«الأسطى عماد» الحفيد التاسع لصاحب أقدم ورشة بالغورية: طرابيش دلوقتى مافيش؟!
مروان أحمد
ما إن تطأ قدماك منطقتى الحسين والغورية، حتى تشعر أن رائحة الماضى تطاردك، كأنك عدت بالزمن، فتلك الأماكن تقلب بصفحات التاريخ المصرى الممتد لمئات السنين، تجمع بين حاضرك الممسك بماضيك.
فما بين جدران هذه الأماكن التاريخية يوجد أكثر من شاهد على عصور مضت فى التاريخ المصرى، ومن بينها ورشة صناعة الطربوش والعمامة بالغورية.
هذا المكان الذى يعود بك مئات السنين إلى الماضى لتشاهد عظمة طربوش الأمراء وعمائم الملوك.
أصل الحكاية
«إحنا صناع زمن طربوش أفندية مصر وعمائم الملوك».
هكذا عرفنا عم عماد بنفسه فهو الحفيد التاسع لصاحب أقدم ورشة صناعة الطرابيش والعمامة بمصر، حيث شهدت ورشة أحمد محمد أحمد الطرابيشى أيام حكم محمد على حتى الوالى سعيد ابنه فكانت الورشة تتعامل معهم بشكل خاص وتصنع طرابيش وعمائم حكام مصر فى هذا الوقت.
عملت الورشة منذ أكثر من 200 سنة فى صناعة الطرابيش التى سميت بالطرابيش الملكية فى هذا الوقت وصناعة العمائم للأمراء والمشايخ والطلاب، وصنع طربوش الملوك منهم السلطان حسين كامل والملك فؤاد والملك فاروق ولم يكن هذا كل شيء بل كان أبرز نجوم السينما فى هذا الوقت يأخذون طرابيشهم من هنا، ومن أشهرهم شرفنطح والريحانى ويوسف بك وهبى وصولا لعمامات رجال الدين من أمثال قراء القرآن الشيخ مصطفى إسماعيل، والشيخ عبد الباسط عبد الصمد وعدد كبير من المقرئين كانوا يحصلون على عمائمهم من المحل.
وأكد أنه لا يزال الطربوش يحتفظ برونقه القديم حتى يومنا هذا، بنفس تصميمه فى سابق عهده، لكن تختلف أسعاره على حسب أصول صناعته.
أصالة آلة
يستغرق صناعة الطربوش الواحد من ساعتين لثلاث ساعات، وذلك باختلاف النوع فهناك طربوش الأفندى، وطربوش الريحانى، وطربوش الإمام وطربوش القارئ.
ويستخدم فى صناعة الطرابيش صوف الكوخ والخوص، وعن مراحل صناعة الطرابيش قال: يتكون الطربوش من زعف النخيل، ويأتى كمرحلة أولى من مدينة رشيد والمرحلة الثانية هى الجوخ وهى مادة من الصوف تستورد من الهند وفرنسا والصين.
ويتم كى الزعف على قالب الذى يأخذ شكل الطربوش وهو مصنوع من النحاس وبعد ذلك يتم لصق الصوف على زعف النخيل، ثم توضع البطانة من الداخل وتلصق بمادة لاصقة مستخدمة من النشا، ثم يقوم الصنايعى بالخطوة الأخيرة هى الزر الحرير.
وتدخل الابن الأكبر للحديث عن الآلة التى يقف أمامها، ويقول: «من حق هذه الآلة أن تدخل موسوعة الأرقام القياسية فقد سجلت رقمًا قياسيًا لأكثر من مئة عام، ومازالت تعمل حتى الآن فهى آلة مصرية النشأة والمولد والموطن يعود أصلها إلى الدولة العثمانية، وانتشرت فى عهد محمد على باشا والى مصر ومازالت تحتفظ بأصالتها، كما لم يحدث أى تغيير فى عناصر صناعة الطربوش التى تتكون من خوص وجلد وطاقية من الحرير وزر أيضا من الحرير على أن يكون لونه أزرق أو أسود.
هناك ثلاثة أنواع من الطرابيش مغربى وشامى ومصرى ولكل منها شكل يميزه عن الآخر مثلا المغربى قصير، أما الشامى فيرتديه صاحبه على عمامة بيضاء طولها خمسة عشر سنتيمترا من الشاش الأبيض أما النوع الثالث المصرى فهناك نوعان منه الطربوش الأفندى المتداول فى الأذهان الذى يظهر اليوم فى الأفلام المصرية القديمة والنوع الثانى منه هو الأزهرى الذى يرتديه حاليا دعاة الأزهر وطلابه فى المدارس الأزهرية وأئمة المساجد ويسمى حاليا بالعمامة، ولعل الطربوش الأزهرى المسمى بالعمامة هو الذى يحرك الآلة الصناعية داخل أول وآخر محل يضيء شمعة المهنة حتى هذا اليوم.
وعن الألوان المختلفة المستخدمة فى صناعة الطرابيش قال إن لها دلالة واختلافا كبيرا ،حيث إنها تختلف فيما بينها باختلاف الزر فكل زر له دلالة معينة، فعمة المقرئ تكون باللون الأحمر وزر لبنى.
ويضيف هناك طربوش أحمر بزر أسود يرتديه الواعظ والإمام والداعية والمدرس وشيخ المعهد، ويوجد طربوش خاص بالصوفيين لونه أخضر، بالإضافة إلى طرابيش أخرى بألوان مختلفة للسياح خاصة سياح دول شرق آسيا.
وأصبح العمل فى الورشة يقتصر على الأعمال الدرامية، وكذلك العمامة الأزهرية وذلك بعد إلغاء الطرابيش فى مصر منذ عشرات السنين، هذه آخر ورشة صنع الطرابيش فى منطقة الغورية بعد غلق العديد من المحال بجواره بسبب صعوبة العيش وقلة مصادر الرزق.