الكيانات الوهمية تنصب الفخاخ.. والضحايا الطلبة وأولياء الأمور
موسم اصطياد طلاب «الثانوية»
تحقيق: بسمة مصطفى عمر
يتصارع المحتالون داخل حلبة المنافسة على اصطياد فرائسهم من خريجى الثانوية بأنواعها المختلفة.. ممثلين فى أصحاب الأكاديميات والمعاهد الوهمية وغير المرخصة، والذين يفرشون الأرض بالورود الزائفة، أمام الحاصلين على الثانوية العامة والأزهرية، ومثيلاتها من استقطابهم للدراسة فى تلك الكيانات، على أمل أن يجد أولادهم عملا مناسبا فى إحدى الجهات المتعاونة مع هذه الأكاديميات حسب تأكيدها للضحايا من الطلاب وأسرهم.
تخفى هذه الورود تحتها مزيجا من الأشواك، فرغم خداعها للضحايا بقدرتها على توظيفهم رسميا بعد سنوات الدراسة، فإن أحلامهم تتبدد بعد قضاء الفترة المذكورة، حيث يصطدمون بالواقع، فهم حاصلون على شهادات غير معترف بها رسميا، ولم تؤهلهم للعمل فى أى مجال فعليا، بجانب استنزاف أموالهم، التى تتراوح بين 15 و25 ألف جنيه كمصروفات سنوية للطالب الواحد، بخلاف تكلفة الكتب، والملازم، والدروس الخصوصية، وغيرها من المصروفات.
وفور إعلان نتيجة الثانوية العامة، أعلنت هذه الكيانات قبول الحاصلين على مجموع 50 % فأكثر للدراسة بها على مدار عامين، وأغلبها فى مجالات التحاليل الطبية، والأشعة، والتمريض، والسياحة والفنادق، والصحافة والإعلام، والإدارة، والحاسب الآلى.
تطرقت مجلة «صباح الخير» لهذا الملف للتعرف على أساليب خداع تلك الكيانات، التى تزعم منح شهادات معتمدة دون الحصول على أى تراخيص، وكذلك الجهود المبذولة للقضاء عليها من مختلف الجهات المعنية.
عشرات الرسائل والاتصالات الهاتفية يستقبلها أولياء الأمور يوميا، خاصة أولئك الذين تواصلوا ولو لمرة واحدة مع إحدى الكيانات، التى لا يعرفون أنها تبيع لهم الوهم، مقابل عشرات الآلاف من الجنيهات سنويا، على أمل الاستقرار العملى والمهنى لأولادهم بعد التخرج من هذه الكيانات، سواء كانت أكاديميات أو معاهد أو مراكز.
يدور محور هذه الاتصالات، حول ضرورة استعجال ولى الأمر بتجهيز أوراق الالتحاق بالكيان المتصل به، قبل اكتمال الأعداد المقرر قبولها فى الفرقة الأولى، وأن التأخير يعنى ضياع فرصة ابنه أو ابنته، خاصة الحاصلين منهم على تقديرات متدنية، لأن هذا الكيان يقبل خريجى الثانوية بمجموع 50 %.
كما يطلب المتصل من ولى الأمر دفع «عربون» اتفاق لكى يسجل اسم ابنه أو ابنته بشكل مبدئى كجدية حجز، وأنه سوف يتاح له دفع المصروفات على أقساط خلال العام الدراسى، فى حالة عدم استطاعته سداد المصروفات دفعة واحدة.
هنا يسمع ولى الأمر لصوت الأهل والأقارب، بأن لجوءه للقطاع الخاص لاستكمال تعليم نجله، هو الحل الأمثل، والبديل للقطاع الحكومى، خاصة أن نجله لم يحصد درجات تؤهله للالتحاق بكلية حكومية، وأنه سوف يتخرج فيها بعد 4 سنوات، للحاق بطابور البطالة، بينما تتلافى هذه الكيانات ذلك، وتؤهل وتوفر فرص العمل لخريجيها فى كافة مجالات الدراسة حسب زعمها، بل وتساعد الخريج على تغيير وإثبات المهنة فى بطاقة تحقيق الشخصية.
