محمد أبوالعيون
أسامة الأزهرى.. وتَرِكة الأوقاف الثقيلة
أثلَجَ اختيارُ الدكتور أسامة الأزهرى وزيرًا للأوقاف صدورَ ملايين المصريين، كذلك العرب والمسلمون فى شتى أرجاء المعمورة. فقد جاء نبأُ تولّى هذا العالِمِ الموسوعيِّ مسئوليةَ وزارة الأوقاف بمثابة الفَجر الجديد الذى انبلَجَ على الأوقاف.
وأسبابُ الفرحة العارمة التى استُقبل بها نبأ تولى الدكتور أسامة الأزهرى وزارةَ الأوقاف كثيرةٌ؛ بيد أنَّ أهمَّها يكمُن فى أن «الأزهري» -بجانب علمِه الموسوعى، وتمسُّكِه بالمنهج الأزهرى الوسطى، وفصاحتِه، ومواقفِه الواضحة والصريحة ضد جماعات التطرف والإرهاب، وإخلاصه فى خدمة الوطن- تلميذُ الفقيه العلامة الدكتور على جمعة، عضو هيئة كبار علماء الأزهر، ومفتى الديار المصرية السابق، وهذا أمرٌ مُطمئنٌ ومبشِّرٌ بأننا سنرى مبادئ المدرسة «العلية الأزهرية» ومناهجها تُطبَّق فى وزارة الأوقاف.
والبُشرى والفرح بتولى الدكتور أسامة الأزهرى، حقيبة الأوقاف، لا يعنيان أن طريقه فى هذه الوزارة مفروشةٌ بالورود؛ فالجميع يعلم أن «الأزهرى» ورث تركةً ثقيلة، وتنتظره ملفات شائكة، وآلاف المظالم المتراكمة التى يأمل أصحابها من الأئمة والعمال أن يرفعها عنهم.
والملف الأكثر خطورة الذى ينتظر تحركًا عاجلًا من الدكتور أسامة الأزهرى، هو سيطرة عناصر جماعات التيار السلفى على أكثرية المساجد فى المناطق الشعبية بالقاهرة والجيزة، إضافة إلى قرى محافظات مصر ونجوعها. وهؤلاء يعملون بمعزل عن خطةِ وزارة الأوقاف، ناهيك بالمفاهيم المغلوطة والمتشدّدة التى يُسمِّمون بها عقول رواد بيوت الله.
وهناك أيضًا ملف الاهتمام بالتكوين العلمى للأئمة والخطباء، وإعادة تشكيل وجدانهم وتصحيح المفاهيم لديهم، وتسليحهم بالمنهج الأزهرى الوسطى الصحيح البعيد عن الإفراط أو التفريط، وجعلهم كوادرَ قادرة على تجديد الفكر الإسلامى، والرد على الأسئلة الوجودية التى تدور فى أذهان الأجيال الناشئة، وكذا الرد على الشبهات التى يروجها البعض ضد الإسلام، وتفكيك الفكر المتطرف ومن ثَمَّ مجابهته وتحصين العقول.
والتكوين العلمى للأئمة والخطباء، هو جانب من برنامج تأهيل كوادر دعوية يصبحون صمام أمان الوزارة فى الحاضر والمستقبل، ويمثلون الضمانة التى تحول دون تغوُّلِ مُعتنقى الفكر الإخوانى والسلفى فى المجال الدعوى.
كما ينتظر كثيرون من الدكتور أسامة الأزهرى إعادة مستشفى الدعاة بمصر الجديدة إلى سابق مجده الذى كان تُقدم فيه خدمات صحية متكاملة على أعلى مستوى للأئمة والخطباء والعمال وجميع المنتسبين إلى وزارة الأوقاف طوال 15 عامًا، هى مدة تولى العلامة والفيلسوف الراحل الدكتور محمود حمدى زقزوق مسئولية وزارة الأوقاف.
وأمام وزير الأوقاف الجديد مهمتان لا تقلان أهمية عما سبق: الأولى هى الحفاظ على أراضى وممتلكات الوقف، وإعادة المُهدر والمُبدد منها. والثانية تتمثل فى تصحيح مهام عمل المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، بما يُتيح تشكيل لجان علمية تواصل مهمة تأليف الموسوعات الإسلامية التى تخدم الأمة، وتنقح كتب التراث وتعيد طباعتها، وتجدد الخطاب الدينى وَفق قواعد علمية تُعلى من قيمة التراث وتُقدره دون أن تقدسه أو ترفعه إلى مرتبة القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة.
كل ما سبق بعض المهام الوطنية والدينية الجليلة التى تنتظر الدكتور أسامة الأزهرى، وعهدنا بالرجل أنه أهلٌ لأداء الأمانة، خاصة أنه بدأ ولايته فى وزارة الأوقاف، بطرح مبادرة غاية فى الأهمية، تتمثل فى دعوته إلى توحيد أفرع المؤسسة الدينية (وزارة الأوقاف، ودار الإفتاء، ومشيخة الطرق الصوفية، ونقابة السادة الأشراف) تحت مظلة الأزهر الشريف، وهى مبادرة حال تحققها على أرض الواقع فإنها تُبشر بأن ملامح تجديد حقيقى تظهر فى الأفق.