«الكولونيل» فريد مسعود
حوار: رانيا الفقى
الحياة شغف والطموح عنوانها فى قصص واقعية لمن يبحث عن ذاته ويسعى خلف حلمه طالبا الوصول إليه، باحثا عن الأفضل وإن ترتب على ذلك غربة طويلة تبتعد فيها عن الأحبة لمسافات، لكنك أبدا لا تنسى بداياتك ولا وطنك.
تلك حياة اختارها بطل قصتنا اليوم المصرى «ابن البلد» فريد مسعود ابن قرية الغريزات بمحافظة سوهاج، خريج كلية التجارة الذى قرر تغيير حياته فجأة بعدما التقى - فى رحلة إلى الغردقة - من امتلكت قلبه وخطفت عقله.. شريكة رحلة الكفاح والمثابرة زوجته الهولندية، ليصبح ضابطا كبيرا فى هولندا.
قبل 32 عاما وتحديدا فى العام -1992 عقب تخرجه فى كلية التجارة بـ3 سنوات- كان اللقاء الذى غير مسار حياة «فريد» وقلب واقعه رأسا على عقب، بفتاة هولندية أعجب بها وأعجبت به فقررا الزواج ومن ثم اصطحبته معها إلى هولندا.
«فريد» لم يرغب فى العمل بالوظائف التقليدية البسيطة، لكنه بعزيمة وإصرار قرر تعلم اللغة الهولندية بطلاقة ليعادل شهادته الجامعية فى هولندا وعندما تمكن من أدواته تقدم لوظيفة ضابط فى الشرطة الهولندية.
فريد الذى نجح فى تبديد مخاوف أسرته من الغربة، خاصة أنه الأخ الأكبر لشقيقتين وشقيق، سرعان ما اندمج مع الثقافة الهولندية للدرجة التى مكنته من اجتياز اختبارات كلية الشرطة ليبدأ الدراسة بها من عام 1995 إلى 1998، 5 أيام فى فى الأسبوع دراسة داخلية مليئة بالتجارب والمخاطر والتحديات.. لكنه رغم ذلك اجتاز تلك الصعاب وكان من أوائل العرب الذين نجحوا فى اختبارات القبول ليتم تعيينه كضابط شرطة فى أقسام كثيرة.
من أكثر الوظائف التى اقترن بها، هى عمله كضابط فى شرطة النجدة الهولندية، إذ اكتسب خبرات وتجارب كثيرة أصقلت مهاراته حتى استطاع أن يصل إلى منصب قيادى والحصول على رتبة عقيد.
عمل «فريد مسعود» فى عدد من القطاعات الشرطية مثل المباحث الجنائية ومباحث التهرب الضريى وتأمين الملاعب، مؤكدا فى تصريحات خاصة لـ «صباح الخير» أنه لا يوجد لدى الشرطة الهولندية أى عطلة رسمية طوال الأسبوع، بل يكاد العمل أن يتضاعف فى العطلات الرسمية، نتيجة ازدحام المرور ومشكلات الشارع.
«فريد مسعود» رغم غربته التى تجاوزت الثلاثين عاما، ظل محافظا على زيارات دورية لأهله وأصدقائه، فهو يرى الحياة فى مصر «أم الدنيا» - كما يصفها - لها مذاق خاص من دفء بين الناس و«الجدعنة» و«طيبة المصريين»، على عكس هولندا نادرا ما تحدث زيارات بين الأصدقاء، ما يشعره بالغربة مهما كانت مكانته فى هولندا.
فريد يرى أن عمل الشرطة فى كل البلاد واحد فمهمته فى النهاية هى الحفاظ على الأمن والبلاد، وهو ما تأكد منه بنفسه عندما زار أصدقاءه فى الشرطة المصرية، لكن الترقيات فى هولندا لها نظام خاص لا يقوم على عدد سنوات الخبرة، بل بقدرتك على التأهل للرتبة الأعلى.
من أكثر الصعاب التى قابلت الضابط «فريد» فى البداية، اختلاف العادات والتقاليد والطعام والشراب، وحتى أوقات النوم.. لكن بمرور الوقت استطاع التأقلم ومع ارتفاع أعداد المهاجرين العرب اختلف الأمر، إذ أصبح من الطبيعى أن تشاهد «سوبر ماركت» مصريا، سوريًا، عراقيًا، وهو ما ساهم فى التقاء كل الثقافات العربية والاندماج مع المجتمع الهولندى، مع تواجد المساجد والكنائس ومدارس وجامعات عربية، وانتشرت كذلك المطاعم العربية.
العقيد «فريد مسعود» أمامه 10 سنوات لإنهاء خدمته والتقاعد، وهو إلى تلك اللحظة يفكر جديا فى العودة إلى مصر والاستقرار بها، رغم ذلك نصيحته إلى الشباب الذين يسعون إلى السفر، بأن عليهم أن يعوا جيدا أن للغربة ثمنا، وإذا كان لابد من الهجرة فقبل تلك الخطوة لابد من التفكير فى الوظيفة التى سيلتحق بها كل راغب فى تحقيق حلم السفر، مشددا على أن كل الدول بها صعوبات، لكن هناك دولا تمنح الإقامة بسهولة مثل إيطاليا، رومانيا وكندا، فقط كل ما عليك هو التخطيط الجيد ودراسة الفرصة والفرصة البديلة قبل اتخاذ قرار السفر حتى لا تصاب بالإحباط، أو تضطر إلى الالتحاق بوظائف غير مناسبة لم تكن ضمن سياق بنك أهدافك.
كما أوصى «فريد» الشباب بضرورة تعلم لغة ولغتين حتى يستطيع أن يجد أكثر من فرصة عمل، وكذلك دراسة كلية وكلية أخرى لتعظيم الفرص المتاحة والحصول على دخل شهرى يحقق ويحافظ على متطلبات الحياة، خاصة أن التدرج الوظيفى فى هولندا كمثال يقوم على تقديم رؤية لإدارتك العمل الذى تسعی للترقى فيه، ولا يأت ذلك إلا بتراكم الخبرات والتطوير المستمر للقدرات.