خدعة المناخ.. و«سقطة ترامب»
ترجمة: خلود عدنان
ما زالت ردود الأفعال تتوالى حول محادثة دونالد ترامب، المرشح الرئاسى الجمهورى للولايات المتحدة الأمريكية، وإيلون ماسك، أغنى شخص فى العالم، اللذين تطرقا إلى محاولة اغتيال ترامب وإلى المشكلات المناخية خلال حوار حظى باهتمام كبير على منصة إكس X، المعروفة سابقًا باسم تويتر والمملوكة لماسك، طوال الأسبوع الماضى.
كشفت المحادثة العامة النادرة بين ترامب وماسك، التى امتدت لأكثر من ساعتين، عن القليل من الجديد حول خطط ترامب لولاية ثانية، فيما أمضى الرئيس السابق الكثير من المناقشة فى التركيز على محاولة اغتياله الأخيرة والهجرة غير الشرعية وخططه لخفض اللوائح الحكومية.
وروى الرئيس الأمريكى السابق الأكثر جدلًا فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، محاولة اغتياله بتفاصيل حية ووعد بأكبر عملية ترحيل لمسئولين رفيعى المستوى فى تاريخ الولايات المتحدة حال عودته لمنصب الرئاسة.
وقال ترامب لمالك إكس إيلون ماسك: «لو لم أدر رأسى لما كنت أتحدث إليك الآن - بقدر ما أحبك».
وقال ماسك، وهو منتقد سابق لترامب: إن صلابة المرشح الجمهورى، كما يتضح من رد فعله على إطلاق النار الشهر الماضى، كانت حاسمة للأمن القومى.
واتفق ترامب وماسك على أن العالم لديه الوقت للتخلص من الوقود الأحفورى فى محادثة لاقت رواجًا واسعًا على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى، حيث زعمت حملة المرشح الجمهورى أن مليار شخص استمعوا إلى حواره مع ماسك، وحصد ملايين المشاهدات.
وخلال هذا الحوار، أدلى ترامب بتصريحات مختلفة، لاقت انتقادات لاذعة من الصحافة العالمية وعلقت عليها هيئة الإذاعة البريطانية قائلة: «إن العديد من تصريحاته كانت كاذبة أو مضللة».
أغبى محادثة!
هاجم خبراء المناخ ترامب وماسك هجومًا شديدًا بعد تصريحاتهما حول الاحتباس الحرارى، باعتبارها بعيدة عن حقائق أزمة الاحتباس الحرارى العالمى وارتفاع مستويات سطح البحر وكيفية عدم ضرورة خفض انبعاثات الكربون.
ووصفت صحيفة الجارديان البريطانية المحادثة بـ«أغبى حوار مناخى فى التاريخ».. معلقين: «كيف لرئيس سابق مدان بـ 34 جريمة جنائية أن يُقيّم أزمة مناخية عالمية»؟!
وتحدث ترامب عن «الاحتباس الحرارى النووى» بينما قال ماسك: إن السبب الوحيد للتخلى عن الوقود الأحفورى هو أن إمداداته محدودة.
وأردف أن الوقود الأحفورى لا يمكن التخلص منه إلا بعد مئات السنين، وأضاف الرئيس الأمريكى السابق أن ارتفاع مستويات سطح البحر، الناجم عن ذوبان الأنهار الجليدية، قد يكون مفيدًا لتشييد المزيد من الممتلكات المطلة على المحيط.
وهاجم ترامب إدارة جو بايدن بسبب عدم استغلالها لبرية القطب الشمالى فى ألاسكا لاستخراج النفط، وتعهد بالتراجع عن «جنون» سياسات بايدن المناخية إذا عاد إلى البيت الأبيض.
ومن المتوقع أن يقوم ترامب حال فوزه فى الانتخابات المقبلة بحملة لزيادة عمليات استخراج النفط والغاز الجديد، ورفع كفاءة عمليات تصدير الغاز وفقًا لاتفاقية باريس للمناخ.
وواصل المرشح الجمهورى الذى اشتهر ذات يوم بتسمية أزمة المناخ بأنها «خدعة»، حديثه بعيدًا عن أى أسس علمية، بأن التهديدات النووية أهم من التهديدات المناخية، قائلًا: «الشىء الوحيد الذى لا أفهمه هو أن الناس يتحدثون عن الاحتباس الحرارى العالمى أو يتحدثون عن تغير المناخ، لكنهم لا يتحدثون أبدًا عن الاحتباس الحرارى النووى».
وعبر ماسك عن أسفه لما يسميه «تشويه سمعة» صناعة النفط والغاز، المحرك الرئيسى للتلوث الذى يؤدى إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب، وأن الضرورة الوحيدة للتخلص من الوقود الأحفورى هى أنه سينضب يومًا ما، لكنه ليس له أى مخاطر حالية.
وبالطبع تراجع ترامب عن مهاجمة المركبات الكهربائية أمام ماسك، الذى يشغل منصب الرئيس التنفيذى لشركة السيارات الكهربائية تيسلا: «إذا توقفنا عن استخدام النفط والغاز الآن، فسوف نموت جميعًا جوعًا وسوف ينهار الاقتصاد»، مطالبًا بضرورة اقتصاد الطاقة المستدامة لأنه فى النهاية سينفد النفط والغاز.
الخطر الأساسى!
بعيدًا عن كل مخاطر تراكم ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى، أكد ماسك أن الخطر الرئيسى لارتفاع نسبة هذا العنصر هو التسبب فى «الصداع والغثيان» للبشر، ولكن لن يشعر أحد بهذا الأمر إلا فى حالة وصول ثانى أكسيد الكربون إلى حوالى 1000 جزء فى المليون من الغلاف الجوى للأرض، وهو أكثر من ضعف التركيزات القياسية الحالية.
