الأربعاء 23 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أول رواية عربية تفوز بالبوكر العالمية «سيدات القمر».. طوق الحمامة والزهرة الخرساء والفراشة السوداء

فى مايو 2011 قدّم الكاتب البحرينى حسن مدن دراسة طويلة فى مؤتمر عن الرواية العمانية، أقيم بمسقط، بعنوان «الحب الشقى فى النص الروائى النسوى فى عُمان - سيّدات القمر» لجوخة الحارثى و«الأشياء ليست فى أماكنها- لهدى حمد نموذجا». تحاول هذه المطالعة، أن تتوقف أمام نموذجين من السرد الروائى فى سلطنة عُمان، أحدهما: «سيدات القمر» للكاتبة جوخة الحارثى، والثانى رواية: «الأشياء ليست فى أماكنها» للكاتبة هدى حمد الجهورى.



(للوقوف على تناول الكاتبتين لثيمة الحب، الذى يسعى للتمرد على كوابح انطلاقه فى بيئة محافظة)، ولكنه يصطدم بتحديين: الأول ناجم عن تعقيدات هذه البيئة التى لازالت تنظر بعين الريبة والحذر تجاه رغبة المرأة فى انتظار من تُحب، والثانى ناجم عن التحدى الأزلى الذى يواجهه العاشق حين تفقد عاطفة الحب طاقة اشتعالها. سنكون أمام نماذج نسائية تجابه مصير الحب الشقى، العصيّ على التحقق، فلا يكون أمام هذه النماذج من حل سوى الانتظار أو اختراع حلمٍ مواز، هو بمثابة ملاذ من خيبات الواقع». (دراسة: الحب الشقى فى.، حسن مدن 2011).

يلتقط الكاتب من هذه النماذج سالمة الأم، عروس الفلج، زوجة عزّان المسحور بعشق بدوية فاتنة، نجيّة الملقبة بالقمر، امرأة لم تخلق لتخدم رجلًا أو تطيعه، تريد رجلًا يكون لها ولا تكون له، يأتيها حين تشاء ويذهب حيث تشاء. «سيدات القمر» ص40. سالمة التى عاشت مع خالها، فقد أبلغ عمها والدتها أنه سيزوجها قريباُ لقريبه عزّان، وكان شابًا غرًا يكبرها ببضع سنين، ولم تكن أمها راغبة فى تزويجها له، فانتصر لها أخوها وأصرّا على رفض الزواج، لكن الشيخ سعيد أصرّ على رأيه، وأنذر خال سالمة إن لم يفتح باب البستان لتخرج منه العروس فإنه سيخرجها بطريقته. أحسّ الخال أن كرامته أهينت فأصرّ على إغلاق باب بيته. جاء عبيد وعبدات الحاج إلى بيت الخال وقالوا إن على سالمة أن تذهب معهم الآن وإلا فسيضطرون لأخذها عنوة، وإرجاعها سباحة عبر الساقية حتى الفلج الرئيسى فتح خالها الباب فأخذ الرجال والنساء سالمة التى أصبحت عروساُ لعزان بعد بضع ساعات، ولقبت بعروس الفلج. «سيدات القمر» ص159. وخولة التى اكتشفت أن هذا النص ليس فى كتاب (طوق الحمامة)، وإنما فى كتاب آخر أقل شهرة هو الزهرة، لكن المهم أن ناصر هو نصفها، وسيعود، وعاد. تتمسك خولة بحلمها بعنف، لقد عاد إليها ولن تفقده من جديد، وكلما ازداد صبرها على هجره عظمت فى عين نفسها، رأت حياتها المعذبة مثالًا على الحب العظيم المتفانى الذى لا يكسره أى شيء حتى شراسة قلب الحبيب الذى ما أن يأتى إلى عُمان حتى يستغرق فى محادثات تليفونية، ويعلق صورة صديقته الكندية فى علاّقة مفاتيح سيارته، الذى يحضر لأولاده ملابس فاخرة من كندا ولكنها دائمًا أصغر من مقاساتهم. «سيدات القمر» ص184-185.

