الجمعة 6 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

العميد الشافعى على أحد أبطال المعركة:

طائرتى كانت الأولى التى وصلت لموقع العملية

بصلابة المقاتلين.. وبسالة الأسود، التقيته رجلا لا يهاب الموت، ولا يهزمه الزمن، رغم إصابته لم تنل منه السنون، وبعد مرور 51 عامًا على ذكرى العبور والنصر، تحدث معى العميد الشافعى على أحد أبطال حرب أكتوبر، وبطل معركة وادى سدر، وشرح لى تفاصيل مهمته وكأنها كانت بالأمس، ولم تمر عليها كل هذه السنوات.



يقول العميد الشافعى على: كنت قائد الفصيلة الثالثة فى السرية الثالثة فى إحدى كتائب الصاعقة برتبة ملازم أول، وكانت مهمتى مع زملائى هى عمل كمين فى وادى سدر لتعطيل لواء مدرع إسرائيلى قادم للتدخل فى أعمال قتال اللواء الأول مشاة، وكانت الأوامر هى تعطيله لمدة 48 ساعة حتى لا يتمكن من التقدم لإمداد جيشه.

بداية المهمة

يضيف العميد الشافعى على: بدأت مهمتى من الساعة 11 مساءً يوم 6 أكتوبر، وقمنا بالطيران مقسمين على عدة فصائل، وكان لى الشرف أن أكون فى الطائرة الأولى، وكنا نطير بفاصل زمنى، فكل 6 طيارات تطير بوقت مختلف وفى خط سير مختلف عن الطيارات الأخرى، وقد أقلعت طيارتى الساعة 4 ونصف عصرًا يوم 6 أكتوبر، وبمجرد أن تجاوزنا منطقة الخليج، قام الطيار المسئول عن طيارتى بالشرح لى على الخريطة كل الإحداثيات، وأشار لى على قلعة الجندى والتى كانت عبارة عن أطلال ورمال بقيت من بناء قام ببنائه صلاح الدين الأيوبى، وأخبرنى أننا سنقفز فى هذا المكان، ونقوم بإبرار جوى، ثم نتابع خط سيرنا، وقد كانت المسافة بين مكان إبرارنا، ومكان العملية حوالى 18 كيلومترًا، فقمنا بالسير حتى وصلنا للموقع. وكان مكان هبوطنا غير موجود على الخريطة حتى لا يلاحظه العدو.

ويكمل: وصلنا إلى المكان الساعة 11 مساء، وكان قرار قائد السرية أن ننام حتى لا نسير فى الجبال ليلا، ثم نستكمل المهمة فى اليوم الثانى وعند التحرك فى اليوم التالى، أى 7 أكتوبر وصلنا إلى منطقة عين المالح، فلم نجد أى أثر لجنزير دبابات فعلمنا أن العدو لم يعبر من تلك المنطقة بعد، فنصبنا المعدات والعتاد واخترنا أفضل مكان لنصب الكمين، وكان معنا فردان من عناصر الاستطلاع كان لديهما اتصال بإدارة المخابرات الحربية، تمكن من خلالها قائد السرية الاتصال بالمركز الرئيسى الذى أعطى لنا أوامر بالتحرك نحو الغرب لنقابل محمود، ومحمود هو الاسم الحركى لقائد الكتيبة، وكنا كل يوم نتقدم ناحية الغرب لاختيار مكان أفضل لمحاصرة العدو ونصب الكمين، حتى جاء يوم التاسع من أكتوبر وأبلغنا قائد الكتيبة أن العدو سيمر مساء، لكن ما حدث أنه عندما ضربت سريتين من الكتيبة فى مكان متقدم عنا، علمت القوات الإسرائيلية بموقعنا.

وكان مخطط لنا أن نظل يومين فى الموقع حتى يصل اللواء الإسرائيلى إلى مكان الكمين، لكن انتظرنا حتى اليوم الرابع، ولم يعبر خلالها العدو، ظنًا منه أننا سنترك المكان بعد اليوم الثانى، لكن لم يحدث.

