توماس جورجسيان
أمريكا سبتمبر 2024.. والمعركة تزداد شراسة
بما أننا نعيش فى الموسم الانتخابى الأمريكى الذى يتابعه العالم كله، علينا أن نراقب ونرصد ونقرأ باهتمام المشهد بتفاصيله. وذلك حتى نتبين حركة الرياح ونتابع ما تشتهيه السفن وما قد يتشكل كواقع لأمريكا وللعالم خلال الأيام والأسابيع المقبلة. ولا شك أن القفز إلى الاستنتاجات وإطلاق الأحكام هما من سمات الزمن الحالى إلا أنه من عدم الحكمة المبالغة فى القول وإصدار الفتاوى (وما أكثرها هذه الأيام) بأن الصورة صارت واضحة وأن الأمور حسمت بشكل أو آخر.
وفى رصدنا للمشهد ومحاولة قراءته نرى الآتى:
من ضمن الأسئلة المهيمنة على الأجواء: هل يمكن القول الآن إن ترامب آت إلى البيت الأبيض على الرغم من تصاعد تألق هاريس وزيادة شعبيتها فى الأسابيع الأخيرة؟ وهل يمكن القول أيضًا إن كامالا هاريس ورغم ما أظهرته من تفوق فى الأداء على منافسها دونالد ترامب فى المناظرة التليفزيونية (تابعها أكثر من 67 مليونًا) لا يعرفها جيدًا الأمريكى.بحيث يثق فيها ويصوت لها فى الانتخابات الرئاسية المقبلة؟
والكل يكاد يتفق على أن المنافسة شرسة وستزداد شراسة فى الأيام المقبلة وأن كل الاحتمالات واردة ومتوقعة، وأن النتيجة قد لا تحسم فى اليوم الأول ومن ثم تتزايد احتمالات ومحاولات عدم الوثوق فى عملية إجراء الانتخابات والتشكيك فى نتائجها المعلنة.
وطالما نعيش فى موسم الانتخابات فالحواديت حول المرشحين الجمهورى والديمقراطى ومواقفهم السابقة أو ما قد تكون اللاحقة لا تتوقف ولن تتوقف. والشائعات تتصادم والأكاذيب تتنامى بشكل خرافى. رجال ونساء ترامب فى فترة ولايته (يناير 2017-2021) كانوا لا يقبلون توصيف «الأكاذيب» لما قد كان يصدر منهم ويفضلون استخدام توصيف «الحقائق البديلة». وجدير بالذكر هنا أن الإشارة إلى الأكاذيب والحقائق المفبركة وفضحها لم تعد مشكلة كبيرة كما كانت منذ سنوات. وكان فى الماضى على السياسى إذا كذب أن يتم محاسبته علنا. وربما مطالبته بترك منصبه.
وماذا عن كل ما قيل وما يقال عن الولايات المتأرجحة السبعة؟!
وهى الولايات التى لم تحسم أمرها بعد ولها دور حاسم فى ترجيح كفة هذا المرشح أو ذاك.. وماذا أيضًا عن الأصوات العربية والإسلامية بالإضافة إلى أصوات أو اختيارات السود واللاتين والنساء والأجيال الصاعدة. كل هذه الفئات فى موضع اختبار وتقييم. وبالطبع سوف نعرف مدى دقة الكلام الذى يقال عنهم ونفوذهم ومشاركتهم.. وكم حجم التهويل أو التهوين لأهمية أصوات تلك الفئات أو المجموعات الناخبة. وجدير بالذكر أن عدد من يحق لهم التصويت هذا العام نحو 244 مليون أمريكى. وترى كم سيكون عدد الذين لديهم الحرص على المشاركة والتصويت؟ وقد قام 154.6 مليون بالتصويت فى انتخابات عام 2020. وكان عددهم فى الانتخابات الرئاسية عام 2016 137.5 مليون. وقدرت نسبة المشاركة فى الانتخابات الماضية (2020) ب 66.6 فى المئة. وكان بايدن قد حصل على أكثر من 81 مليون صوت فى حين حصل ترامب على أكثر من 74 مليون صوت!
ولا شك أن الحديث عن الانقسام أو الاستقطاب الأمريكى لم يتوقف ولن يتوقف. وأن هذا الاستقطاب وبشكل أساسى عناصره تتضمن الاختلاف حول ما يمكن تسميته بالمسلمات أو المعايير الثقافية/ الأخلاقية التى يؤمن ويتشبث بها كل من الفريقين. ومن ثم نسمع الضجيج المثار حول أمريكا التى ضاعت ويجب استعادتها من جهة (ترامب ومؤيديه) وحول أمريكا التى تم التوصل إليها ويجب حمايتها من جهة أخرى (هاريس وأنصارها). ولهذا القضايا مطروحة بشدة وانفعال وغضب. ومنها الإجهاض وحق المرأة فى اتخاذ قراراتها الخاصة بجسدها وبالطبع اللاجئين أو القادمين إلى أرض المهاجرين. وكيف يمكن التصدى لهم أو محاولة ضمهم للمجتمع الأمريكى الذى تشكل عبر العقود بالقادمين إليها والساعين إلى تحقيق ذاتهم بالفرص المتاحة لهم فى أمريكا. إن التعدد والتنوع هما من صنعا أمريكا التى نراها الآن والتى تسعى لإيجاد مساحة أكثر للتنوع والتعدد مهما كان أصلهم العرقى أو الجغرافى أو الدينى أو كان لون بشرتهم أو نوع جنسهم. وهذه الأمور بالمناسبة لا يمكن التعامل معها أو معالجتها (إذا تسببت فى مشاكل أو أزمات) إلا بالنقاش حولها وتبادل الآراء بشأنها.وأيضًا بالاتفاق والاختلاف بخصوصها. وبالتأكيد بعدم إهمالها بحجة أن الزمن كفيل بمحو أخطاء الماضى أو أزمات الحاضر أو تحديات المستقبل. الزمن مع من يعرف كيف يستعمله أو يستفيد منه فى التوصل إلى ما يريد وما يتمنى تحقيقه. وأنا هنا أذكر كل هذه القضايا الأمريكية المتواجدة على الساحة السياسية والمجتمعية. وأحاول أن أتعامل معها من جميع الزوايا للنظر إليها ومواجهتها بشكل واقعى.
إن الأفكار والقضايا والملفات المثارة محتاجة للاهتمام ليس فقط بمضمونها أو بحلقات الملاكمة أو المصارعة فيها.. بل بكيفية طرح الأسئلة حول الثابت والمتغير فيها وفى الواقع الأمريكى.. وأن يتم التناول الجاد والصريح والجرىء للواقع دون تردد أو عملية تجميل. وهل كل هذا يهمنا نحن بشكل أو آخر؟ هل أمريكا 2025 المرتقبة لها دور فى تشكيل خريطة العالم التى يصر أغلب خبراء الاستراتيجية فى العالم على أنها تتغير.. ويجب أن يتغير إن عاجلاً أو آجلاً.
الأسئلة لن تتوقف ما دام الاهتمام ما زال قائمًا. والأسئلة ليست لها إجابات نموذجية جاهزة للرد.. لذا لزم التنويه!