 

 

 

حين استقر ناصر فى عُمان وولدت طفليها الأخيرين وأصبح لا يكاد يخرج من البيت إلا للعمل، قرّرت خولة أن تطلب الطلاق. ظنّ الجميع أنها جُنت، أو أنها تخفى أسرارًا رهيبة دفعتها لهذا القرار المجنون. كانت عاجزة ببساطة عن احتمال الماضى، كل شيء فيه يتضخم ويخنقها، كل ليلة تكبر صورة البنت الكندية فى علاقة مفاتيح السيارة وتنام على وسادة خولة. «سيدات القمر» ص218.

ظريفة التى اشتراها التاجر سليمان بعشرين قرشًا فضيًا، وأطعمها فى الوقت الذى كان فيه شوال الأرز بمائة قرش فضى ثم تزوجها: آه يا ظرّوف. ناعمة يا ظرّوف لكنك كبرتِ، بطرت فزوجها حبيب ومنه ولدت سنجر. حبيب هو الآخر هجرها. كان يصغرها بعشر سنوات. أم ظريفة يلقبها الناس بـ«الخيزران» لطولها ورشاقتها، لكن اسمها الحقيقى هو «عنكبوتة»، كان أبوها قد ملّ من ولادات زوجته المتكررة ومن انتقاء الأسماء التى ينبغى فى كل مرة ألا تقترب من أسماء الشيوخ والأسياد، فلم يخطر على باله اسم آخر غير عنكبوتة، وهكذا كان. «سيدات القمر» ص60.

عنكبوتة والدة ظريفة، التى ولدتها عند الشيخ سعيد، حين بلغ عمرها ست عشرة سنة باعها الشيخ إلى التاجر سليمان، لتصبح عبدته وحبيبته، والمرأة الوحيدة التى اقتربت من داخله، وليصبح الرجل الوحيد الذى ستحبه وتهابه حتى تموت، الرجل الذى سترى فيه المُخلّص من إهانات أولاد الشيخ سعيد، والحبيب الذى عرفها على ملاذ الجسد، ومنبع لعبة القسوة والغيرة، وأخيرًا الشيخ الذى عاد إلى حضنها ليموت فيه. «سيدات القمر» ص125. 