وسط كل هذه المغريات، ينسى ولى الأمر أو يجهل ضرورة البحث، وتحرى الدقة فى اختيار المؤسسة أو الكيان الذى سيلحق به نجله، لرسم مستقبله، فى إحدى المجالات الحيوية التى يستطيع من خلالها إثبات ذاته، وتوفير حياة كريمة له ولأسرته الحالية أو المستقبلية، ومن ثم يقع ولى الأمر فى الفخ.
أكاديميات خارج التنسيق
وطالب أحمد السيد الدبيكى، نقيب العلوم الصحية، بالتصدى للكيانات التى تطلق على نفسها أكاديميات علمية، لما تمثله من خطورة على شباب الغد، مستغلين تدنى مجاميع الثانوية العامة، وكذلك الدبلومات، وعدم توافر وظائف بعد التخرج، محاولين إيهام أولياء الأمور والطلاب بسد تلك الثغرة، ولكن فى حقيقة الأمر هى كيانات ليس لها أى معايير، ولا يوجد بها أشخاص مؤهلين لتعليم الطلاب.
قائلا إن التسويق لهذه الأكاديميات من خلال الإعلانات، سواء على صفحات التواصل الاجتماعى، أو وضع ملصقات فى وسائل النقل العام، أو لافتات فى الشوارع، يؤكد أنها منشآت غير مرخصة، وخاصة تلك التى تقبل حتى شهادات الإعدادية والثانوية والدبلومات، مشيرا إلى أن المجلس الأعلى للجامعات هو من له السلطة لمنح الشهادات العليا، وفوق المتوسط «خريجى المعاهد»، أما الشهادات المتوسطة فتكون من خلال وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى.
وأوضح الدبيكى لـ«صباح الخير»، أن تلك الأكاديميات هى مراكز للتدريب التحويلى التى بدأتها وزارة العمل بشكل محدد وأوقفتها، لعدم التنسيق بين مراكز تدريب وزارة العمل، والاتحاد العام لنقابات عمال مصر، موضحا أن التدريب التحويلى هو تعليم العمال مجالا جديدا فى حالة تحويل نشاط المنشأة العاملين به أو غلقها أو نقل العمال لمجال عمل آخر.
وأشار نقيب العلوم الصحية، إلى وجود أكثر من 200 أكاديمية وهمية فى مصر، من أمثال «طيبة للعلوم الطبية، وسيناء للعلوم الصحية، وسيناء للتربية والتعليم، والأكاديمية العلمية والتعليمية، وغيرها»، حيث يقومون بالتعاقد مع بعض الهيئات العلمية أو الجامعات، لتدريب الطلاب داخل المدرجات أو القاعات الخاصة بها، ويقوم بالتدريب بعض أساتذة الجامعة المتعاقدين معهم.
وواصل: مؤخرا قدمت 3 عروض من أماكن تدريب مختلفة للجامعة العمالية، وتم توجيه خطاب لرئيس اتحاد العمال، يفيد بأن تلك الأكاديميات وهمية، وصدر ترخيصها من وزارة الصناعة للتدريب فقط، وهذا يعنى أن التدريب يتم داخل المصانع، وليس له صلة بأى عمل أكاديمى.
وأكد الدبيكى على أن الأشعة، والتحاليل الطبية، والتمريض، هى مهن يتم مزاولتها بموجب تراخيص معتمدة من وزارة الصحة، بناء على مؤهل حصل عليه الطالب بعد تنسيق الثانوية، وليس بموجب دورة تدريبية مجهولة المصدر عير معتمدة من التعليم العالى، مشددا على ضرورة مراقبة ومتابعة تلك الكيانات والتعامل معها بحزم، وذلك من خلال وزارات التعليم العالى، والعمل، والتربية والتعليم، والصحة، والصناعة.
وأشار إلى أن أكثر أماكن انتشار لتلك الكيانات، القاهرة، والجيزة، والقليوبية، الغربية، والدقهلية، والشرقية، والإسكندرية، وبعض محافظات الصعيد، وتفتح الرابحة منها فروع أخرى فى المحافظات، لذلك يقع عشرات الآلاف ضحايا لهذه الكيانات سنويا، ويصطدمون بالواقع حينما يقدمون للحصول على رخصة مزاولة المهنة من النقابة.
