لسه فيه خيامية؟!

«الخيامية» فن مصرى أصيل تفردت به مصر عن باقى دول العالم ويمتد تاريخ هذه الحرفة من العصر الفرعونى.. ولكنها بالتأكيد أصبحت أكثر ازدهارًا فى العصر الإسلامى، حيث شهد العصران المملوكى والفاطمى قمة ازدهارها.

وترتبط الخيامية قديمًا بكسوة الكعبة المشرفة المطعمة بخيوط الذهب والفضة لتزدان بها الكعبة، وظلت مصر ترسلها للحجاز فى موكب متفرد مهيب يعرف باسم «المحمل»، وذلك حتى أواخر حقبة الستينيات من القرن الماضى.

 

 

فهذا الشارع موجود منذ أيام الفاطميين يتكون من طابقين وكان باب زويلة يغلق ليلًا ويفتح فى النهار ويسمح للتجار بالدخول صباحًا لمباشرة أعمالهم وأماكن الورش التى تتواجد فيها الآن كانت قديمًا اسطبلًا للخيول والطابق الذى يعلوه كان أماكن لمبيت التجار الذين يأتون من المغرب والشام، وكان لهؤلاء التجار خيام يستخدمونها فى سفرهم، ويعملون على إصلاحها فى تلك المنطقة، كما كان يحرص كل منهم أن تختلف خيمته عن الخيام الأخرى ومن هنا بدأت مهنة الخيامية.

الزمان والمكان 

يحكى التاريخ عن أشهر خيام نصبت فى مصر، وهى الخيام التى نصبت على طول الطريق من القاهرة إلـى بغداد إبان رحلة زفاف الأميرة قطر الندى ابنة خمارويه التى كانت مضرب المثل فى كل العصور بالترف والبذخ.

 

 

كما تكثر إقامة الصوانات فى الموالد من الخيامية، مثل مولد النبى الذى يأتيه الكثيرون بصوانات صغيرة متنقلة للأراجوز وفن التنورة، كما تقام موائد الرحمن الملونة بالزينة والفوانيس بالخيام فى الشهر الكريم.

مجدى مهران صاحب أشهر مصانع للخيامية يجلس منكبًا بالإبرة والخيط وتتراص حوله الخيام التى انتهى منها، وكذلك المفارش المخصصة لتزيين المنزل، وكافة صنوف الزينة الأخرى؛ عمل فى مهنة الخيامية وهو فى السابعة من عمره، توارثها مثل غيره من الكثيرين العاملين هنا أبًا عن جد، لم يرث عم مهران المهنة فقط بل ورث تقدير ذاته لها، مبينًا أن: «هذه المهنة مذكورة فى القرآن، فربنا سبحانه وتعالى قال: حور مقصورات فى الخيام».

هكذا عبر مهران عن قيمة مهنته بينما أوضح عم «محمد برعي» أحد العاملين بهذه المهنة أنها تبدأ برسم التصميم الذى سيتم تنفيذه على القماش وغالبًا ما يستخدم قماش التيل لأنه سميك ثم يقوم بتخريم الرسم وتوضع بودرة مخصصة لطبع الرسم على القماش حتى يقوم الفنان بعملية التطريز، إذ يقوم الفنان بقص وحدات القماش وتطريزها مع بعضها البعض على حد وصفه.

 

 

وغالبا ما تكون التصميمات إما فرعونية أو إسلامية، هذا بالإضافة إلى الآيات القرآنية والمناظر الطبيعية أو الرقصات النوبية والتراث المصرى القديم بكل أشكاله.

وأشار إلى أن أول ما يجب أن يتعلمه الصبى الجديد هو كيفية «لضم الإبرة» وأن يبدأ بالرسم على قماش «التيل» الذى يتميز بسمكه وقوته ومن ثم يقوم العامل بتزيين الرسمة بقطع القماش الملونة، حيث تقص وحدات القماش وحياكتها مع بعضها البعض وغالبا ما تكون التصميمات عاكسة للأشكال الفرعونية والإسلامية المتمثلة فى الخط العربى الذى يعكس آيات قرآنية كريمة، وحديثا أشكالًا هندسية أو زهورًا أو مناظر طبيعية لافتة.

 

 

كل هذا يتطلب سرعة فائقة ودقة حتى يستطيع صانع اللوحة الانتهاء منها بسرعة فقد تتطلب قطعه القماش الصغيرة أيامًا وشهورًا للانتهاء منها.

صراع الملوك

عم «على سليمان» صاحب إحدى الورش القديمة يقول إن الحرفة مهددة بالانقراض، لأنها تحتاج إلى صبر طويل، ووقت لعمل قطعة خيامية طولها متر، كما أنه تعلم هذه المهنة وهو فى سن 14 عاما وما زال يعمل بها حتى الآن. وأن أدواته لا تعدو مجرد إبرة وخيط وقماش ولكنه يستطيع أن يخرج بها لوحة بديعة من الفن المصرى الأصيل.

 

 

محمد برعى ومحسن فتوح أقدم صناع فن الخيامية بمنطقة الغورية أكدا أن المهنة توارثت فى العائلة على مدار نصف قرن وأكثر، ولكن الجيل الحالى هو الوحيد الذى رفض أن يتعلمها والعمل بها، وهذا سبب رئيسى لتراجع المبيعات عن أى وقت مضى، فذلك الجيل لا يرى أى شيء ممتع فى الخيامية عكس الجميع. والسبب الثانى لعدم توريث الحرفة لأولادهم هو عدم الربح الكافى لتكفى الحاجات الأساسية للحياة حاليًا.

 

 

كما أشار إلى أن السياح أيضًا أصبحوا لا يهتمون بها، ما أثر علينا بشكل كبير والخسائر لاحقتنا من شتى الجوانب، لكن اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسى بالحرف اليدوية بث فى قلوبهم الأمل من جديد أملًا فى إنقاذ المهنة من الانقراض.

 

 

قال: «الأسعار على حسب الوقت المستغرق فى الصناعة، على سبيل المثال لو الشغل استغرق ساعات فقط يمكن أن تبدأ التكلفة من خمسين جنيهًا، وهناك شغل يمكن أن يستغرق شهورا وأسابيع، وثمنه يبدأ من 10000 جنيه».

يتابع صناع الخيامية فى تصريحاتهم لـ«صباح الخير»: وبإيماننا بالله والصبر على المعيشة ورغم قلة السياحة بدأ المصريون الاهتمام بهذا الفن عن طريق طلب العديد من الأوردرات خصيصا لهم وزيادة حركات البيع والشراء بين تجار «الخيامية» والمصريين أكثر من الأجانب 

أضاف: «عندما زارت «مارجريت تاتشر» رئيسة الوزراء البريطانية مصر فى القرن الماضى طلبت أن تزور منطقة «الخيامية» وعندما سئلت لماذا هذه المنطقة بالذات؟ أجابت: لديكم عمال مهرة وصناعة خطيرة لو كانت لدينا فى بريطانيا لربحنا منها الملايين».