الفيل X الحمار.. من ينتصر؟!

ترجمة: خلود عدنان
فى الخامس من نوفمبر، سيذهب الأمريكيون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيسهم القادم، وستكون المنافسة بين المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، والمرشح الجمهورى دونالد ترامب التى ستشبه إلى حد ما انتخابات عام 2020، بين بايدن وترامب.
وستفتح صناديق الاقتراع يوم الثلاثاء فى أوائل نوفمبر، ويستمر فرز الأصوات لأسابيع فى بعض الولايات، وبمجرد فرز جميع الأصوات، يقوم الكونجرس الأمريكى بالتصديق على النتائج، وهو عادة ما يكون حدثًا شكليًا، يعقبه تنصيب الرئيس الجديد فى 20 يناير 2025 بمبنى الكابيتول فى واشنطن العاصمة.
تواجه المرشحة الديمقراطية هاريس عقبتين فى طريقها إلى البيت الأبيض، الأولى هى أنه رغم تمتعها بدعم عدد كافٍ من الديمقراطيين للفوز بالترشيح، ولكن لن يكون لديها وقت كافٍ لتعريف نفسها للناخبين ومواجهة حملة ترامب التى بالفعل تمكنت من حصد شعبية قوية.

والعقبة الثانية تكمن فى استغلال الجمهوريين ما مرت به الولايات المتحدة فى عهد جو بايدن من أزمات اقتصادية وسياسية وصناعية منها ارتفاع التضخم وتدهور الصناعة واضطراب العلاقات الخارجية، لتحميل هاريس المسئولية عنها.
لكن أقوى ما تتميز به هاريس الآن هو عمرها، إذ تبلغ 59 عامًا فهى أصغر من ترامب بـ18 عامًا، ومن بايدن بعقدين من الزمن.
ورغم ما يتمتع به المرشح الجمهورى من شعبية لا يُستهان بها؛ فإن أكثر ما يُضعِف موقفه هو انحياز الأمريكيين للصورة المثالية لرئيس الولايات المتحدة، خلافًا لما يمتلكه ترامب من سجل بائس بدايةً من عدم احترام النتائج الانتخابية، حينما حاول أنصاره قلب هزيمته فى انتخابات عام 2020؛ وواجه بسبب ذلك اتهامات فيدرالية بشأن مشاركته المزعومة فى هذا الهجوم، كما أُدين بجرائم جنائية تتعلق بمدفوعات الأموال السرية المرتبطة بحملته الرئاسية لعام 2016، بالإضافة إلى عدد من الأحكام القضائية مُقدرة بملايين الدولارات والتى تبخرت بفضل قانون الحصانة الجزئية الصادر فى يوليو الماضى بصفته رئيسًا سابقًا، ولكن الحصانة لا تمحو ذاكرة الأمريكيين.
وترجح الصحف الأمريكية تقدم هاريس على ترامب إذا تم عقد مناظرتين أخريين على شبكات Fox News NBC، حسب اقتراح ترامب، ومن المقرر أن يتنافس المرشحان الرئيسيان وجهًا لوجه بعد أسبوع من عيد العمال على قناة ABC News.
استطلاعات الرأى تُعلن الفائز
ونشرت صحيفة ذا هيل الأمريكية نتائج أحدث استطلاعات الرأى والتى أظهرت أن نائبة الرئيس الأمريكى تحظى بفرصة أفضل فى السباق الرئاسى، مقارنة بالرئيس الأمريكى الأسبق.
وأظهر استطلاع رأى على موقع ياهو نيوز/يوجوف أن 39 فى المائة من الأمريكيين رجحوا فوز هاريس، ينما رجح 36 فى المائة فوز ترامب.
وفى استطلاع رأى آخر عن الوجهة المناسبة لتقلد منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وشارك به 1788 شخصًا، حصدت هاريس 50 فى المائة من أصوات المشاركين بالاستطلاع، بينما حصد ترامب 47 فى المائة.

تقدمت هاريس بفارق 4 نقاط على الرئيس السابق فى متوسط استطلاعات الرأى التى قامت بها مواقع ومراكز أبحاث أمريكية، حيث حصلت على 49.5 فى المائة من الدعم.
عدو المرأة
وقد عاد ترامب، الذى أظهر ضبطًا نادرًا للنفس فى أعقاب إطلاق النار الذى تعرض له خلال أحد تجمعاته الانتخابية فى ولاية بنسلفانيا منذ شهر، إلى خطاباته الانقسامية، متجاهلًا تحذيرات حلفائه الجمهوريين والدوائر السياسية بخفض حدة تصعيد الخطاب السياسى.
