عندما انكسر حاجز الوهم
ماذا حدث ليلة 6 أكتوبر؟

أعدها: مصطفى عرام
كانت حرب أكتوبر وانتصار الجيش المصرى عملًا باهرًا وإعجازيًا توقفت عنده وسائل الإعلام العالمية، التى أفردت صفحاتها لتفسر المعجزة المصرية بعبور الحاجز الترابى لـ «خط بارليف»، واجتياز «المانع المائى ـ قناة السويس» بخطة خداع استراتيجية، ظلت من وقتها محور دراسات المعاهد الاستراتيجية والكليات العسكرية فى العالم أجمع.
كانت بسالة الجندى المصرى وعبقرية القيادة مصب اهتمام كل أجهزة الاستخبارات الدولية ومعها وسائل الإعلام الأجنبية، التى اقتصرت وقتها على الوسائط التقليدية: مقروءة ومسموعة ومرئية، ولم تكن دخلت فى عصور وسائل التواصل الاجتماعى الـ«سوشيال ميديا».
ورغم مرور 51 عاما على الانتصار العظيم، فإن أجهزة المعلومات والإعلام ما زالت تحاول الإحاطة بكل تفاصيل المعركة المصيرية، ورافقتها فى السنوات الأخيرة جيوش إلكترونية نشرت واستفاضت فى سرد وقائع النصر.
لكن هذه الأوراق التى ننشرها الآن من كتاب الدبلوماسى الدكتور حمدى الطاهرى «حرب أكتوبر فى الإعلام العالمى»، تركز على إعلام زمانها بالتفصيل.
فعلى الصعيد الدولى (الأمم المتحدة)، «أبلغ وزير خارجية مصر الذى كان يحضر آنذاك دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة فى رسالة إلى «رئيس الجمعية العامة»، بأن: إسرائيل قد بدأت القتال وأن على جميع الشعوب والدول المحبة للسلام أن تضع كل ثقلها إلى جانب كل المحاولات لوضع حد للعدوان الإسرائيلى المستمر».

ولم يطلب وزير الخارجية عقد الجمعية العامة، ولكنه طلب توزيع خطابه على اعتبار أنه من وثائق الأمم المتحدة، وأعلن متحدث باسم الأمم المتحدة أن السكرتير العام «فالدهايم»: «يشعر بقلق بالغ إزاء الموقف الذى يبدو أنه خطير جدا»، وقال إن «فالدهايم» كان على اتصال بكل من وزيرى خارجية مصر وإسرائيل، وإنه اتصل 3 مرات على الأقل بـ«كيسنجر» الذين كانوا جميعا فى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة، وبدأت المحادثات الدبلوماسية تنشط عندما نشب القتال.
ومن جانب آخر، أعلن بيان أصدره الوفد السورى فى الأمم المتحدة ووزع بعد ظهر اليوم / السادس من أكتوبر: إن القوات المسلحة الإسرائيلية قد شنت عدوانا مسلحا واسع النطاق على جميع المواقع المتقدمة السورية على خطوط وقف إطلاق النار، وما زالت المعارك المستمرة على طول الجبهة.
وذكر البيان أن «الحكومة السورية» أبلغت «رئيس مجلس الأمن» بالموقف الخطير الناشئ عن هذه الحرب العدوانية الجديدة التى تشنها إسرائيل، وأكد الوفد السورى أن ضخامة حجم القوات الإسرائيلية التى تشترك فى المعارك يبين أن إسرائيل مصممة على شن حرب شاملة فى هذه المنطقة لتوسيع أراضيها بهدف إجبار العرب على الاستسلام للشروط الإسرائيلية. وما إن اتضحت حقيقة الاعتداء الإسرائيلى على الأراضى العربية واندلاع القتال بصورة أكيدة، حتى بدأت التصريحات تنهال والاجتماعات تعقد والتهديدات تتوالى تصريحا وتلميحا.