هذه هى أول رواية عربية تفوز بالبوكر العالمية تحت عنوان (Celestial Bodies)، حدث الآن فى صيف 2019. تتداخل فى رواية الأجيال (سيدات القمر) الصادرة عن دار الآداب وتقع فى 1224 صفحة، ثلاث عوالم مثل دمى الماتريوشكا، الأوسط يظلل الأصغر، والأكبر يحتوى الكل. الصندوق الحاوى هنا هو مشهد عُمان السياسى وأدق المراحل التى مرت به. ولم تتوقف عندها المؤلفة (خوجة الحارثي) كثيرا، بل ركّزت على هو تجارة الرقيق التى ازدهرت فى مرحلة ما، وكان تُجَّار العبيد يجلبونهم من شرق أفريقيا وبلوشستان. فى 25 سبتمبر 1926 كانت عنكبوتة الملقبة بالخيزران تحتطب فى الصحراء حين فاجأها المخاض، وفى اللحظة التى ولدت فيها طفلتها مستخدمة سكينًا صدئة فى فصل حياتيهما، كان المجتمعون فى جنيف يوقعون على الاتفاقية الخاصة بالرق التى تنص على إبطال الرق وتجريم تجارته، فى ذلك اليوم أيضًا أكملت عنكبوتة سنواتها الخمس عشرة، ولكنها بكل تأكيد لم تكن تعرف ذلك، كما لن تعرف قط عن بلاد اسمها جنيف. «سيدات القمر» ص124. ثم نغوص فى تفصيلات العالم الأوسط، وهو مجتمع بلدة مُتخيَّلة اسمها (العوافي)، والطبقية الدنيا من أهلها الفقراء وفى قاع رجات سُلَّمهم يأتى الرقيق، وقد برعت جوخة الحارثى فى تناول هذه الفئة جنبا إلى جنب مع سادتها وتبيان العلاقة التى تجمعهما ببعضها برموز لا تخطئ مرماها وإسقاطات ناعمة أنثوية وإشارات شديدة الذكاء. لا ينحصر شكل المجتمع هنا فى ظاهرة الرقيق، بل تتوسع الى تناول أحوال المعيشة والبنى الثقافية الشعبية حيث تننتشر القصص الخرافية والأساطير نتيجة الجهل المستمر والحرص على التجهيل. أما عالم القلب الأصغر نقرأ ما يجول فى نفوس الشخصيات حيث لكل منها مأساتها وهواجسها وحكايتها الموجعة تحت قهر المجتمع. تناولتها جوخة الحارثى فى نسيج سرد متشابك غير مهترئ ولا متهدل، سلس محكم يمسك بتلابيب القصة وأغراضها وقارئها. كما تمكّنت من السيطرة على قبضة الزمن على كل من مستوى الكتابة وعمر أحداث الرواية، إذ نمر على أربعة أجيال بيسر ودون حيرة أو تشتيت، فننتقل من عام 1802 وقت توقيع اتفاقية عدم بيع الرق الأولى إلى مسقط وإتفاقية الشارع السريع التى ستحول دون أن يحصل عبدالله وميا على مساحة لا بأس بها من الأرض كانا يريدان الحصول عليها. النقاط التاريخية لا تسردها الكاتبة على سبيل توثيق الأوضاع السياسية التى مرت بها هذه الأجيال، بل هى خلفية محركة للحياة الاجتماعية الشاملة لهذه الشخصيات. العبيد وغيرهم فى (سيّدات القمر) ينشدون الانعتاق ولو من سجن الذات تطلب الحريّة بالتحامها بالآخر أو بالاغتراب عنه. تجمع بلدة العوافى العُمانيّة حكايات هذه الشخصيّات المشعثة المغبرة المشتَّتة فى القرن العشرين، حيث نرى ألف نموذج للعبودية بلا رسن والعشق بلا قصائد والعائلة بلا صلات رحم والتقاليد بغير رحمة.

المؤلفة مشغولة بجيل المستقبل (ستلاحظ ذلك فى رواياتها السابقة: «نارنجة» دار الآداب 2016، «منامات» المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2004، ومجموعة «صبى على السطح» دار ازمنة 2007 والنص الذى كتبته للأطفال «عش للعصافير» النادى الثقافى بمسقط 2010) إن الجيل الأصغر فى الرواية يعانى أكثر، هذا الجيل الذى تدرَّب على النفاذ ببصيرته بسرعة إلى الأعماق، يجد نفسه فجأة إزاء جيوب محصورة من تلك الرواسب والذكريات، ربما لم يواجهها جيل سابق أبدًا بغير ذريعة مقدسة، وهو يواجهها تحت أعين الناس جميعًا وعلى رؤوس الشهاد. إنه جيل يستكسشف كل مكان، ويحول جحيم الروح إلى معارض صور حية، ولا مانع لديه من تناول طعامه من أكداس المخازن والسير بقيود غير مرئية، وربما كان على حق فى ذلك، فهو يستمد قوته من المستقبل الوهمى إنه يشغل أذهاننا وأذهان الكبار فى (سيدات القمر) كما لم يفعل جيل آخر مع أبناء عصره منذ زمن طويل. إنه يُزاحم ويبدِّل ويحاول التنظيف، والبعض مدين له لذلك بالكثير فمن منهم لم يرمقه، ولو للحظة، بعين الريبة، ولم يتساءل عما إذا كان هذا الجيل معنيًا حقًا بالحياة كما نفهمها، أم إنه يريد استغلال النفس البشرية بطريقة أكثر آلية وأشد استنزافًا فحسب؟ إنه يربكنا بإمكانيات للرؤية تتجدد باستمرار، ولكن كم هناك من أشياء وضعها أمامنا ولم يترتب عليها تقدم مماثل فى حياتنا الداخلية؟ المؤلفة تفترض فى روايتها أن شبابنا الثابت الخطى قد منح فى الوقت نفسه القدرة على إعطاء الشكل الخارجى المرئى بالتدريج بقدر مكافئ تمامًا لأكثر حقائقه الداخلية صفاء، وتجعلنا على استعداد لتصديق أنه يملك هذه القدرة إلى الحد الأقصى. معالجة قد تكون أعقد مما ينبغى؛ فالتبسيطات جميعًا مهما بلغ من درجة تغلغلها، فماذا يمكن فى الواقع أن يغير حالة شخص قدر له، منذ أيامه الأولى، أن يحرك قوى هائلة داخل نفسه ذاتها، وهى قوى يحبسها الآخرون ويلزمونها الصمت؟ وأى سلام يمكن أن يلقاه إذا كان يعانى فى قلبه من سياط إلهه؟

