«حرب أهلية» فى أمريكا؟!
ترجمة وإعداد: خلود عدنان
فى المستقبل القريب، الحرب الأهلية على قدم وساق فى الولايات المتحدة الأمريكية، عندما يعتمد البقاء على قيد الحياة على لون الشخص وأصله ونوع «الأمريكي» الذى ينتمى إليه، فهى رحلة حياة أو موت، تتحد تكساس وكاليفورنيا مع 17 ولاية أخرى لتشكيل «القوات الغربية ضد تحالف واشنطن»، وتثير الميليشيات المسلحة الرعب بدماء الأبرياء فى الشوارع، ينطلق أربعة صحفيين فى رحلة من نيويورك إلى واشنطن لإجراء مقابلة أخيرة مع الرئيس الأمريكى مع تسليط الضوء على ردود الفعل الصحفية والجهود المهنية للإعلام ..نرى عملًا دراميًا وهو «الحرب الأهلية» مجسدًا مخاوف الأمريكيين فى أهم توقيت فى التاريخ الأمريكى
ليس هناك أى مؤامرة يمكن كشفها، مجرد سرد لأحداث تبدو واقعية إلى حد كبير وكأنها فيلم تسجيلي، لما يدور فى أذهان الشعب الأمريكى بعدما تصاعدت أعمال شغب «الكابيتول» فى يناير 2021، وما سيكون عليه مصير الرئيس الذى يمثل انهيار النظام وليس ترامب أو بايدن المقصود بعينه.
وشكلت هوليوود نوعًا منفصلًا من الأفلام من خلال نشر الخوف حول مستقبل عالمنا من خلال أفلام الخيال العلمى البائسة، وفى الوقت ذاته تغطى بعض البرامج الإعلامية التهديدات الفعلية التى تواجه الولايات المتحدة الأمريكية، فإن قصص الدراما الأمريكية المتشائمة حول الحاضر تصور بشكل مباشر مجتمعًا فى أزمة، يعانى حالة عدم الرضا وفقدان الثقة السائد فى المجتمع الأمريكى المعاصر، مع التأكيد على عدم وجود بطل خارق منقذ فى النهاية.
فماذا لو ثارت 19 ولاية؟
صوَّر الفيلم مثالا للفوضى الدخانية التى تسود المدن الأمريكية بينما تتجه إلى انتخابات رئاسية جديدة، وهى لا تزال تعانى من أزمات وانقسامات أيديولوجية خلفتها الانتخابات السابقة، على سبيل المثال، فى الآونة الأخيرة، رفعت ولاية تكساس والعديد من الولايات الأخرى علم التمرد مرة أخرى، حيث تنعكس المخاوف الاجتماعية فى الثقافة الفنية.
وسبق وقدمت السينما العالمية أعمالًا فنية قدمت الكارثة قبل وقوعها، منها الأفلام التى تنبأت بشكل دقيق تقريبًا بجائحة «كوفيد-19» أحدثت ضجة كبيرة، ثم اكتشفنا فيما بعد تسريب شائعات عن مختبرات قامت بتصنيع الفيروس، وإلا كيف تمكنت أفلام مثل «العدوى» على سبيل المثال من تقديم كل ما كان سيحدث قبل عقد من الزمن تقريبًا؟ لقد رأينا العديد من الأمثلة حيث تقلد الحياة الفن، لذا من الممكن أن ننظر إلى «الحرب الأهلية» على أنها نوع من «إنذار»، من تصدعات النظام الداخلى للولايات المتحدة.
حقبة جديدة
لا يكرر أليكس جارلاند فى فيلمه «الحرب الأهلية» الانتقادات العرضية للانحطاط والفساد النمطى التى يواجهها الجناح الديمقراطى الليبرالى فى هوليوود. وبدلًا من ذلك، فهو فيلم يصور بشكل مباشر الانهيار والصراع والصدمة فى المجتمع الأمريكى، محاولًا عكس نتائج جنون العظمة الأمريكى وفقًا لحقائق محتملة فى المستقبل القريب.
وتختلف أفلام هوليوود خلال الفترة الحالية حيث كانت تتبع أفلام الكوارث الكلاسيكية قصة يتحول فيها الاستقرار إلى الفوضى، ثم تأتى سلسلة من التجارب لتحديد القائد أو المنقذ، وفى النهاية يتحقق النجاة من الكارثة، فى الأفلام التى ذكرتها، لا يوجد قائد ولا منقذ، ولا وعد بالاستقرار، لقد أصبح الشعب الأمريكى الآن بمفرده تمامًا، وليس هناك من يعتمد عليه.