وشنت صحيفة نيويورك تايمز هجومًا حادًا على ترامب، واتهمته بابتزاز المرأة، وتعمده توجيه الانتقادات البذيئة للمعارضات والمنتقدات له بشكل شخصى، منذ ظهوره على شاشات الإعلام الأمريكى، مشيرة إلى أن الرئيس الأمريكى السابق اتُهم مرارًا وتكرارًا بسوء السلوك الجنسى ولاحقته العام الماضى اتهامات بالاعتداء الجنسى.
يأتى ذلك بعد أن أعاد نشر إهانة جنسية عن هاريس على موقع Truth social تضمنت اتهام نائبة الرئيس الأمريكى بتقديم خدمات جنسية مقابل حصولها على دعم لمواصلة مسيرتها السياسية.
ويشير ترامب فى تعليقه الساخر إلى العلاقة العاطفية التى جمعت بين هاريس وويلى براون عمدة سان فرانسيسكو السابق الذى ارتبطت به فى منتصف التسعينيات حينما كان رئيسًا لولاية كاليفورنيا، حيث بدأت مسيرتها السياسية، وكذلك أشار إلى علاقة زوج هيلارى كلينتون، الرئيس السابق بيل كلينتون، ومونيكا لوينسكى.
وهذه هى المرة الثانية التى يشارك فيها ترامب على حسابه الشخصى، محتوى مسيئا جنسيًا لهاريس فى أقل من عشرة أيام، وتضمن المنشور المسىء صورة لهاريس وهيلارى كلينتون، منافسة ترامب عام 2016، وكتب عليه تعليقًا: «من المضحك كيف أثرت الخدمات الجنسية على حياتهما المهنية بشكل مختلف».
وأعاد المرشح الجمهورى مشاركة 30 منشورًا يدعو فيها إلى محاكمة كبار الديمقراطيين وأعضاء لجنة مجلس النواب التى حققت فى هجوم 6 يناير 2021 على الكابيتول، وتعهد الرئيس السابق بتوجيه المدعين الفيدراليين للتحقيق مع أعدائه السياسيين حال فوزه بالانتخابات الرئاسية.
اغتيال كينيدى
عندما انسحب روبرت كينيدى جونيور الابن من السباق الرئاسى الأمريكى وأيد المرشح الجمهورى الرئيس الأمريكى السابق فى 23 أغسطس، كانت مكافأته الأولى عبارة عن وعد: «إذا انتُخِب، سينشئ لجنة رئاسية مستقلة للكشف عن أسرار اغتيال كينيدى وسيكلف اللجنة بالإفراج عن جميع الوثائق المتبقية المتعلقة بعملية الاغتيال».
فهل سيكشف ترامب عن وثائق اغتيال جون كينيدي؟ الإجابة باختصار «لا»، ولذلك عدة أسباب أوضحتها تقارير موقع أكسيوس الأمريكى، أولها أن ترامب قدم نفس الوعد فى انتخابات عام 2016، ثم تراجع عن هذا الوعد.
السبب الثانى: أنه حتى لو كانت هناك وثائق تناقض رواية «لى هارفى أوزوالد القاتل الوحيد»، فلا توجد أى فرصة على الإطلاق لأن تسلم «CIA» الاستخبارات الأمريكية مثل هذه الوثائق إلى مجلس مراجعة سجلات الاغتيالات أو الأرشيف الوطنى بدلا من تدميره ببساطة.
السبب الثالث: هو استخدام الكلمات الملتوية «تكليف» وكالة حكومية أو لجنة أو مجلس مهمة ما هو الأسلوب المعتاد الذى لا يحقق به السياسى أى شيء بينما يزعم أنه أوفى بوعده.
إن القصة الرسمية، التى صُدرت عام 1964، لم تصمد أمام الزمن، فوفقًا لمؤسسة جالوب فى العام الماضى، يعتقد 65 % من الأمريكيين أن عملية الاغتيال نفذها متآمرون، وليس أوزوالد وحده، ولكن من المؤسف أنه لن يتم الكشف مطلقًا عما حدث فى دالاس فى ذلك اليوم.

كينيدى «المظلوم» إعلاميًا
تعاملت عائلة كينيدى الابن مع انشقاقه عن الديمقراطيين وتأييده لترامب على أنه خيانة لإرث والده الذى يحمل نفس الاسم، السيناتور روبرت كينيدى، وعمه الرئيس جون كينيدى، وقد أدانه أفراد العائلة مثل أخته كيرى وشقيقه ماكس بعبارات مهينة.
وكانت التغطية الإعلامية هستيرية بنفس قدر تعامل عائلة كينيدى مع هذه الأنباء، لقد شوهه أحد كتاب الأعمدة فى صحيفة نيويورك تايمز من خلال التظاهر بالتحدث وكأنه دودة طفيلية داخل رأسه، تسبب مشكلة طبية، وهو النوع من الطرق المبتذلة التى لا يمكن لمحررى تلك الصحيفة أن يسمحوا باستخدامها ضد أى ديمقراطى.
