) تجاه الإدارة الأمريكية وغزة والضفة والقيادة الفلسطينية وطرح حل الدولتين وأيضًا تجاه الدول العربية والمجتمع الدولى.
وأنا أكتب هذه السطور أجد هذه العناوين كمقالات تحليل ورأى مطولة فى موقع مجلة «فورين أفيرز» العريقة والمتخصصة فى الشئون الدولية كتبها خبراء ومسئولون سابقون سواء من أمريكا أو إسرائيل.
ـ ماذا خسرت إسرائيل وكيف تستطيع أن تستعيد تفوقها الاستراتيجى؟
ـ المفارقة الإسرائيلية مع الهزيمة. كيف ينتج النجاح العسكرى الفشل السياسى؟
ـ الشرق الأوسط فى حالة اشتعال النار. كيف يمكن للولايات المتحدة أن تستعيد الردع وأن تسحب المنطقة بعيدًا عن الحافة؟
ـ أين ستنتهى حرب إسرائيل متعددة الجبهات؟ قد لا يكون هناك يوم تالٍ أفضل.
ـ أمريكا فى حاجة إلى استراتيجية جديدة لتجنب كارثة أكبر فى الشرق الأوسط. الدبلوماسية المكوكية يجب دعمها بأدوات ضغط ذات قيمة.
خلال السنة الماضية بدءًا من 7 أكتوبر 2023 شهدنا طوفانًا من الأحداث المتلاحقة والمواجهات العسكرية والمآسى الإنسانية من موت المدنيين الأبرياء والتهجير القسرى، كما عشنا سيلا من التصريحات والتعليقات والتحليلات والتوقعات والتهيؤات والسيناريوهات المحتملة.
الأسئلة التى تحيرنا وتحاصرنا وتوجعنا صارت أكثر عددًا وأكثر شراسة من الإجابات التى نحاول أن نجدها. الحالة أو اللا حالة (المضطربة المخيفة) التى نشأت منذ سنة مازالت قائمة ليس فقط لا تتحسن بل تزداد سوءًا.
الحديث عن اليوم التالى لم يعد يخص غزة.. بل لبنان أيضًا والمنطقة برمتها لمن يعنيه الأمر.
خلال العام المنصرم تعلمنا من ضمن ما تعلمناه قيمة معرفتنا بالتاريخ وأهمية إلمامنا بتاريخ فلسطين والفلسطينيين. أن تدافع عن تاريخ وحق وحضارة وإنسانية عن معرفة.. النكبة والتهجير والتطهير العرقى والتشبث بالأرض والتمسك بالرموز التاريخية الكوفية والعلم الفلسطينى بألوانه وشعر وشعراء المقاومة. ماذا تعلمنا من كل هذا ؟ أو لماذا لم نتعلم من كل هذا؟
البعض منا بلا شك لا يريد أن يطرح الأسئلة خوفًا من الإجابات المحبطة التى عليه أن يتعامل معها.. أو أن يعمل بها من أجل الخروج من المأزق الحالى.
عام كامل عشناه وعانينا منه وأنا متأكد أن كل قارئ لهذه السطور شهد الكثير وهو يتابع الأحداث والمواقف والتصريحات والمزايدات... وبالتالى له رأيه أيضًا.. وموقفه مما حدث وأحدث إرباكًا وحيرة لدى أهل المنطقة ودول العالم وأيضًا لدى أصحاب القرار بها.