السبت 26 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

53 دقيقة اشتباك فى السماء

«إلى العلا فى سبيل المجد».. ذلك هو الشعار الذى اتخذته القوات الجوية المصرية التى تحتفل بعيدها يوم 14 أكتوبر من كل عام، بعدما سطرت على صفحات التاريخ بطولات وانتصارات نسورها، ففضلا عن أن الضربة الجوية الأولى كانت هى مفتاح نصر حرب أكتوبر ، فقد استطاع مقاتلو سلاح الطيران المصرى فى يوم 14 أكتوبر 1973أن يديروا أطول معركة جوية فى سماء المنصورة لمدة 53 دقيقة؛ كبدوا فيها الطيران الإسرائيلى خسائر فادحة، وعلى الرغم من أن الطائرات الإسرائيلية كانت على أعلى مستوى من الجاهزية والتسليح، فإن الطيار المصرى ذا الكفاءة العالية لم يتراجع، بل كان نسرا انقض على فريسته، وجعل تلك الطائرات الحديثة تتساقط فى وضح النهار وسط ذهول القيادات الإسرائيلية والعالم أجمع، لتصنف «معركة المنصورة الجوية» كأطول معركة جوية فى التاريخ العسكرى الحديث، وأصبحت تدرّس فى أهم وأكبر الكليات الجوية فى العالم.



جاء اختيار يوم 14 أكتوبر ليكون عيدا للقوات الجوية، بعد النجاحات المتتالية للقوات الجوية فى تنفيذ المهام المخططة خلال حرب أكتوبر المجيدة مما أربك العدو وأفقدته توازنه إلى أن جاء يوم 14 أكتوبر، فقام العدو محاولا تحقيق أوهامه بتوجيه قوته الضاربة، صوب القواعد الجوية والمطارات بمنطقة الدلتا، فتفاجأ بما لم يدر بخلده، عندما تصدت له نسور الجو المصرية، بمهارة واقتدار فى مواجهة مباشرة بين ما تملكه قواتنا الجوية من طائرات أقل تقدما وكفاءة مما يملكه العدو، وهنا تتجلى براعة الطيار المصرى، وإصراره على النصر الذى تحقق فى معركة استمرت لأكثر من خمسين دقيقة، كأطول معركة جوية فى تاريخ الحروب الحديثة، اشتركت فيها طائرات من الجانبين، فقد فيها العدو أكثر من 44 طائرة، ولم يكن أمام باقى طائراته، إلا أن تلقى بحمولتها فى البحر وتلوذ بالفرار، وسميت هذه المعركة بمعركة المنصورة واتخذتها القوات الجوية عيداً سنويا لها.

 

 
 
 
 

 

كانت البداية عندما فوجئ أهالى الدلتا بهجوم طائرات إسرائيلية على سماء مدينة المنصورة يوم 14 أكتوبر 1973، فقد أراد العدو الإسرائيلى تدمير قواعد الطائرات المصرية فى منطقة الدلتا فى ضربة واحدة كمحاولة لرد الصفعة التى تلقاها فى الضربة الجوية الأولى، ولم تكن هذه هى المحاولة الاولى للهجوم على قاعدة المنصورة العسكرية، بل كانت هناك ثلاث محاولات آخرها هجوم 14 أكتوبر، المحاولة الأولى يوم السابع من أكتوبر وتم إفشالها، والثانية يوم الثانى عشر من أكتوبر وتم هزيمتهم وخسر العدو ست عشرة طائرة، أما المرة الثالثة فكانت معركة المنصورة الكبرى. 

وقد اختارت إسرائيل قاعدة المنصورة الجوية، لأنها كانت أكبر قاعدة جوية مصرية آنذاك، كما أنها كانت القاعدة المصرية الوحيدة المجهزة بصواريخ سكود القادرة على الوصول إلى وسط إسرائيل، فشعرت إسرائيل بالذعر بعدما نقل لهم جهاز الاستخبارات الأمريكى تلك المعلومة، فضلا عن أن العدو أراد ضرب أكبر مخزون استراتيجى لسلاح الجو المصرى انتقاما منه كونه السبب الرئيسى فى نصر أكتوبر بعدما نجح فى الضربة الجوية الأولى، ودمر معظم مراكز القيادة الإسرائيلية. كما أراد الطيران الإسرائيلى تحييد الطيران المصري، وعرقلته عن تغطية ومساعدة القوات البرية المصرية فى العبور.

