الأربعاء 16 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

لماذا يقطع الرجال آذانهم؟

الرجل هو السند والحماية والأمان، الفارس الذى تنتظره كل فتاة ليتوّجها ملكةً على قلبه وحياته، مرادفات كثيرة عن الشهامة والمروءة لا نختلف على قيمتها ولا جوهرها عندما نتحدث عن الرجل.



وإذا تحدثنا عن الرجل فلابد أن نتحدث عن شريكته فى الحياة، الأنثى، ومن هنا تبدأ القصة لشريكين التقيا فتعارفا فألف الحب بين قلبيهما، يتبعهما لقاءات وأحاديث تليفونية طويلة قد يواصلان فيها الليل بالنهار ولن تنتهى إلا للضرورة.

أمور كلها تبدو لطيفة ومتشابهة لقصص الحب التى سريعًا ما تتحول بعدما يتزوجان لتبدأ الحياة بشكل مختلف، لا شك، عما قبله.

ولا نعرف حقيقة سبب أن يكون هناك اختلاف من الأساس بين المرحلتين قبل وبعد الزواج، ونحن هنا لا نتحدث عن التغيرات الطبيعية لكل مرحلة إنما بصدد الحديث عن الاختلاف الجذرى الذى نراه جميعًا فى العلاقات لاحقًا، حيث يتحول أى اختلاف إلى خلاف، ورغم ذلك قد يجبرنا الواقع أن نعنونه تحت مسمى «التكيف والتطبع»، ومع تجاوز البعض لمرحلة التخبط فى سنوات الزواج الأولى إلا أن ما يصعب تجاوزه والذى يكاد يصبح شكوى شبه عامة أن الزوجة التى كانت قد اعتادت سابقًا على الفضفضة إلى حبيبها شريك عمرها بالساعات والأيام أصبح بعد الزواج على «وضع الطيران» يفضل الصمت ويبتعد عن المناقشة والحوار بحجة الإرهاق أو الانشغال أو نكد الزوجة أو تفاهة ما تجود به تلك المرأة.

 

ريشة: سامح سمير
ريشة: سامح سمير

 

ولكن هل تتوقف حاسة السمع عن العمل عند الزوج تجاه الجميع لاسيما الأصدقاء والمقربون أم أنه يكون «صممًا مؤقتًا» تجاه زوجته فقط؟! 

صامت و«قامط» 

فريدة محمود «30 سنة» مدرسة، تحكى عن معاناتها مع زوجها الذى تقول إنه وبمجرد دخوله البيت يتحول إلى «أخرس»، وتضيف فى استياء: بعد أن كنا فى فترة الخطوبة التى استمرت عامًا لا نتوقف عن الكلام أبدًا ونواصل الليل بالنهار، بل كان هو من يصر على سماع تفاصيل يومى، فإنه وبعد الزواج تحول إلى إنسان آلى، كل شىء أصبح اعتياديًا وزاد عليه أنه لا يوجد أى حوار بيننا رغم طلبى المستمر له بضرورة الحديث معًا ولو لدقائق فى اليوم، وقمت بالكثير من المحاولات لاستعادة شغف الكلام والحكى بيننا، ولكن باءت كل محاولاتى بالفشل، وعندما أطلب منه صراحة أنى بحاجة للحديث معه يقول لى: مش فاضى لحوارات الستات دى!.. دلوقتى بقى كلامى حوارات ستات ومش طايق يسمع؟! وتكمل: وللأسف استسلمت للأمر الواقع وأصبحت أخرج طاقة الكلام مع صديقاتى بالعمل، أما زوجى فروتين يومه ثابت لا يتغير يرجع من شغله يتغدى وينام وممنوع الكلام أو الإزعاج، ثم يصحى ينزل يقابل أصحابه شوية ويطلع ينام تانى علشان شغله تانى يوم وهكذا.

 

ريشة: سماح الشامى
ريشة: سماح الشامى

 