عبوات ناسفة
كان هناك أيضاً مقال لـ«أرنولد بوشيجريف» مراسل مجلة نيوزويك الأمريكية بتاريخ «11 أكتوبر»، يصف ما جرى فى ليلة السادس من أكتوبر.
قال «أرنولد»: فى الليلة السابقة للاعتداء، تسللت فرقة من رجال الضفادع البشرية المصريين إلى القناة على بعد 500 ياردة من موقع حصين إسرائيلى عرف باسم «الجباسات»، ويقع على بعد 2 ميل شمال «بور توفيق» فى الطرف الجنوبى من الممر المائى.
وسبح رجال الضفادع تحت المياه لمسافة 150 ياردة وهم يحملون عبوات ناسفة فى أكياس من البلاستيك. وكانت مهمتهم هى تثبيت العبوات بطريقة خاصة لنسف فجوة فى السور العالى الذى يبلغ ارتفاعه 60 قدما. وفى نفس الوقت وضعت عبوات مماثلة على الجانب المصرى من القناة، بينما نقلت القوارب الصغيرة أثناء ظلام الليل إلى الأماكن التى سيتم نسف ثغرة فيها، ثم غطيت بقماش أصفر اللون للتعمية.
واتفق على «ساعة الصفر» لتكون الساعة 14 بالتوقيت المحلى فى عيد «يوم كيبور».
وفجأة.. فى لحظة لم يتوقعها الإسرائيليون، فتح المصريون سيلا من المدفعية على الجباسات، التى يقوم بحراستها حوالى خمسين جنديا إسرائيليا. وبينما أسرع الإسرائيليون للاحتماء، انفجرت عبوات الديناميت على جانبى القناة على بعد 500 ياردة منهم.
ويبدو أن الإسرائيليين اعتقدوا أن الانفجار كان جزءًا من سيل المدفعية، وقبل أن يهدأ الدخان، قفز أحد قادة الفرق ومعه فرقته المكونة من مئة رجل، وهرعوا نحو زوارقهم واستقلوها وأسرعوا عبر القناة مستعينين بمحركات صغيرة.
وحمل الرجال «مدافع بازوكا» وقاذفات لهب صغيرة مثبتة فى فنطاس فى مؤخرة الزورق، وبنادق غير مرتدة وقنابل يدوية وأسلحة أوتوماتيكية. وكان القائد ورجاله قد تم اختيارهم بالفرد وتدربوا على العمليات لعدة أشهر، مستعينين بهيكل بالحجم الطبيعى للموقع المحصن.

وعند وصولهم للشاطئ الآخر جرى المصريون على الضفة الشرقية تحميهم قنابل الدخان التى أطلقت ما بين الثغرة المنسوفة والموقع المحصن الإسرائيلي، وقد تم تحويط الإسرائيليين تماما قبل أن يشعروا بأى شيء.
واستمرت الدانات والقنابل تتساقط على الموقع، بينما المهاجمون المصريون على بعد 50 ياردة منهم، وقاموا بنسف المخرج الشرقى للموقع، ثم بواسطة قاذفات اللهب والقنابل اليدوية أغلقوا الممرات التى تؤدى إلى مداخل الخنادق الأرضية.
وبعد ثلاثين دقيقة من بداية الهجوم، تمكن المصريون من نقل ثلاث دبابات إلى الضفة الأخرى، وقامت إحداها بشق طريقها بقوة وأطلقت مدافعها وهى مصوبة فى وسط هدفها.
واتخذت الأخريان مواقع لغلق الطريق أمام قوات النجدة الإسرائيلية (التى لم تظهر على الإطلاق). واستسلم 17 إسرائيليا وهرب بعضهم وسط سحابة الدخان المصرية وقُتل الباقون. وفى نفس الوقت، عمل المصريون جاهدين على بناء الجسور العائمة فى أحد عشر موقعا على طول القناة، وكانت الدبابات قد نقلت فوق جرارات أثناء الليل فى اليوم السابق حتى الساتر الرملى العالى.
وتمت السيطرة على الجباسات فى خلال ساعة واحدة، وتم بناء الجسور فى ساعتين وتدفقت عليها مئات الدبابات وعربات نصف جنزير وناقلات الجنود وانتشر المشاة على الضفة الشرقية، وقاموا بحفر مواقع المدفعية المضادة للطائرات.