وطالب الدبيكى، بسن قوانين وفرض عقوبات على أصحاب هذه الكيانات، لأنهم يستغلون الشباب، دون مراعاة أنه بذلك يهدمون مستقبلهم تحت وطأة جريمة النصب والاحتيال.
رقابة مشددة
تشكل الكيانات الوهمية التى تطلق على نفسها أكاديميات علمية، مصدر خطر كبير على المجتمع، كما تدمر أجيال المستقبل، ولذلك حذرت العديد من الوزارات والهيئات والنقابات من التعامل مع تلك الكيانات، طالبت بتوحيد الجهود للتعامل معها بحزم والقضاء على هذه الظاهرة، فحذرت الدكتورة كوثر محمود، نقيب التمريض، الطلاب الراغبين فى الالتحاق بكليات ومعاهد التمريض، من الأكاديميات الخاصة التى تدعى أنها مرخصة، وتوهمهم بمنحهم شهادات معتمدة، والحصول على رخصة مزاولة المهنة، مطالبة أهالى هؤلاء الطلاب، بالتأكد من ترخيص أى منشأة تعليمية، ليستطيع أولادهم الالتحاق بالنقابة، موضحة أن هناك أعدادا كبيرة تتخرج سنويا من الأكاديميات غير المرخصة، وليس لهم الأحقية فى التسجيل بالنقابة أو التكليف بوزارة الصحة، ولم تعتمد شهادات تخرجهم، منوهة إلى أن مزاولة هؤلاء للمهنة يعتبر انتحالا لشخصية الممرض، مشيرة إلى أن الأكاديمية المرخصة تحصل على موافقة المجلس الأعلى للجامعات، والذى يضع شروطا وضوابط للموافقة على اعتماد هذه المنشآت.
وأكدت أن النقابة تسعى جاهدة لمجابهة تلك الكيانات غير المرخصة، التى تخرج دفعات غير مؤهلة لمزاولة المهنة، مشيرة إلى أن أهم شروط القيد بالنقابة، والحصول على ترخيص مزاولة المهنة، التحقق من الشهادة الصادرة من المدارس نظام ال 5 سنوات المعتمدة من وزارة الصحة والسكان، أو المعاهد الفنية للتمريض التابعة للجامعات، وتكون فترة الدراسة به عامين ونصف.
من جهته أكد الدكتور أسامة عبدالحى، نقيب الأطباء، على خطورة كليات الطب الوهمية فى مصر وخارجها، مشددا على عدم الاعتراف بخريجيها، أو التقيد بسجلاتها، وكذلك خطورة قبول طلاب الثانوية الحاصلين على نسبة 50 %، ببعض كليات الطب الأجنبية سواء فى مصر أو خارجها، لعدم تكافؤ الفرص، والمواد المؤهلة للقبول، حيث يمثل ذلك كارثة على النظام الصحى فى المستقبل، نظرا لوجود أطباء حاصلين على شهادات دون التأهيل المطلوب، مما يؤثر سلبا على المريض.
وأوضح عبدالحى، أن هناك حدا أدنى للتنسيق، يعلنه المجلس الأعلى للجامعات، يسمح بالالتحاق بكليات الطب الحكومية، والخاصة، والأهلية، وأن للتحويل من أى كلية خارج مصر لنظيرتها خاصة فى مصر، يجب استيفاء عدد من الشروط ومنها قضاء 50 % من سنوات الدراسة فى مصر، وتحقيق الحد الأدنى لمجموع الكلية المحول إليها فى نفس عام حصوله على الثانوية.
وأشار إلى اشتراط مجلس النقابة لقيد خريجى كليات الطب الخاصة فى مصر، والتى لم تبدأ بها الدراسة، استكمال جميع اشتراطات الإنشاء، وأن تمتلك مستشفى بعدد أسرة مناسب لتدريب الطلاب حتى لا يتعرض خريجيها لعدم القيد، أما الكليات الخاصة التى بدأت بالفعل، فتمنح مدة 3 سنوات لتوفيق الأوضاع.