6 ضراير

أما عن حكاية أسماء فهى تشبه الكوميديا السوداء، فتضحك وهى تحكى عن ضرايرها الستة! وتقول: «منذ زواجى رفض زوجى خروجى للعمل، رغم عدم اشتراطه ذلك قبل الزواج، فقدمت استقالتى احترامًا لرغبته وشغلت نفسى به وأولادى، ولكن ما يستفزنى أنى طول اليوم بعد إرهاق وتعب مع الأولاد بكون محتاجة وقت نقعد فيه مع بعض نشرب فنجان قهوة أو شاى فى البلكونة نسمع بعض يحكى لى عن يومه وأنا أكلمه فى حاجة عاوزاها حتى لو تافهة، لكن للأسف كل ما أطلب منه نقعد نتكلم سوا فى أى حاجة هو حاببها يقولى معنديش حاجة أقولها، أما اللى بيغيظنى إنه ممكن يقعد بالساعة يتكلم مع صاحبه وممكن يكون فى موضوع تافه جدًا، لكن بيبقى على قلبه زى العسل، ولازم يوميًا يخرج مع أصدقائه الستة ومستحيل يكنسل الخروجة بتاعتهم حتى لو فيه ميعاد دكتور ليا أو لحد من الولاد، كله يتأجل لما بعد الخروجة، لحد ما كرهت أصدقاءه واسمهم وشكلهم لأنى بجد بحسهم واخدين جوزى منى، وأنا زهقت من الإحساس بالوحدة رغم وجوده!

يا ترى ممكن يكون العيب فيا؟ زوجى وصلنى إنى أشك فى نفسى إنى زوجة مش حلوة أو جديرة بيه لأنه دايمًا يحسسنى بالتجاهل، ولما يتكلم معايا بيكون عفوًا «قليل الذوق».. هكذا تحكى سلوى خالد طبيبة بشرية وهى تستكمل حديثها قائلة: «افتكرت فى الأول أن ده طبع وده تربيته فى الأساس إنه مبيعرفش يكون مهذب فى الكلام ويقول كلام حلو لزوجته، ولكن اكتشفت كذبه وخداعه لما لقيته بيتكلم مع كل الناس بشكل مهذب جدًا وده شفته بنفسى فى إحدى المناسبات العائلية لدرجة إنى مصدقتش أن ده جوزى اللى طول الوقت قاعد ساكت فى البيت ولما بيتكلم بيهز راسه بس ولو كنت محتاجاه يسمعنى أقول أو أحكى له حاجة بيكون فظ جدًا، قلت ممكن يكون العيب فيا وإنى مش بطرح الموضوعات اللى ممكن تجذبه للحوار معايا، وبدأت أركز فى اهتماماته وأتكلم معاه فيها لكن كان يتكلم باختصار وبعدين يرجع يسكت، والحقيقى الموضوع أثّر عليا نفسيًا جدًا لدرجة إنى فكرت أنفصل، لكن هو اتفاجئ من طلبى ورفض تمامًا وأكد إنه بيحبنى ومتمسك بيا جدًا وإن دى كلها مجرد أوهام وإنى مكبرة الموضوع وإن دى طبيعة كل الرجالة ومسيرى أتعود.

أشكى لنفسى!

فى ضحكة ممزوجة بالأسى تقول سما على 32 سنة: قبل الزواج كانت حياتى مفعمة بالنشاط والحيوية وذلك لطبيعة شغلى كمهندسة مدنى، وكان زوجى زميل عمل بالشركة التى كنت أعمل بها، وبعد فترة قصيرة أبدى إعجابه بى وحبه ورغبته فى الزواج منى، ولكن مع شرط واحد وهو التفرغ التام للبيت وله وبعد مناقشات ومداولات كثيرة أقنعنى بتقديم استقالتى بحجة أن مستواه المادى جيد جدًا، وهو ملزم بكل ما أحتاجه شخصيًا أو متطلبات بيتنا، وتم الزواج وسارت الحياة بشكل جيد ولكن بعد شهور قليلة بدأت أشعر بالملل لعدم وجوده أوقاتًا كثيرة خاصة أن شغله يتطلب أيضًا أحيانًا السفر لمحافظات أخرى.  وتضيف: رغم علمى بطبيعة عمله فإنه لم يراع أننى تركت عملى بناء على رغبته وهو أساسًا غير موجود ليشاركنى الحياة التى بدأناها فى الوقت الذى يتواجد فيه بالبيت فهو إما نايم أو مشغول بالهاتف أو يخرج مع أصدقائه وأصبحت لا أراه إلا صدفة، فرغم احترامى وتقديرى لعمله فإنه لم يعوضنى عن هذا الفراغ فى وجوده بالخروج أو الفسح أو حتى الكلام والحكى معى، وفى البداية أبديت اعتراضى على هذه الحياة وأنى أصبحت غير موجودة بالنسبة له وأشعر بالاكتئاب بسبب الوحدة، حتى أهلى وأصدقائى قطعنى عنهم منذ بداية الزواج بحجة أنه لا يريد لأحد أن يشاركه بى، وبالفعل بحسن نية كنت أكرس نفسى واهتمامى ووقتى له وبيتنا، ولكنه أخلف الوعد وكان يتركنى بالساعات للخروج والسهر مع أصدقائه، ولم أجد فى النهاية غير نفسى أضحك وأبكى وأحكى معها!