يتابع «أرنولد بوشيجريف»: لقد كنت ضمن المجموعة الأولى المؤلفة من سبعة صحفيين أجانب سُمح لهم بعبور القناة إلى سيناء، واستغرقت الرحلة إلى مدينة السويس التى تبعد 72 ميلا عن القاهرة وتستغرق ساعتين، وقد مررنا بأربع سيارات جيب سوفييتية الصنع شمالا على طريق القناة، ثم انحرفنا يمينا من خلال ثغرة فى الساتر المقام على القناة.
وقد كان الطريق مزدحما بطابور طويل من مئات العربات العسكرية، لكن كل شيء مر بنظام بدون الضوضاء المعتادة التى واجهتها فى أحد عشر حربا عاصرتها.
وبين كل لحظة وأخرى، تتخذ سيارة محملة بالجنود طريقها فوق الجسر العائم والجنود فوق هذه العربات تعلو الفرحة وجوههم.. فيلوحون بأسلحتهم وهم يهتفون (الله أكبر).
وعلى مسافة 200 ياردة جنوبا، وقف زورقان صغيران وأطلقا دخانا كثيفا أزرق اللون حولهما نحو الجو، فأخفاهما إلى حد ما عن المراقبة الجوية، وتزاحمت العربات ولم يبد على أحد فيها أى قلق من احتمال حدوث غارة إسرائيلية على الموقع.
عبرنا إلى الجانب الآخر فى سيناء وفوجئنا بمئات العربات على مدى البصر وبعضها يمضى فى صفوف حتى الأفق البعيد، وكانت هناك أخريات مغطاة بشبكة للتمويه وتبعد كل منها 50 ياردة عن الأخرى.
وبدأت المدفعية الإسرائيلية تنطلق بعد وصولنا بلحظات وعند سماعنا لأول صفارة أسرعنا للاحتماء، ولكننا لاحظنا أن المصريين مستمرون فى أعمالهم لا يعبئون بما يلقى حولهم من دانات تثير الرمال وتدوى بانفجارات تصم الآذان.

وصاح إلينا بعض الجنود «لا تقلقوا الله معنا». ولا بد أن الله كان معهم حقا، لأننا لم نر أى قذيفة تسبب أى شيء لقد انفجرت كلها فى الرمال دون إحداث أى خسائر كذلك لم نشاهد مصابا واحدا أو أى سيارة إسعاف متجهة عائدة عبر القناة.
وكانت القوات الإسرائيلية قد أحاطت برأس الجسر على جانب القنال ولكن هدفهم (دون مراقبة المدفعية الأمامية ومن مسافة 9 أو 10 أميال على الأقل) بدا بعيدًا.
قبل بدء عملية التحرير، قدرت القيادة العليا المصرية أن عملية عبور القناة سوف تكلفهم من الخسائر حوالى 10 آلاف ما بين قتيل وجريح، ولم تصدر أى أرقام عن الخسائر ولكن يبدو أنها كانت أقل من النسبة التى كانت قدرت.

الأحذية الإسرائيلية
يواصل مراسل الـ«نيوزويك الأمريكية»: وصلت مجموعتنا إلى قمة تل بعد أن قمنا بدورة لنصل إلى الموقع الإسرائيلى الحصين الذى تم غزوه، بينما حلقت فوقنا طائرتا فانتوم جعلتنا نقفز ونختبئ. وكان هناك العديد من المخابئ الفردية قام بحفرها المصريون ثم هجروها أثناء تقدمهم إلى الأمام، وبدا منظرنا مثل «مارسل مورسو» بمكياجه الأبيض، فلقد كنا وسط طبقات من الرمال شديدة الرطوبة، وكان الإسرائيليون يقصفون على بعد عدة كيلومترات فى الناحية الشرقية فاستأنفنا التحرك.
أما منطقة الجباسات، فقد أصبحت شيئا مذهلا.. امتلأت بالمخلفات والعوارض الخشبية والمعدنية الملتوية والمدمرة والسواتر الرملية التى انهار نصفها وبعضها يبلغ ارتفاعه إلى 30 قدما والخنادق التى نسفت قبل التخلى عنها، والمعدات المهجورة من بينها: خوذات ومدافع رشاشة ومدافع بازوكا ومخلفات قنابل يدوية وذخيرة مضادة للدبابات ما زالت فى غلافها البلاستيك، ولكنها عليها علاماتها العبرية، وكتب ومستندات وصناديق أدوات الإسعاف الأولية.
وبعكس حرب 1956 و1967، كانت الأحذية الإسرائيلية هى التى انتشرت مبعثرة فى كل مكان.
وكان هذا هو حال 35 موقعا إسرائيليا حصينا تقع على طول القناة هاجمتها القوات المصرية، أما باقى المواقع فقد هجرتها قواتها بعد أن صدرت إليها التعليمات بالتقهقر.
وبينما كنا نهم بمغادرة الجباسات، كان المصريون الذين قاموا بتفتيش الخنادق قد وجدوا بعض الأعلام الإسرائيلية فأخذوا يمزقونها ويدوسونها بأحذيتهم.
ثم أخبرونا أن مهمتنا قد انتهت، وعلينا أن نعود إلى الشاطئ الغربى، فتوسلت إلى القائد فى المنطقة حتى يسمح لنا بالذهاب إلى منطقة المواجهة، فأجابنى أن ذلك أمر خطر فأخذت أعاود رجائى بأنه لن يتحمل المسئولية وأننى قد عاصرت عديدًا من المهام المماثلة من قبل وأنى لم أحضر من ليبيا من مسافة 800 ميل بالتاكسى كى أشاهد موقعا إسرائيليا، فلمعت عينا القائد ووافق وسمح لأربعة منا بالمضى إلى موقع المعارك فى سيارتين «جيب».

