الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
صراع بين الجرانيت والنيل

صراع بين الجرانيت والنيل

«بالإرادة نحطم الصخور ونحرك الجبال ونحقق الأحلام» هكذا كانت ثورة 23 يوليو 1952، نقطة التحول الجوهرية فى تاريخ مصر الحديث والتى غيرت شكل حكم مصر من الملكية إلى الجمهورية والتى أعقبتها تدفقات الحركات التحررية بالمد الثورى الذى طال العديد من البلدان التى حصلت على تحررها من أشكال الاستعمار المختلفة، وبنيت على آثارها الوحدة العربية بمفهومها القومى الذى تزايد خاصة فى فترة الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم.



‏ومن ضمن ما خلفته ثورة يوليو الروح الوطنية التى التفت حول القيادة لبناء وطن حر بالتفاف شعبى من العامة، الذين شاركوا فى كل الأحداث السياسية والاجتماعية التى أعقبت الثورة، ومن ضمن الأحداث التى لم نعشها كجيل، لكن استفدنا مما حققه المشروع القومى لتشييد السد العالى، وثقته الصورة البصرية بإبداع صلاح التهامى أبو السينما التسجيلية، تحت عنوان «أربعة أيام مجيدة» فدون بالصورة السينمائية هذا الحدث الجلل آنذاك، لأهم أربعة أيام صنعت حلم الأجيال وأمل المصريين فى سباق مع الزمن، حيث قاتل المصريون من أجل تحقيق الهدف الذى تحقق بإيمان الشعب المصرى وإرادته. ‏فكان تشييد هذا السد ثمرة الإرادة الثورية، إرادة الرجال الأحرار، ‏لحظات تاريخية عاشها أجدادنا بتحويل مجرى النيل لينتقل الجبل إلى وسط النهر. وعبر المخرج العبقرى بالصورة عن تلك اللحظات التاريخية مؤكدا على لقاء نهر النيل بمواسير المياه فى لقاء هادئ يغلق مجرى النيل القديم للأبد ويكون أكبر مصدر للرخاء. تابعنا مع لقطات الفيلم وأحداثه وكأننا عشنا تلك الأحداث، فهكذا دور الأفلام التسجيلية وأهميتها لتكون شاهدة على قضايا وأحداث تاريخية للأجيال.

‏والحقيقة أن أصل القصة بدأ مع بداية الثورة وميلاد الحلم الذى تحول بإصرار المصريين إلى حقيقة بعرق وجهد، وتضحية 35.000 رجل، فبالإرادة نحطم الصخور ونحرك الجبال ونحقق الأحلام، وإن كانت تلك الجملة اخترقت مسامعنا فى أحد مشاهد الفيلم، إلا أنها انعكاس حقيقي ومعبر عن قوة المصريين لبناء دولتهم، فكانت تلك الثورة النافذة التى تطلع منها المصريون لتحقيق أهدافهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

‏وما يشغلنى دومًا هو الانطلاقة الثقافية الحقيقية التى أطلقها رائد الثقافة المصرية فى ‏القرن العشرين أحد الضباط الأحرار المستنيرين الدكتور ثروت عكاشة الذى وضع بنية تحتية حقيقية لرسوخ ثقافة مصرية نفخر بها إلى يومنا هذا، من خلال مؤسسات عتيدة فى جميع ربوع الجمهورية وخلق كوادر فنية مصرية تستطيع حمل لواء الثقافة المصرية بدافع الحفاظ على هويتنا وحمايتها والتى بزغت فى قلوب وعقول المصريين وترجمت فى عملهم وأفعالهم من أجل وطن صنعه أبناؤه تاريخًا يسطر فى صفحات الزمن، وكان الفن المصرى آنذاك خير موثق لمراحل، وأحداث ومواقف لا يمكن أن تمحى، بل وحدت المصريين حول مشاريعهم القومية وبناء دولتهم الراسخة، إنها حقًا ثقافة الإرادة لتحقيق الأحلام بالعطاء وبذل الجهد والإصرار، فظل المصريون يحملون أهداف ثورتهم على أكتافهم برغبة ملحة لتحقيق أمجادهم بقوة وإرادة حقيقية.