وأنتجت هوليوود العديد من القصص عن الحرب الأهلية الأمريكية 1861-1865، ومجدت المشاركة الأمريكية فى الحروب فى بلدان أخرى بعد ذلك، ولكن اليوم يختلف الوضع عما سبق، ليس هناك مزيد من الأفلام التى تتحدث عن عظمة غزو الجيش الأمريكى للعراق دون إبراز حجم معاناة الأبرياء ووقوع ضحايا مدنيين، مع تسليط الضوء على القوى الداخلية المعارضة للإنفاق على حروب الشرق الأوسط ومساعدة الحلفاء فى وقت يواجه فيه الاقتصاد الأمريكى العديد من التحديات.
وتُعد هذه هى المرة الأولى فى الحقبة الحديثة التى يتم فيها تجسيد تصور الحرب الأهلية على الشاشات الأمريكية، وهو انعكاس لرؤية جارلاند السياسية التى يغلب عليها اليأس والغضب من الوضع الديمقراطى الذى تعيشه الولايات المتحدة اليوم، ومدى تدهور الحوار السياسى بين اليمين واليسار، مع تنبوءات قوية باشتعال فتيل العنف السياسى بعد الانتخابات القادمة.
رؤية سوداوية
إمكانية تحول الشارع الأمريكى إلى ساحة نزاعات مسلحة دموية التى ذهب إليها أليكس جارلاند فى فيلمه «الحرب الأهلية»، ليست مجرد خيال درامى وإنما ترجع لاستطلاعات رأى أُجريت عام 2022، قال: أيَّد 47.8 % من الأمريكيين احتمالية نشوب الحرب الأهلية خلال العقد المقبل، وارتفعت نسبة المتوقعين اندلاع صراع داخلى فى استطلاع رأى آخر 50.1 %، كما رجحت استطلاعات الرأى العام الحالى تصاعد العنف السياسى بعد الانتخابات المقبلة والخروج عن نطاق السيطرة فى نهاية المطاف إذا وقعت الحرب التى يصورها جارلاند بالتزامن مع حصار خارجى من أطراف معادية.
لقد تلقى فيلم «الحرب الأهلية» الكثير من الانتقادات بسبب تجاهل القوى الأيديولوجية التى أدت إلى انقسام أمريكا، وتسليط الضوء على مخاطر الاستقطاب، وتقديم حزب سياسي أمريكي واحد لقيادة التمرد العنيف، حسب نيويورك تايمز الأمريكية.
الغريب أن شركة A24، المنتجة للفيلم روجت على وسائل التواصل الاجتماعى لخريطة الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب الانفصالية التى يتناولها سيناريو الفيلم، حيث يحتدم الصراع بين اليمين واليسار وتتشكل الميليشيات اليمينية المتطرفة وتتحالف الولايات الممتدة من الساحل الشرقى عبر وسط البلاد، بينما تتحالف جنوب فلوريدا؛ والقوات الغربية الانفصالية فى كاليفورنيا وتكساس؛ ويتمركز «جيش الشعب الجديد» فى الشمال الغربى
وإلى جانب أزمات اليمين واليسار، تزداد المخاوف بشأن تدفق المهاجرين و«تسميم دماء البلاد»، ووقوفهم وراء أعمال العنف السياسى الأكثر فتكًا فى أمريكا فى الآونة الأخيرة، وهو ما تتجه إليه صناعة السينما فى أمريكا فى الفترة القادمة، فمن يرد إضفاء طابع درامى على أسوأ مخاوف الأمريكيين بشأن مسار السياسة الأمريكية، فعليه أن يأخذ جوهر تلك السياسات على محمل الجد، على حد قول جارلاند.
«اترك العالم خلفك»!
وفى تجسيد آخر للهجوم السيبرانى الأخير، شاهدنا فيلم «اترك العالم خلفك» مرتين، الذى أنتجه الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما وزوجته ميشيل أوباما.
وتناول الفيلم كيف يبدأ العالم فى «التخلف عن الركب»، أولًا، جنحت ناقلة عملاقة على شاطئ المنطقة، ثم تم العثور على حطام طائرة، وبعدها تتوقف الأقمار الصناعية عن العمل، وتتوقف الأجهزة الإلكترونية والهواتف، وتبدأ سلوكيات غير عادية لدى الغزلان والطيور فى الغابة القريبة، فى تسلسل زمنى تبدأ نهاية الولايات المتحدة الأمريكية.
