الأحد 18 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

طفل واحد يكفى؟!

ريشة: نسرين بهاء
ريشة: نسرين بهاء

«العيلة عزوة»، مبدأ تربى عليه أجيال ونشأت بفضله عائلات كبيرة ذاع صيتها سواء فى بلاد الأرياف والصعيد، وحتى فى القاهرة منذ عشرات السنوات، لكن مع مرور الوقت وتطور الأجيال بدأ الفكر يتغير، وقل عدد الأبناء تدريجيًا حتى وصلنا للجيل الجديد من الآباء والأمهات الذين قرروا إنجاب طفل واحد فقط.



القرار الذى يعتبره البعض ظلمًا كبيرًا للطفل الذى تم إنجابه ليظل وحيدًا فى الحياة دون أخ يؤنسه ويشارك معه لحظات اللعب والمرح، وعندما يكبر يستند عليه ويكون خزينة أسراره، له أبعاد كثيرة من الناحية الاجتماعية والنفسية وكذلك الاقتصادية. 

كغيرها من بنات الجيل الجديد قررت سهى أحمد أن تؤجل قرار الإنجاب فى السنوات الأولى من الزواج، لتستمتع بحياتها وتتعرف على طباع زوجها، بالإضافة إلى أنها كانت فى بداية حياتها المهنية فى الكتابة بالخط العربى على الخشب والقماش، وبعد عام ونصف تقريبًا أنجبت طفلها الأول يونس، وكان بداخها قرار بعدم تكرار هذه التجربة خاصة بعد المسئولية الكبيرة التى عاشتها فى الفترة الأولى من حياة طفلها. 

شاركت سهى قرارها مع زوجها، واتفقا معا على الالتزام بهذا القرار وتجاهل كل الضغوط التى سيتعرضان لها من الأهل، وتكريس كل طاقتهما لتربية يونس بطريقة صحيحة تجعله سوى نفسيًا، وأصبح يونس مشروعهما الجديد الذى يقومان بالاستثمار فيه. 

على النقيض كانت صفا حسين، فالأمومة هى حلمها الذى تحمست من أجله للزواج، وبالفعل بعد 10 شهور من الزواج كانت تحمل بين يديها طفلها الذى منحته اسم والدها الراحل، العزوة التى كانت تحلم بها صفا قررت أن تتخلى عنها، وذلك بعد الكم الهائل من المصاريف التي ينفقها زوجها شهريًا على الطفل منذ ولادته وحتى وصوله لعمر الثلاث وتواجده فى حضانة. 

الإنفاق على طفل واحد وتقديم كل سبل الراحة والرفاهية له من أجل حياة أفضل كان القرار الذى توصل له الثنائى، خاصة وأن صفا لم ترغب فى تجربة الحياة العملية بعد تخرجها من كلية التربية، ويعتبر مصدر الدخل الوحيد هو عمل زوجها كمحاسب فى واحدة من الشركات الكبرى فى القاهرة. 

قرار تربية طفل واحد اتخدته نادين محمد قبل الزواج، وذلك بسبب ما رأته مع أخواتها، فكل واحدة منهن كانت تعانى مع أبنائها وتواجه تشتتًا كبيرًا فى تلبيه رغبات كل منهم على حدة، وفى وسط طلبات الأولاد التى لا تنتهى كانت تهمل فى صحتها وراحتها، فاكتشفت من خبرات المحيطين بها أن التركيز مع طفل واحد أفضل من الحيرة بين طفلين أو أكثر، وكذلك سيصبح لها وقت للاهتمام بنفسها وبزوجها. 

وبالفعل تحدثت مع خطيبها فى هذا الأمر واقتنع بوجهة نظرها، وبعد الزواج اكتفى الزوجان بإنجاب ابنتهما كيان، واستطاعا أن يوفرا لها حياة بسيطة وهادئة. 

البعض لا يتفق مع هذا الرأى ويرون أنه من الضرورى وجود «أخ» فى حياة الطفل يشاركه أوقات اللعب ولحظات الطفولة الممتعة التى تحتاج لشريك يصنع معه الذكريات، وهو القرار الذى اتخذته آية صبرى على الرغم من تردد عدة سنوات، فكانت تفكر فى أن تكتفى بتربية ابنها حمزة فقط، لكنه بعدما وصل لعمر الـ4 سنوات تراجعت عن هذا الرأى وقررت أن تكرر التجربة رغم صعوبتها وذلك حتى لا تحرم ابنها من نعمة الإخوات التى تشعر بها كل يوم فى حالة إذا احتاجت لصديق تشكى له ضيق الحياة أو تطلب منه مساعدة دون أن تشعر بالحرج. 

 

ريشة: سامح سمير
ريشة: سامح سمير

 

الحال نفسه كان فى أسرة المهندس كريم سيد وزوجته رقية، فرفض كريم مبدأ الطفل الواحد حتى لا تشعر ابنته بنفس مشاعره طوال فترة الطفولة وحتى عندما وصل لعمر الشباب كان يفتقد لوجود أخ، فاتفق مع زوجته على إنجاب طفلين، وخلال أشهر قليلة ستستقبل الأسرة فردها الرابع.

الكثير من الأهالى يعتقدون أن إنجاب طفل واحد هو الحل الأمثل للظروف الاقتصادية والاجتماعية فى الوضع الراهن، وهو ما أكدته استشارى الصحة النفسية دكتورة سهام حسن، مشيرة إلى أنه بجانب ذلك يوجد بعض الأمهات تمر بأزمات صحية لا تسمح لها بتكرار هذه التجربة بداية من مشقة الحمل وحتى تربية طفل صغير، لذلك لا يمكن اللوم عليها فى قرار إنجاب طفل واحد. 

لكنها أكدت أن هذا الطفل سيكون فى حاجة لاتباع أسلوب خاص فى التربية، لأنه فى الأغلب يكون الطفل الوحيد لديه شعور بالأنانية والنرجسية على اعتبار أنه محور اهتمام الأسرة وكل طلباته مجابة، بالإضافة إلى أنه لا يتعلم معنى المشاركة مع الآخرين وغيرها من المهارات والتفاصيل التى يكتسبها فى حالة وجود أخ يقيم معه فى نفس المنزل. 

طالبت سهام الأهالى فى حالة الاكتفاء بطفل واحد توفير بيئة أكثر اجتماعية وذلك حتى تتطور مهاراته الاجتماعية فى التواصل مع الآخرين ويكتسب خبرات لن يتعلمها فى وجود الأب والأم فقط. 

رفض دكتور سامح سمير استشارى الطب النفسى للأطفال اللوم على الأهالى الذين اكتفوا بطفل واحد، مؤكدا أنه فى بعض الحالات يكون إنجاب أكثر من طفل ظلمًا لهم جميعا، فهو من أنصار الصحة النفسية أولا سواء للطفل أو الأم، وأشار إلى أن الحياة أصبحت طاحنة وتواجه الأم تحديات كبيرة فى تربية الطفل بداية من المجتمع المتنمر وتطلعات الأطفال الكبيرة بسبب التطور التكنولوجى وكذلك المشاكل التى أصبحنا نواجهها مثل التوحد وتأخر الكلام والتلعثم وغيرها. 

وأكد أن عدد الأبناء هو قرار الأب والأم فقط، لأنهما الوحيدان القادران على معرفة مدى طاقتهما لتنشئة فرد سوى نفسيًا ونافع فى المجتمع.