قصة قصيرة
حياة واحدة لا تكفى
ياسمين نصار
فى بعض الأحيان تتواجد لدى المرء حيوات أخرى لا يعلمها إلا هو، كتلك التى تحتوى عليها لعبة جومانجى الشهيرة، تارة تدعمه وتارة أخرى تتسبب خسارتها فى ضياع إحدى هذه الحيوات.
يمتلك بعض البشر وجوها مختلفة يتعامل بها مع أنواع كثيرة من الظروف والناس، وليس كل وجه يصلح لإظهاره ولكن يبقى خفيًا إلا أن تشاء الأقدار وتكشف مدى ما يخبئه هذا الوجه من قبح أو جمال.
ونظل نتساءل هنا: هل يوجد لشخص وجهان أجمل من بعضهما البعض؟، يمثلان حياتين بعضها ترف وبعضها نعيم، والتفضيل هنا عجيب ومحير؛ فالإنسان يمكن أن يمتلك ربما عشرين وجهًا إنما نادرًا ما نجد شخصا له وجهان أفضل من بعضهما ولكن يحب أن يظهر أقلهما جمالًا.
فهو يفضل أن يظهر الوجه الحسن الجميل مع أفراد عائلته والأصدقاء المقربين، أما الوجه الجميل المقبول فيظهره مع عامة الناس والمعارف والعلاقات السطحية.
وليس من السهل عنده أن يظهر الوجه الأجمل لعامة الناس، حيث البعض لا يستحق كل الجمال؛ فهناك المتصنع وهناك صاحب المصلحة الخاصة وهناك الخبيث وهناك أمثلة سيئة كثيرة جدًا للاستغلال.
يعيش (صبحى) فى حى فقير فى منطقة القلعة، يمتلك دراجة صغيرة مثبت بها صندوق خشبى يبيع من خلاله معطرات الجو وأدوات التنظيف المنزلية لسكان المنطقة.
يكسب قوت يومه بهذا الشكل وبهذه الطريقة؛ فطموحه يؤهله لأن يسعى للتوسع فى عمله ليمتلك شركة أو مصنعا فيما بعد، ولكى يساعد أمه الكفيفة قدر الإمكان؛ فحينما يجمع المال المقصود سيبحث عن علاج لها وفى أسرع وقت؛ فهو لا يفقد الأمل طالما يتنفس.
ولكنه يحتاج لتحقيق آماله البسيطة؛ تصريحاً لبيع مثل هذه المنتجات والتركيبات العطرية، وفى الوقت ذاته رأى هذا الموقف «صانع نصيب» لينتشله من هذا الظلم؛ فكل ما يريد تحقيقه هو الكسب الحلال والشفاء العاجل لأمه.
تحدث رجل الأعمال (فريد) إلى ضابط شرطة البلدية أنه سيتكفل باستخراج التصريح محل النزاع.
لم يتمالك (صبحى) نفسه من شدة الفرح ووجه شكره لـ(فريد) ووعده بأن يرد له الجميل عندما تتحسن أحواله بسبب حصوله على التصريح، رفض فريد أى مقابل لما تكفل به لأنه يحب أن يأخذ ثوابه من الله لمثل عمله كاملًا.
تمسك (صبحى) بآماله وأحلامه وامتلك دكانًا صغيرًا مقابلًا لنفس مكان تواجد الدراجة والصندوق فى الماضى.
كل فرح يتبعه حزن والعكس صحيح هكذا هى الدنيا يوم لك ويوم عليك، ويقولون عنها أيضًا سنة الحياة.
لم تبتسم الظروف لـ(صبحي) طوال الوقت؛ فكان له أخ يدعى (سالم) لا يأبه لمصدر أمواله سواء كان حلالا أم حراما؛ فبسبب سلوكه الملتوى فى كسب العيش كان تركيز جهود الشرطة مع هذه العائلة الصغيرة.
كان لـ(سالم) صحبة غير صالحة تعينه على الفساد والسرقة، وما إن علموا ما حدث لشقيق (سالم) انتقلت عيون الحسد وتمنى زوال النعمة الحلال من عنده واتفقوا بعلم (سالم) على سرقة الدكان ليلًا!.
استقبل (صبحى) صباحًا جديدًا كيوم من أيام الله وذهب لفتح الدكان متوكلًا على الحى الذى لا ينام ولا يغفل، ولكنه فوجئ بسرقة محتوياته بالكامل فكانت الفاجعة.
استعان (صبحى) على الفور برجل الأعمال (فريد) وقص عليه ما حدث، مما جعله يتحرك بسرعة لإنقاذ الموقف وذهبا معًا لقسم الشرطة لتحرير بلاغ بما حدث.
استكملت التحريات إلى أن وجدت الشرطة بعض مسروقات (صبحى) فى وكر من أوكار عصابة (سالم) المعروفة لدى الشرطة والمراقبة منذ فترة.
شعر (صبحى) بخيبة الأمل وطعنة غدر من غدرات الزمان، وفى النهاية تيقن أن حياتين جميلتين لا تكفيان؛ فلا بد أن يمتلك وجها قبيحا على الأقل يتعامل به مع مساوئ البشر!.