الأربعاء 25 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

..أن تكون إخوانيًا بـ«العافية»!

لم يذق عبد الحكيم قاسم مرارة السجن فقط؛ بل السجن داخل الذات والحرمان من الحب والتقدير. لهذا تستحق روايته (المهدى) أن تكون مقدمتها المكتوبة بقلم المفكر والناقد الكبير الدكتور جابر عصفور بنفس حجم الرواية نفسها، هى رواية قصيرة كتبها عام 1977 فى غربته ببرلين ونشرت مع رواية قصيرة أخرى فى كتاب واحد تحت عنوان (روايتان) عن دار التنوير ببيروت وبعد عشر سنوات أعيد الطبع فى القاهرة تحت عنوان (الهجرة إلى غير المألوف).



ثمة حرب على كرسى العمودية بين أكثر من أسرة فى محلة (الجياد) وهى غالباً مكان وهمى. تسبب الصراع فى زيادة فقر الفلاحين ما استوجب ظهور أفراد جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية بينهم، يدعون إلى تغيير الأحوال للأفضل وأن ما حدث ليس بسبب الطمع البشرى وإنما بسبب الانصراف عن الدين فالإسلام هو الحل. ألبسوا البنات الحجاب والشباب ملابس الجوالة واستبدال صراخ المشاحنات بهتافات (الله أكبر وسبحان الله) ومع تحويل عنف القوم إلى قسوة منظمة تم استبدال أجزاء المجتمع إلى مؤسّسة دينية لا وجود فيها لأى كيان يمس مصلحة الجماعة. 

 

 

 

يأتى للقرية المعلم عوض الله، صانع شماسى مسيحى يبحث عن قوت زوجته وطفليه، فيصاحب عم على أفندى الذى يستعين بمعونة الأخ طلعت المشرف على شعبة الإخوان فى القرية بحثاً عن سكن وعمل لعم عوض الله، وبالطبع يهدف طلعت لاستئلاف قلوب الأسرة للإسلام!

هكذا ينصاع الصنائعى القبطى لعصابة الغلاظ الذين قدموا لداره نسخة إجبارية من القرآن الكريم مع مذكرات مؤسّس الجماعة الإرهابى حسن البنا الداعية الأول وكتاب (من هنا نعلم) للشيخ محمد الغزالى، دعك من استمارات المحاسبة التى يكتب فيها الأخ المسيحى كل ما يفعله فى يومه مستغفراً ربه ومقدماً كشف حساب لمندوب الجماعة! أن الرجل مضطر لمجاراة الموقف فلا حيلة له وأى اعتراض يعنى أن يعود لحياة التشرد هو وأسرته، وفى النهاية تحتفل الشعبة بإشهار إسلام الرجل فى المحكمة الشرعية وأمام أهل القرية ويتحول اسمه إلى الشيخ عوض الله المهدى ويعلق الأخ طلعت بخشوع: «لقد أضاء الإيمان قلب الرجل!» أمّا عوض الله فيسقط محموماً وتنهار صحته ويهذى بآخر كلمات المسيح حين يُسَلم إلى أيدى الرومان. 

 

 

 

كل هذا لا يهم الأخ طلعت وشعبته، فالمهم أن يتأجل موت الرجل قليلاً حتى يلحق بالاستعراض الذى أعدته الجماعة.

ترسم (فلة) زوجة عوض الله الصليب على صدرها وتهمس: «لننشد كفراً مسيحياً يا عوض الله.. فيه كنيسة يلمس دراع صالح». حلم كجناح ملاك أبيض طفلى الوجه يلمس شغاف قلبه فيتنهد: «سيرعانا المسيح يا فلة». ثم يسلم جبينه للنسيم «ولا تدخلنا فى تجربة.. ونجنا من الشرير».