يتابع «أرنولد بوشيجريف» قائلا: إن الادعاءات الإسرائيلية بأن رءوس الجسور المصرية تقهر تدريجيًا لما هى ادعاءات يبدو أنها زائفة، قد يكونون قد أصابوا واحدا من العشرة جسور المقامة عبر القناة، ولكن الجسر الذى شاهدته لم يُمس، علاوة على ذلك، فالجسور العائمة سهل إصلاحها كما أثبت الفيتناميون فى كثير من الأحيان، فهناك عوامات إضافية مجهزة تُسحب إلى الجسر بسرعة لاستبدال أى جزء ينهار من الجسر.
ويبدو أن «خط بارليف» الذى تكلف 300 مليون دولار وطالما أشيع أنه لا يقهر قد انهار بالفعل، وأن اللواء المدرع المصرى الذى سيطر عليه (وقوامه 5 آلاف جندي)، قد انسحب إلى الجبال (ربما يقصد اللواء المدرع الإسرائيلي) وما زالت المبادرة فى أيدى المصريين، ويبدو أن الإسرائيليين مشغولون بسوريا فى هذا الوقت، حتى إنهم لا يجدون الفائض من الطائرات لإرسالها إلى الجبهة المصرية.
وقد يعترض المرء بأنه ربما تكون الاستراتيجية الإسرائيلية هى اجتذاب أكبر قدر من الأسلحة المصرية فى سيناء قبل شن الهجوم المضاد، ولكننى أجد أنه من الصعب أن أتصور أن القوات الإسرائيلية كان فى إمكانها أن تتصدى للقوات المصرية ولم تفعل، لقد أُخذت إسرائيل على غرة، وأذهلتها كفاءة الأسلحة المصرية المضادة للدبابات والتنسيق غير المتوقع بين وسائل الدفاع المضادة للطائرات التى تعمل بينها صواريخ سام 3 وسام 6 (الأخيرة صواريخ متحركة وفعالة فى سيناء لصد الهجمات المنخفضة).