 

ريشة: ياسمين مأمون
ريشة: ياسمين مأمون

 

مسئولية الطرفين

هذه النماذج وغيرها طرحناها على المتخصصين، فأوضحت الدكتورة زينب أحمد، استشارى العلاقات الأسرية والاجتماعية والنفسية أنه بالفعل يأتيها العديد من الشكاوى لزوجات مفادها أن زوجى لا يسمعنى ولا يشاركنى أحداث يومى، وتزداد هذه المشكلة تدريجيًا مع مرور سنوات الزواج الأولى بعد أن تختفى تدريجيًا «حلاوة البدايات»، ويبدأ الشغف والاهتمام يقل، وتتحول الحياة إلى روتينية وتملؤها الرتابة وتزداد فجوة البعد شيئًا فشيئًا، حتى يتحول إلى أشبه بطلاق صامت، وهذا فى الحقيقة يمثل عنفًا ضد المرأة لأن العنف ليس بالشرط أن يكون عنفًا جسديًا، ولكن ألا تهتم بمشاعر زوجتك وتعطيها قدرًا من الاحترام لسماعها والإنصات لها ومشاركتها، فهذا أيضًا عنف ولا تدرى إلى أى مدى يؤذى المرأة ويجرحها لإحساسها بالتهميش والتجاهل الذى قد يصل بها إلى عدم الثقة بالنفس.

وتشير إلى أن بعض الأزواج قد يجدون مبررًا لمثل تلك التجاوزات فى حق زوجته بحجة أنه منشغل أو مرهق، فى حين أنه هو نفس الشخص الذى يخرج بشغف إلى الكافيه واللقاء بأصدقائه ويستمع إليهم وإلى مشاكلهم وحياتهم، وبالتالى فلابد من كسر هذا الجدار العازل بين الزوجين، ولابد من الحوار لأنه مفتاح أى علاقة ناجحة، وليس المقصود بالحوار أن تكون أحاديث كثيرة مطولة، ولكن يكفى عدة دقائق فى اليوم ليطمئن كلٌ منا على الآخر مع احترام الوقت الخاص لكل طرف، وعلى الزوجة كذلك أن تبتعد فى حديثها عن الصراخ والصوت العالى والشكاوى المزمنة، وتؤكد أنه مهما حدث على الزوجين عليهما ألا يستسلما لهذه الحالة والتسليم بأن هذا هو طبيعة الحال مع الضغوط أو الالتزامات، ولكن هذه المساحات الصغيرة من الحوار هى ما تجعلنا نتحمل كل هذه الضغوط والأعباء. وعليهما أن يجدا اهتمامات مشتركة سواء فى الأحاديث أو الأفكار أو الخروج معًا أو السفر لأن هذا يصنع رصيدًا من الذكريات الجميلة وتوافقًا لحياتهما معًا.

بينما تؤكد رشا الشربينى دبلوم الإرشاد الأسرى والصحة النفسية على أن امتناع الزوج عن الاستماع لزوجته والإنصات لها لحل مشاكلهما أو لأى من الأسباب فهو ناتج عن طبيعة علاقتهما فى الأساس، لأن أى توتر فى العلاقة بينهما يؤثر بطبيعة الحال على طرق التواصل بينهما، لذلك فإن ذكاء الزوجة يحفزها أن تختار الوقت المناسب للحديث وكذلك أن تنتبه لأسلوب كلامها، وعليها أن تصنع كذلك اهتمامات مشتركة بينهما حتى لو لعبة أو كتاب أو خروجة لأن الرجل دائمًا ما توجد لديه منافذ للتنفيس عن مشاعره سواء فى العمل أو مع الأصدقاء أو الأقارب، لذلك فور عودته من العمل يحتاج إلى تطبيق نظام الـ«silent» داخل البيت فى الوقت الذى يكون لدى الزوجه الكثير والكثير لتحكيه من المواقف والأحداث، وأضافت: للأسف معظم الرجال لا يريد تحمل مسئولياته كاملة تجاه أسرته ويعتقد أن عمله هو الالتزام الوحيد تجاه أسرته إلا قليلاً جدًا من تربى فى صغره على مبدأ التعاون والمشاركة واحترام مشاعر الآخر وتقديره فهؤلاء هم القلة التى قد نجدها تفهم المعنى الحقيقى للحياة الزوجية حيث المودة والرحمة.