«إننى أتعامل مع النقد بجدية شديدة، تصل إلى درجة الإيمان بأنه، حتى فى خضم معركة يقف فيها الفرد.. بجانب أحد أطرافها، يجب أن يكون هناك نقد ذاتي». كلمات للمفكر إدوارد سعيد؛ فلا بد من وجود وعى نقدى، كى تكون هناك قضايا ومشاكل وقيم وحتى حيوات نناضل من أجلها.. فينبغى على النقد أن ينظر لنفسه بوصفه عنصرا يُثرى الحياة، وفى حالة تضاد بناءة مع كل أشكال الطغيان والسيطرة والاستغلال؛ فأهداف النقد الاجتماعية هى المعرفة اللا قسرية وغرضها الحرية الإنسانية! أما خوجة فقد مارست هنا عمليات النقد الاجتماعى فى كل فقرات الرواية تقريبا، ولا تنبذ الجيل السابق (الرواية تهديها إلى أمها) لكنها تتمسك بصدق الحزن مع ميا التى استغرقها العشق واستغرقتها ماكينة الخياطة السوداء ماركة الفراشة، عشق أسود صامت تسجد معه ولا تدعو الله إلا بأن (تراه) لكن أمها لا تفهم وتظن أن ميا سجينة ماكينة الخياطة لا تكاد ترفع عنها رأسها إلا لتبحث عن الخيوط أو تتناول المقص. تركت الصلاة عندما خطبت لشخص آخر، ظنت أن الله يعاقبها على حبها. زوجها الأحمق سليمان يرفض أن تلد فى المستشفى بمسقط حتى لا يقع مولوده (فى أيدى النصارى!) وهى تسمى مولودتها: لندن. تعبيرًا عن الحب الصامت الذى اجتاحها حين أبصرت على بن خلف الذى كان قد أمضى سنوات فى لندن للدراسة وعاد بلا شهادة، لكن رؤيته صعقت ميّا فى الحال. كان طويلًا لدرجة أنه لامس سحابة عجلى مرقت فى السماء، ونحيلًا لدرجة أن ميا أرادت أن تسنده من الريح التى حملت السحابة بعيدًا. كان نبيلًا. كان قديسًا. «سيدات القمر» ص9.

«حين سألها زوجها حين ناموا: تحبيننى يا ميا؟ جفلت. سكتت ثم ضحكت. ضحكت بصوتٍ عالٍ أزعجه، قال من أين جاء لك كلام المسلسلات هذا يا رجل. أم أن الدش والأفلام المصرية خرّبت عقلك. لم تقل أبدًا إنها أحبتنى لم تقل ذلك قط. «سيدات القمر» ص27، كانت تكذب. كانت تعرف ما هو الحب. تلك العاطفة البهيجة المتوهجة التى اجتاحتها حين رمقت على بن خلف. أسماء دودة القراءة التى لا تحب الكتابة المتعرجة المتعجلة، وتتذكر ذلك اليوم الذى افتتحت فيه المدرسة فى العوافى قبل بضع سنين. لم يسمح للبنات الأكبر من عشر سنوات بالدخول إلا فى فصول محو الأمية التى افتتحت لاحقًا. سجّلت فى تلك الفصول ولم تكد تصل للإعدادى حتى أقفلوها لقلة العدد. «سيدات القمر» ص34، ستتزوج من خالد رسّام الخيول، الذى عاش مع والده عيسى المهاجر فى القاهرة: تسأله لماذا ترسم يا خالد؟ فأجاب: لأتخلص من الحياة فى حدود خيال أبى، وأصبغها فى حدود خيالى أنا. منذ طفولتى حتى أوائل عشريناتى وأبى يحددنى وفق محددات خياله، كانت له طاقته الخيالية الواضحة، وكنت أنا وقود هذا الخيال، وكل تصوراته عليَّ أن أكون تجسيدًا لها. «سيدات القمر» ص190.