تخيل أنك تعرضت لهجوم إلكترونى فى بلدك، وانقطعت الكهرباء والإنترنت، وتم إغلاق الطرق السريعة، ووجدت نفسك وعائلتك فجأة غارقين فى حالة من عدم اليقين التام، وأصبحت البيئة والطبيعة غريبة، والدخان يتصاعد من أقرب مدينة، ولا أحد للمساعدة!.
الأمر الذى يشبه إلى حد كبير ما وقع شهر يوليو الماضى، حيث تعرضت العديد من الخدمات بمختلف أنحاء العالم، فى وقت سابق، إلى انقطاع مفاجئ للإنترنت ارتبط بخلل تقنى، مما تسبب فى تعطل العمليات فى مطارات وشركات طيران ووسائل إعلام وبنوك.
وامتدت الأعطال إلى قطاع النفط والغاز، وواجهت عدة مقرات رئيسية لتداول النفط والغاز فى لندن وسنغافورة صعوبات فى تنفيذ المعاملات بسبب تعطل الإنترنت.
ألاعيب إعلامية
وبعيدًا عن نظريات المؤامرة التى دعمتها السينما الأمريكية، يركز الإعلام الأمريكى على تصدير سيناريوهات الفوضى والانقسام المحلى وفشل الانتخابات وضياع حق المواطن الأمريكى فى انتخاب رئيسه، ليس من خلال تقديم عرض درامي يحبس الأنفاس ولكن من خلال تسليط الضوء على أحداث سابقة فى تاريخ سجل الانتخابات الرئاسية الأمريكية ومحاولات الانقلاب عقب إعلان النتائج، واستخدام اليمين المتطرف كفذاعة لإرهاب الناخب الأمريكى وتوجيهه لانتخاب مرشح بعينه.
جميعها ألاعيب إعلامية تعرف جيدًا كيف تؤثر على الرأى العام الأمريكى، مثلما انتشر شعار «احبس أنفاسك.. كينيدى على وشك الهزيمة» والذى كان بداية للفوضى التى أعقبت هزيمة الجمهوريين فى الانتخابات الأمريكية فى الأول من ديسمبر عام 1960، حينها أوهم الجمهوريون أتباعهم بتحقيقهم النصر، ولكن كانت الغلبة للديمقراطيين، وفاز فيها جون كينيدى أمام خصمه ريتشارد نيكسون فى أجواء احتجاجية صاخبة.
وبعد ثلاثة أسابيع من إعلان نتيجة الانتخابات أعلن الصحفى الأمريكى جيرالد أل ك سميث، زعيم ما أسماه «الحملة الصليبية القومية المسيحية»، عن بدء حملة ضغط خفية للطعن فى نتيجة الانتخابات والإطاحة بكينيدى وتمكين نيسكون من رئاسة الولايات المتحدة.
وشرع سميث فى التخطيط لإفساد العملية الانتخابية وجمع الأموال من أتباعه لإقناع حكام الولايات التى فاز بها كينيدى برفض إرسال ناخبى كينيدى إلى واشنطن لإجراء فرز أصوات الهيئة الانتخابية، لكن لم تكن هناك أى خدع فى عملية الفرز، وحصل كينيدى على 303 أصوات مقابل 219 صوتًا لنيكسون، ومضى انتقال السلطة بسلام.
وحسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، تبدو هذه الأحداث مشابهة لما حدث خلال الانتخابات الأمريكية فى نوفمبر 2020، حينما حاول دونالد ترامب الرئيس الأمريكى السابق التشكيك فى نتائج الانتخابات، واتصل بـ«رونا مكدانيل»، رئيسة اللجنة الوطنية للحزب الجمهورى آنذاك، لتحريض المسئولين المحليين فى المقاطعات والولايات على عدم التصديق على إجمالى الأصوات.
وتؤكد الصحيفة أن الجمهوريين لم يكتفوا بالترويج لأكاذيب ترامب بشأن «سرقة» الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بل قاموا بهذه الحيلة أكثر من عشرين مرة فى ثمانى ولايات على الأقل منذ عام 2020، وتم توجيه الاتهام إلى اثنين من أعضاء مجلس الانتخابات الجمهوريين الرافضين بولاية أريزونا، وتم عزل اثنين آخرين من منصبيهما فى ولاية نورث كارولينا وفى نيو مكسيكو وبنسلفانيا ونيفادا، رضخ المسئولون الجمهوريون فى نهاية المطاف للتصديق على الأصوات تحت ضغط قانونى
سيناريو كينيدى
وما يثير مخاوف الأمريكيين أنه قبل أقل من 100 يوم من الانتخابات، تتم حاليًا مراجعة قانون لمنح أعضاء مجالس انتخابات المقاطعات خيارًا إضافيًا لتأخير أو رفض التصديق على النتائج الانتخابية.