فقام العدو صباح يوم 14أكتوبر بالهجوم على القاعدة بثلاثة أسراب من طائرات الفانتوم، وعدد من طائرات سكاى هوك، فبلغ قوام الطائرات الهجومية حوالى 120 - 160 طائرة إسرائيلية، قامت بالهجوم من خلال ثلاث موجات.

 

 

 

الموجة الأولى؛ هجوم 20 طائرة فانتوم على قاعدة المنصورة، قام الرادار المصرى برصدها، فأبلغ على الفور قيادة القوات الجوية، فأعطى اللواء طيار محمد حسنى مبارك أوامره بصفته العسكرية كقائد للقوات الجوية بإقلاع 16 طائرة مصرية من طراز ميج- 21 لعمل مظلة جوية لحماية القاعدة دون التقدم نحو الطائرات الإسرائيلية، وجاء ذلك القرار نتيجة استيعاب التكتيكات الإسرائيلية السابقة التى كانت تعتمد على استدراج الطائرات المصرية إلى مصيدة بحيث تجد الطائرات الاعتراضية نفسها فى مواجهة عدد أكبر من طائرات الخصم وفى نفس الوقت الذى تُستدرج فيه الطائرات المصرية بعيداً عن قاعدتها، وتقوم بالضرب. فأحبط المخطط الإسرائيلى، وعادت طائراتهم.

الموجة الثانية: بعد حوالى ربع ساعة، أبلغت رادارات قوات الدفاع الجوى بهجوم 60 طائرة، لكنها هذه المرة جاءت من ثلاثة أماكن متفرقة؛ بورسعيد ودمياط وبلطيم، وهنا أمر مبارك باعتراضها وإجبارها على التفرق بواسطة 16 طائرة ميج- 21 من قاعدة المنصورة و8 ميج- 21 من قاعدة طنطا إضافة إلى 16 طائرة تُشكل المظلة الجوية لحماية القاعدة.

 وفى التوقيت ذاته هجمت 16 طائرة فانتوم اسرائيلية تحلق على مستوى شديد الانخفاض حتى لا تلتقطها الرادارات المصرية، لكنها رصدتها بالفعل وأقلعت 8 طائرات ميج- 21 من المنصورة و8 ميج- 21 من مطار أبو حماد لاعتراضها وهنا بدأت المعركة الجوية. فقامت الطائرات المصرية بالاشتباك الجوى على الرغم من قوة الطائرة الفانتوم، مقارنة بالطائرات المصرية من طراز ميج، لكن المقاتلين المصريين استأسدوا وانقضوا كالنسور على الفرائس، وخلال المعركة حاولت بعض الطائرات الإسرائيلية ضرب مطار المنصورة وتكرار ما حدث فى يونيو 67، لكن الطائرات المصرية لم تتأثر على الإطلاق بفضل الدشم الإسمنتية التى كان بناؤها هو القرار الأول الذى اتخذه القادة المصريون بعد 1967.

الموجة الثالثة؛ رصدت الرادارات المصرية موجة إسرائيلية ثالثة بقوة 60 طائرة قادمة من ناحية بورسعيد، فصدرت الأوامر بإقلاع 8 طائرات ميج- 21 من مطار أنشاص لاعتراضها، و20 طائرة ميج أخرى كانت قد هبطت للتزود بالوقود وإعادة تسليحها واشتبكت الطائرات المصرية مع الطائرات الإسرائيلية فوق قريتى دخميس ودكرنس بالمحلة الكبرى.

 

 

 

وبعد مرور 53 دقيقة من بداية المعركة، انسحبت الطائرات الإسرائيلية بعدما سقط منها أكثر من 44 طائرة، وقامت الطائرات الباقية بإلقاء حمولتها ولاذت بالفرار، وسط اندهاش القيادة الإسرائيلية والعالم أجمع من كيفية تغلب طائرات الميج التى لا تستطيع المكوث مدة طويلة فى الجو على الطائرات الفانتوم ذات الإمكانيات والتسليح الهائل والمتقدم، لكن الفضل كان يعود إلى عظمة الطيار المصرى..كلمة السر فى معركة المنصورة الجوية.. أطول معركة جوية فى التاريخ العسكرى الحديث بعد الحرب العالمية، والتى تدرس فى مناهج أهم الكليات الجوية العسكرية فى العالم.