كان خالد يقول: «حين شرعت فى نسيان بلد اسمه عُمان ماتت غالية. لم أعرف أن عوالمنا مترابطة إلى هذا الحد المخيف، أنا وأسرتى إلا بعد أن ماتت غالية، انهارت عوالمنا كلنا، أبى وأمى وأنا وأخى، وأمام السؤال حول مكان دفنها تكشفت لى، أنا الفنان الحر، الذى توهّم حريته، كم كانت الأواصر الخفية بيننا عميقة، كم ينهار عالمى بانهيار عالمهم»، سيدات القمر» ص159.

خولة التى ترفض الزواج بانتظار ابن عمها ناصر الغائب فى كندا للدراسة وكان قد تعارك مع عبدالرحمن ولد القاضى يوسف بسببها وهم أطفال. قال لها: «لا تتزوجى عبدالرحمن، أنت خطيبتى أنا، أنا ولد عمّك وليس هو». لم تنس جملته ولا يمكن أن ينساها ناصر: سنتان أو ثلاث أو خمس، فليكن، وماذا فيها إن كانت ظروفه تمنعه من العودة»، «سيدات القمر» ص88. «يا رب ردّ لى ناصر». الجميع يعرف أن ناصرًا لن يعود، لكن خولة العنيدة لا تستمع لأحد. «سيدات القمر» ص167.

 

 

 

لا يعرفون شيئا عن حبيبها المهاجر فتقول لأن بشرتها بيضاء جدا. لكنهم يتهافتون ويذلّون بعضهم على فتات وسخافات، الوالد يصيح اربطوا العبد سنجر حتى لا يعود يسرق خيش البصل مرة أخرى! (الكائنات منفصلة فى اتّصالها وهذا أقسى أنواع العزلة) هو المعنى الذى أرادته المؤلفة، فى بعض خطوط الرواية التجريبيّة العبثيّة فكأنها رواية المجرة العُمانيّة، وما الشخصيّات المنعزلة المتشظية بين دروبها سوى تعبير عن غلاظة قيود الأرض واستحالة التحليق نحو النجوم. (الحياة منشطرة شطرين كالليل والنهار: ما نعيشه وما يعيش بداخلنا) الشخصيّات تعيش بين الأرض والسماء وفى أزقة النفس الداخليّة قاتمة كالليل وصارخة كالشمس.

 

تبدو من بعيد حيوات عاديّة تتبع نمطًا تقليديًّا فى مجتمع يؤمن بعادات بالية وشعوذات خرافية وأدوار محدّدة سلفا للجميع. لكن، بالتدريج، يلمس القارىء حيرتها وتقلّباتها وفرديتها وتمرّدها وهى تطوف فى مسارات قدرية مخيفة. ومن هنا فإن الرواية لا تثير اهتمامك العميق إلا بقدر ما تشغل الذهن بتحويلات محددة، تلك التحويلات التى تؤدى فيها الخصائص الباهرة للغة دورًا رئيسيًا لكنها لا تستحوذ عليك استحواذًا عميقًا إلا إذا وجدت أثار الفكر فيه متكافئة فى القوة مع اللغة ذاتها. القدرة على الالتواء بالفعل العادى حتى يحدث أثرًا غير متوقع، وذلك دون الخروج على القواعد المعروفة والتحكم فى الأشياء والمعانى التى يصعب التعبير عنها، وبخاصة التحكم فى وقت واحد فى الإشارات والهارمونية والأفكار، وتلك عقدة الأدب الفذ.