وبخلاف نظريات ماسك وترامب، ثبت علميًا أن درجات الحرارة العالمية الحالية أكثر سخونة من أى وقت مضى فى الحضارة البشرية، وربما قبل هذا بوقت طويل، مما يتسبب فى تأثيرات كارثية متزايدة من حيث موجات الحر والجفاف والفيضانات وتدمير العالم الطبيعى.
وسبق أن وافقت الحكومات على محاولة منع ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية فوق عصر ما قبل الصناعة، مع تحذير الباحثين من الكوارث المتتالية بعد ارتفاع هذه النسبة.
ويواجه العالم مهمة شاقة متمثلة فى خفض الانبعاثات الكربونية بسرعة إلى النصف خلال هذا العقد، ثم إلى الصفر الصافى بحلول عام 2050، لتجنب تأثيرات أسوأ.
أما فيما يتعلق بارتفاع مستويات سطح البحر فقلل ترامب من أهمية مخاطره التى ترتفع بشكل أسرع على طول الساحل الأمريكى من المتوسط العالمى.
رغم أن التقارير توكد أن ارتفاع منسوب البحار لن يهدد المشروعات الساحلية التى يطمح بها المرشح الرئاسى الأمريكى ورجل الأعمال الأغنى فى العالم، وإنما يهدد البشرية بأكملها، بسبب زيادة احتمالية حدوث الفيضانات الكبيرة بنسبة 50 % منذ تسعينيات القرن العشرين، ومن المتوقع أن يتأثر ملايين الأمريكيين بسبب غمر المياه للمنازل والطرق السريعة والبنية الأساسية.
وفى فلوريدا، حيث يمتلك ترامب عقاره الساحلى الخاص فى مار إيه لاجو، قررت العديد من شركات التأمين الخروج من المشروعات الساحلية بالولاية بسبب ارتفاع تكاليف الفيضانات الناجمة عن ارتفاع منسوب مياه البحار والعواصف الشديدة.
تعليقات علماء المناخ
«انحدر إلى مستوى جديد من الغباء»، هذا تعليق بيل ماكيبين - وهو عالم بيئة وناشط مناخى أمريكى مخضرم - على نقاش ترامب وماسك حول أزمة المناخ.
«ليلة كبيرة لرجال أثرياء غريبين ليس لديهم أصدقاء ولا يفقهون شيئًا عن المناخ»، هكذا وصف ماكيبين الحوار بين ترامب وماسك، واصفًا الحوار بـ«شطيرة قذرة ساخنة قدمها ترامب فى توقيت يحتاج فيه إلى الصمود أمام منافسته هاريس قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة».
وكان لمايكل مان عالم البيئة والمناخ العديد من التصريحات حول الحوار المناخى الأكثر رواجًا فى أمريكا فى التوقيت الحالى، قائلًا: «أمر محزن.. إن التأثيرات المدمرة لتغير المناخ، ومشكلات الغلاف الجوى الأكثر تطرفًا، وما نراه من حرائق الغابات والفيضانات وموجات الحر والأعاصير الأكثر كثافة، تتجاوز فى الواقع فى كثير من النواحى التوقعات التى تم تقديمها قبل عقد واحد فقط. كيف أصبح «ماسك» منكرًا لتغير المناخ، ينكر حرفيًا كل ما يقوله العلم هنا»؟!
وأضاف مان أن تصريح ترامب حول ارتفاع مستوى سطح البحر لا ينم فقط عن عدم فهم فيزياء المناخ، وإنما ينم عن تغيب ترامب عن حصص المدارس الابتدائية!
وحسبما جاء فى قمة باريس للمناخ، فإذا ارتفعت مستويات ثانى أكسيد الكربون إلى هذا الحد الذى يجعل التنفس صعبًا، لن تتلخص الأزمة فى الصداع والغثيان، وإنما ستؤدى تأثيراتها بالفعل إلى انهيار المجتمع، لذا فإن تصريحات إيلون غير مستنيرة وغير مبنية على أسس صحيحة هى التى تسبب الصداع والغثيان.
وحسب صحيفة «نيوزويك» سخر رواد مواقع التواصل الاجتماعى ومنصة إكس من تلعثم ترامب المتكرر وغرابة صوته، وتكهن البعض على وسائل التواصل الاجتماعى بأن الرئيس السابق قد يرتدى أطقم أسنان اصطناعية.
ورد ترامب على موجة السخرية بأن غرابة صوته تعود إلى تعقيد المعدات الحديثة وتكنولوجيا الهاتف المحمول، ونشر تسجيل آخر للمحادثة على حسابه على X، حيث بدا صوته أكثر وضوحًا.
وفى منشوره على موقع Truth Social، تفاخر ترامب بحجم الجمهور الذى تابع محادثته مع ماسك، وكتب: «لقد استمع جمهور كبير إلى محادثتى مع إيلون ماسك الليلة الماضية، إيلون شخص مميز، وأشكره على هذا التأييد القوى».
من المعروف أن ماسك، الذى يمتلك «إكس» X، يستخدم منصته لتبنى وجهات النظر اليمينية، وخلال محادثته مع ترامب، كرر دعمه وتأييده له.
وتأتى محادثة ترامب وماسك فى الوقت الذى يسعى فيه ترامب إلى محاولة تصدر المشهد الانتخابى مجددًا بعد تقدم هاريس عليه فى استطلاعات الرأى الأخيرة فى الولايات المتأرجحة، واكتساب حملتها زخمًا متزايدًا فى الأسابيع الماضية.