إن الصحف المصرية مليئة بصور عبور القوات المصرية للقناة وكذلك بصور الأسرى الإسرائيليين وهما الخبران المحببان للجميع هنا. ومهما يحدث، فقد برهن العرب على أنهم قوة يشار إليها. ولا يستهان بها وإذا أعيد رسم خريطة الشرق الأوسط من جديد لا يكون الإسرائيليون وحدهم المختصون بذلك، ولقد قرن العرب قولهم بالعمل كما أن المفاوضات المباشرة بين الجانبين العربى والإسرائيلى لم تعد بالشيء المستحيل الذى كان يرفضه ناصر والسادات بإصرار، فلقد تقدمت القوات المصرية مسافة أكبر وأبعد مما كانت عليه فى اليومين الأولين وهى تبعد الآن عن القناة بمسافة تصل ما بين 4 و 15 ميلا.
وكان من المعتقد أن القوات المصرية لن تجازف بالتوغل أبعد من نطاق مظلة صواريخ سام وهى حوالى 8 ميل ولكن المراقبين لم يشيروا إلى أن المصريين قد نقلوا معهم صواريخ سام، مما أجبر الإسرائيليين على تجنب الطيران المنخفض ومن ثم فقد أدى بهم ذلك إلى إضعاف دقة تصويب قذائفهم.
لقد فوجئ الإسرائيليون بالتنسيق العربى بين المصريين والسوريين والعراقيين وأخيرا الجزائريين، وذلك فيما يتعلق بالقوات الجوية، فكل التعاون العربى العسكرى ما زال مقيدا بوحدات رمزية على القناة كان يتم سحبها تدريجيا وذلك فى السنوات الأخيرة (من الكويت والجزائر والسودان).
جهل الإسرائيليين
يقول المراسل الأمريكى: ترى كيف أصبحت المخابرات الإسرائيلية المتفوقة عندما تم مفاجأة إسرائيل بهذه الضربة.. لا شك أن إسرائيل قد وقعت ضحية الخرافة من اختراعها للأسطورة التى تقول بأن إسرائيل لا تقهر، والأسطورة الأخرى التى تؤكد عدم قدرة المصريين على عبور القناة، وهكذا كانت تتم الكتابة عن المناورات العسكرية على الضفة الغربية والتى كانت تتم فى هذا الوقت من العام والتى سبقت العبور على أنها تدريبات روتينية، لكن المصريين قد أضافوا الحياة تدريجيا لهذه المناورات بطريقة أثبتت جهل الإسرائيليين، وفشل مخابراتهم.
لقد انتزعت مصر فى الحقيقة إحدى ورقات كتاب إسرائيل الذى سطرته سنة 1967، لقد استطاعت القاهرة تنفيذ عملية التعبئة الجزئية ليلا حيث تجولت العربات فى شتى أنحاء القاهرة لتلتقط الأفراد من المدنيين المطلوبين لمعركة التحرير، ولكن العاصمة ظلت كما هى عادية بقدر الإمكان، إن العملية بدا أنها محدودة.. هذه العملية المحدودة قد اتسع نطاقها بطريقة سريعة وذلك عندما أدرك الرئيس السادات مدى النجاح الذى حققته عمليات العبور.
لم يستطع أى شخص فى البداية أن يصدق ما كان يحدث وقتئذ، (مش ممكن).. (مش معقول).. كانت هذه الألفاظ التى ينطق بها الناس، لقد ظل سائقى يتشكك فى دقة ما كان يقرؤه فى الصحف حتى عُدت من الجبهة ورويت له ما شاهدته هنا، حتى أن الانفعال العاطفى قد استطاع أن يتمكن منه لدرجة أنه أخذ يقبلنى والدموع تنهمر على خديه.
إن هناك إحساسا بالفخر الكبير فى القاهرة.. وهذا الإحساس مشوب بقليل من الابتهاج، فها هى الرءوس ترتفع بعد سنوات من الخزى واليأس.. ورغم كل ذلك.. فإن اللغة السابقة التى تتصف بالمغالاة لا وجود لها، فلقد تم توجيه سياسة إعلامية ناجحة محليا بعيدا عما يصاحب المعركة من أقوال مبالغ فيها.
واستطاعت هذه السياسة الإعلامية أن تجعل من البلاغات العسكرية مجالا لذكر الحقائق بقدر ما تسمح به الظروف.
هذا، وقد تسلم الملحقون العسكريون الأجانب ملخصا أوليا للأحداث عن طريق ضباط على مستوى عال من الكفاءة ولم يشعر أى من المعلقين بوجود مغالاة تلك التى عادة ما تصاحب الأغراض الدعائية، حتى قال أحدهم «إن هذه البيانات معرضة للمبالغة فى أى جيش ذلك أن الدبابة أو الطائرة التى يتم تدميرها قد تبلغ عنها وحدتان أو أكثر من وحدات الجيش».
إن خط الإعلام المصرى هو أن مصر تبغى أرضها وليس شيئًا آخر، ولقد خرجت القاهرة عن ذلك لتنكر قصة يؤمن بها الجميع على أوسع نطاق.. وهى أن الفدائيين المصريين قد قاموا بغارات على شرم الشيخ وبقدر ما استطعت اكتشافه بنفسى فى القاهرة فإن شرم الشيخ قد نالت ما يجعلها ذات أهمية كبيرة خاصة بالنسبة لجهاز الدعاية الإسرائيلية الذى يمكنه حين ذاك أن يدعى ما تكرر فى 1967 مرة أخرى وهو محاولة خنق إسرائيل.
إن القاهرة تريد أن تجعل من الواضح أن تحرير أرض مصر هو الهدف الوحيد وليس جريمة أن تسترد الشعوب حقها المغصوب.
هذا ولا توجد أى علامة واضحة تؤكد أن الدولة فى حالة حرب اللهم إلا هؤلاء الـ 1300 سائح ورجل أعمال ومن بينهم 400 أمريكى، والذين احتجزوا فى القاهرة بسبب الحرب وصفارات الإنذار وحمايتهم من الغارات الجوية التى أحيانا ما يصاحبها صوت انفجارين أو ثلاثة قد تكون ناتجة عن قنابل أو صواريخ سام المنطلقة من إحدى القواعد الجوية قرب القاهرة.

إن الملاهى الليلية فى الهيلتون وشيراتون يعملان بصورة طبيعية، صحيح أن مطاعم السطح قد أغلقت، لكن الخدمة الطبيعية مستمرة فى كل مكان عداها.