 

 

 

سألت العميد الشافعى: كيف استطعتم الحياة كل هذه الأيام بعتاد وتعيينات تكفى ليومين فقط؟ فأجابنى: «كان بالفعل لدينا تعيينات تكفى يومين فقط، كان هناك بعض البدو الذين يتنقلون للجنوب، فكان هناك من يعطى لنا بلحًا، وهناك من كان يعطى لنا تفاح، وسكر، أو خبز، لأننا كنا عددا كبيرا، بالإضافة إلى كوننا ضباط صاعقة تعلمنا التكيف مع كل الأحوال، فكنا نتعامل مع أى شىء يتحرك فى الأرض. 

نجاح العملية

فى اليوم الرابع من الحرب تم تبليغ قائد السرية بقدوم العدو، وبالفعل جاء العدو ودخلت عربيتين جنزير فى مقدمة اللواء الإسرائيلى، ثم عربيتين وظلوا هكذا حتى وصل عددهم ست عربات، ثم لحقتهم دبابة، فقمنا بضربهم بصاروخ بولوتيكا مداه 3 كيلو، يتم توجيهه بسلك، وبالفعل ضرب الصاروخ مقدمة اللواء.

وبمجرد أن تم الضرب والتفجير اهتز الجبل المحيط بنا اهتزازًا كبيرًا فأحس العدو بذعر شديد، وظن أن الجبل ممتلئ بالصواريخ المصرية، وفى الوقت نفسه طلب القائد تدخل الطيران كعامل مساعد، ومع كل هذه العوامل ومن شدة ذعر قوات العدو، تشتت اللواء بدون خطة، ففوجئنا بأن كل دبابة تهرب فى اتجاه مغاير بمفردها، وأنهوا كل ذخيرتهم بشكل عشوائى ولم يستطيعوا التقدم مترًا واحدًا للأمام».

يستكمل العميد الشافعى حديثه بأنه عندما حدثت المعركة، كان هناك مدفع نصف بوصة يحتل ربوة عالية، واستطاع مطاردة الكثير من العناصر الإسرائيلية حتى اختبئوا فى ممرات تشبه الجحور، فقام النقيب محمد سامى فضل آنذاك مع مجموعة من الأبطال بالنزول إليهم، والقضاء عليهم.

فى هذا الوقت كان مسموحًا لى بالارتداد لأننا نعمل بنظام «الكماين متعددة الفصائل» بمعنى أن أضرب ثم ألتف حول السرية وأضرب مرة أخرى، وهكذا حتى تضرب جميع فصائل السرية، والحمد لله نجحت مهمتنا ولم يتقدم اللواء الإسرائيلى، ولم يستطع أن يعبر للمنطقة الأخرى بعد أن قمنا بتصفية جميع معداته وجنوده.

 

 

 

ثم أشار رجل عربى للنقيب سامى على مكان يصلح ليكون قاعدة دوريات، فتجمعت فيها جميع سريات الكتيبة بعد نهاية المعركة، وبالطبع ظلت إسرائيل تبحث عنا لمدة يومين فى كل المناطق المحيطة بقاعدة الدوريات، فقمنا بتغيير مكاننا للمرة الثانية بالطيران المروحى، والهليكوبتر.

وكان هناك بئر فى المدخل الغربى لوادى سدر، به كمية محدودة من المياه، فضلا عن كمية صغيرة من الدقيق استطعنا الحصول عليها من البدو، وكان قائد السرية يكلف منا مجموعات للذهاب فى الخفاء إلى ذلك البئر، ويقوم بملء بعض الزمزميات، حتى يستطيع كل مقاتل أن يشرب بعض المياه كل يوم حتى بدأت القوات الإسرائيلية تخف البحث عنا بعدما فقدوا الأمل فى العثور علينا، وعدنا مرة أخرى بعد أن أكملنا مهمتنا على أكمل وجه.