وكان لانسحابه من السباق الانتخابى تأثير غير مسبوق لمرشح رئاسى منسحب، فبدلًا من إرساله إلى خانة الساقطين من تاريخ أمريكا السياسى، كان روبرت كينيدى جونيور يحظى باهتمام بالغ منذ أعلن انسحابه من السباق ثم تأييده لترامب.
وحسب صحيفة نيوز ويك، فإن دعم كينيدى لترامب لا يُعد حالة نموذجية من السياسة التى تجعل من الغرباء رفقاء درب، بقدر ما كان عملًا من أعمال الهرطقة، الذى لن تتسامح معه عائلة كينيدى والمجتمع الديمقراطى.
إن جزءًا من الهستيريا التى أحاطت بكينيدى الابن تتلخص فى محاولة عائلة كينيدى الحفاظ على مطالبها بوضعها كعائلة ملكية سياسية، فقد تصرف العديد من أفرادها مثل أفراد العائلات الملكية الأوروبية فى ظل فوضى عارمة من الفضائح مثل قضية شاباكويديك «حادثة سير مشبوهة لتيد كينيدى راح ضحيتها ناشطة سياسية»، واتهامات بالاغتصاب، وإدمان المخدرات والكحول، والسلوك الجنسى السيئ، التى عادة ما يرتكبها أبناء العائلات النبيلة المنحرفة أخلاقيًا التى حكمت أوروبا فى عهد سابق.
والأمر الأكثر سوءًا هو أن الجيلين الثانى والثالث من العائلة فشلا فى محاولاتهما للاستفادة من اسمهما الشهير، ولكن ذكرى جون كينيدى وروبرت كينيدى والفكرة القائلة بأنهما يمثلان «كاميلوت» أمريكية ما زالت باقية فى الثقافة السياسية الأميركية.
حتى لو كان المنشق شخصًا له ماضٍ متقلب روبرت كينيدى، الذى تتضمن سيرته الذاتية الشخصية تعاطى الهيروين والزواج المضطرب، فضلًا عن وجهات نظره البيئية المتطرفة التى تجعله على خلاف مع جميع الجمهوريين تقريبًا.
وكانت هناك بوادر لانشقاق روبرت، منها انتقاده لاحتضان الحزب الديمقراطى الحالى للأفكار الاستبدادية والمعادية للديمقراطية، مثالًا على ذلك، اعتراف مارك زوكربيرج مؤخرًا بأن فيسبوك تعاون مع الديمقراطيين لفرض رقابة على الإشارات إلى الكمبيوتر المحمول الخاص بهانتر بايدن فى الأسابيع الأخيرة من حملة بايدن الانتخابية 2020.
كما ضغطت إدارة بايدن على فيسبوك لفرض الرقابة على انتقاد سياسات التعامل الفاشلة مع جائحة كوفيد - 19، ما يكشف عدم اهتمام الديمقراطيين بحرية التعبير.
وقد اكتشف كينيدى الابن الجهود الخبيثة التى يبذلها الديمقراطيون لإبعاده عن الانتخابات التمهيدية ثم إبعاده عن صناديق الاقتراع والتى لا تختلف كثيرًا عن حملتهم لسجن خصمهم السياسى ترامب.
كينيدى هو حالة شاذة وسط الديمقراطيين فى كثير من النواحى، منها تفانيه فى مجال الحقوق المدنية، سعيه للوقوف لصالح أجندة مؤيدة للطبقة العاملة لا علاقة لها بالأسلوب الليبرالى الحالى، لرفع مصالح الفقراء فوق مصالح الأمريكيين ذوى الياقات الزرقاء، وشكوكه المعلنة فى لقاحات فيروس كورونا أكسبته ثقة وتأييدًا من جموع اليمين واليسار بعد انهيار الثقة العامة فى المؤسسة الطبية، ومعارضته للدعم العسكرى الأمريكى فى الحرب الروسية - الأوكرانية يجعله أيضًا متوافقًا مع الجمهوريين أكثر من الديمقراطيين، وفقًا لـ«نيوز ويك».
إذا كان الولاء الحزبى المحدود أو الحملة الصليبية المهووسة لإبعاد «الرجل البرتقالى السيئ» عن البيت الأبيض هو المعيار الوحيد للحكم على كينيدى الابن، فقد يكون خائنًا للحزب الديمقراطى، ولكن بتأييده لترامب، لم يخن إرث عائلته أو المبادئ الديمقراطية الأساسية، بل إنه حقق ما يصبو إليه وما يتناسب مع وجهات نظره.