الأربعاء 25 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

(دافنشى).. منابع طفولة الرسام اللغز!

تقدِّم دارُ الربيع العربى ترجمة هامة لكتاب سيجموند فرويد عن دافنشى يحمل اسم الفنان اللغز. وهو الكتاب الذى وصفه السيكولوجى البريطانى المعروف (أوليفر جيمس) بـ: «لقد غيَّر كتاب فرويد عن دافنشى فن كتابة السيرة الذاتية، فمنذ ذلك الحين لم تعد السيرة الذاتية لأحد مكتملة دون أن نُنقِّب فى منابع طفولته. فى الكتاب يدخل فرويد إلى أعماق شخصية دافنشى بداية من طفولته وحتى انتقاله إلى الفن، ويصفه بالخمول واللامبالاة!».



الكتاب ترجمة عن الإنجليزية (الحسين خضيرى) ويُسلِّم الفصل الأول بحقيقة أن دافنشى كان عبقرياً بكل معنى، وشديد الغموض لا يمكن اقتحامه، فائق الأسلوب، مفوهاً، وحنوناً على الجميع. مولع بالجمال فى كل ما تمسه يده ومقدراً لكل وجه صافى وكانت عبقريته هى أيضاً اللعنة التى أبعدته عن الناس، فكان تحول اهتمامه من الفن إلى العلم سبباً فى اتساع الفجوة ما بينه وبين معاصريه الذين رأوا أن كل جهوده التى أضاع وقته فيها تبدو كما لو كانت عزفاً متقلِّب الأطوار، وكان عليه أن يملأها بالجد وطلب الثراء.

ويمسك فرويد غليونه عندما يتذكر أنه النفسانى العظيم، ويذكر أن دافنشى لا يذكر عن طفولته إلا النسر الذى طار، وهو يرمز إلى الأم عند الفراعنة، فاستبدال الأم بالنسر يعوِّض غياب الأم عند الطفل غير الشرعى، هكذا صارت كل مشاعر الفتى مخفية بعناية حتى عن نفسه، وفى لوحته الأثيرة أشارت ابتسامة الموناليزا بوضوح إلى ذلك، إن ما يخلب لب المُشاهد هو هذه الديناميكية الفاتنة لهذه الابتسامة. لقد كتب مئات الشعراء والكُتَّاب عن هذه المرأة التى يبدو أنها تبتسم لنا فى إغواء، وتحدّق فى الفراغ ببرود وبنظرة خالية من الحياة، لكنَّ أحداً لم يحل لغز ابتسامتها، لم يُفسر أحدٌ أفكارَها.

ولا عجب أنها اللوحة الأشهَر فى العالم والأكثر إثارة للجدل بكل ما تحويه من ألغاز يدرسها علماء الفيزياء قبل الفن وقبل ظهور رواية دان براون المعروفة بـ« شفرة دافنشى»، وكانت اللوحة التى يحملها دافنشى معه أينما رحل، وكان يقول دائماً: «يصعب عليّ أن أبتعد عن أسمَى عمل عبرّت فيه عن الجمال الأنثوى». فضلاً عن الإرث العظيم التى تركه المحتوى الفنى والإنسانى عابراً كافة التوجهات الدينية والعقبات السياسية، بفلسفة تأويلية غنوصية خاصة تقول إن الحياة كلها أسرار، وإن الفن أخطر مما نتصوره!

يختم فرويد كتابه الممتع بهذه العبارة: «كل فرد فى الكائنات الإنسانية تجربة فريدة، تُعبِّر أسباب الطبيعة فيها عن نفسها، وتقحمها فى التجربة».