وفى ليلة أقل حدة من ليالى اندلاع الفوضى فى أفلام هوليوود، نرسم تصورا لليلة انتخابات نوفمبر المقبل، حيث يتبادل الحزبان الانتصارات فى عدة ولايات، ويسيطر الديمقراطيون على نيفادا، بينما يسيطر الجمهوريون على أريزونا، ويفوز الجمهوريون بأهم ولاية وهى بنسلفانيا، بينما يتفوق عليهم الديمقراطيون فى ولايتى ويسكونسن وميشيجان، وتبقى نتيجة فرز الأصوات فى ولاية جورجيا هى الحد الفاضل فى إعلان النتائج، الأمة تنتظر جورجيا، إما نراها باللون الأحمر، ما يعنى فوز ترامب؛ أو نراها باللون الأزرق، ما يعنى فوز هاريس.
ويلى إعلان النتائج الانتخابية انتشار تقارير إخبارية عن «مشاكل» غير محددة فى فرز أصوات عدة مقاطعات ليستغلها المسئولون الجمهوريون ذريعة لاستخدام حقهم فى رفض التصديق على النتائج فى مقاطعاتهم وإجراء «تحقيقات شفافة»، وهى الولايات ذاتها التى شهدت رفض الجمهوريين النتائج الانتخابية عام 2020.
وبموجب القانون الفيدرالى الذى تم تعديله مؤخرًا، أمام كل ولاية مهلة حتى 11 ديسمبر لإرسال النتائج الرسمية المعتمدة إلى واشنطن لإجراء فرز أصوات الهيئة الانتخابية، ولكن إذا فشلت ولاية واحدة أو أكثر فى تقديم نتائج رسمية، مما يمنع أى مرشح من الوصول إلى 270 صوتًا انتخابيًا، فإن التعديل الثانى عشر ينص على قيام مجلس النواب المنتخب حديثًا بتحديد الفائز بمنصب الرئاسة ما يرجح نزاع بين مؤيدى الجمهوريين والديمقراطيين ووجود أكثر من ثغرة لإفساد العملية الديمقراطية.
هكذا أصبح القانون الأمريكى أداة لخلق الفوضى وسيتكرر سيناريو انتخابات كينيدى ويتحقق حلم «سميث»، ففى السنوات الثلاث والنصف الماضية، أصبحت الحيل التى فشلت فى قلب النتائج الرئاسية الأخيرة لصالح ترامب، أكثر احترافية ومنهجية من قبل المسئولين الجمهوريين وحلفائهم.
وأكد تقرير حديث فى صحيفة التايمز نقلًا عن آراء محللين سياسيين، عدم قدرة أغلب صناع السياسات والمسئولين التصديق على الانتخابات، كما رفض مايكل واتلى، رئيس اللجنة الوطنية للحزب الجمهورى، الإجابة عندما سئل عما إذا كان الحزب ينوى محاولة منع شهادات التصويت.
استراتيجية شحن الرأى العام وإرباك الناخين باحتمالية العبث بالعملية الديمقراطية وما يليها من احتجاجات تشبه احتجاجات الكونجرس الأمريكى عام 2021 ولكن على نطاق أوسع، التى تتبناها عدة صحف موالية للديموقراطيين حصدت أخطاء الجمهوريين فى إفساد الانتخابات الرئاسية مرتين عام 1960 وعام 2020، وفى المقابل نرى الرؤية ذاتها فى الإعلام الموالى للجمهوريين، ولكن المتهم بالطبع ديمقراطى.
هذه هى حالة الاستقطاب التى رصدتها هوليوود، ومخاوف الانقسام التى يعززها الرأى العام الأمريكى، تحت شعار «أى نوع من الأمريكيين أنت؟» وهى أغنية نُشرت خلال الحرب العالمية الأولى 1917، وتصدرت مواقع السوشيال ميديا فى برومو فيلم «الحرب الأهلية»، وسط تصاعد حملات ضغط خفية من الجانبين.