ليست فرقة غناء هواة بل مشروع حياة وراءه فنان مغامر
المايسترو حسام سمير: أحلم بـ «أهل المغنى» فى كل مدينة مصرية

أمل فوزى
كانت الصدفة الرائعة وحدها سببًا للتعرف على أحد أهم «مبهجات الحياة» وصناعها أيضًا..
«أهل المغنى» ليست فرقة موسيقية أو «كورال غنائى» عمره 15 عامًا، بل هو مشروع حياة ورحلة أشخاص جمعتهم فكرة، الفكرة كانت مجنونة وغير معتادة فى وقتها، الفكرة ارتوت بحلم وعمل وشغف وحب وإصرار على تحقيقها ثم استمراريتها، فرقة موسيقية تجمع أكثر من 35 شخصًا، كل منهم له قصة إنسانية رائعة ووراء هؤلاء جميعًا قائد، فنان ومحب للفن وللهوية وللتراث وللغناء والأهم أنه محب للحياة والإنسانية، المايسترو حسام سمير صاحب الفكرة الملهمة والتجربة التى أثبتت صدق نجاحها فأصبحت مشروع حياته.

قد يتوقع البعض أن رحلة أهل المغنى بدأت من مصر ولكنها كانت فى سالزبورج -المدينة النمساوية الرائعة عام 2006، حيث أقام الفنان حسام سمير حفلًا كبيرًا يعزف فيه على العود وقد انبهر الجمهور هناك لدرجة أنه قد تمت دعوته مجددًا فى عام 2007، واحتفلت به الإذاعة النمساوية كرد فعل على انبهار الجمهور الألمانى والنمساوى بروائع ما قدمه الفنان من موسيقى عربية مثل الأطلال، واسأل روحك، والموسيقى التراثية المميزة.
وبعد عودته بدأ حفلاته مع ساقية الصاوى 2007 بالعود فقط ومعه الإيقاع، وكان وقتها يقوم بطبع كلمات الأغانى التى يعزفها، فكان الجمهور يتفاعل بالغناء معه، وكان يطلب أن تظل أنوار القاعة مضاءة، فكان التفاعل بين الجمهور الذى يقرأ كلمات الأغانى مطبوعة أو ممن يحفظونها عن ظهر قلب.. كل هذه الأجواء صنعت شخصية ومذاقًا لحفلات حسام سمير بجمهورها وأجوائها.
لقد ظلت هذه الروح التى بدأ بها هى سر النجاح والتألق وازدهار الأفكار، حيث أنشأ بعدها كورال الأطفال، وكان هدفه هو أن يكبر وينمو الحس الفنى للطفل على تذوق النغم الحقيقى والتراث الغنائى الذى يشكل جزءًا لا يتجزأ من هوية هؤلاء الأطفال. كان أجداد هؤلاء الأطفال هم الذين يرافقونهم إلى التدريبات، وكان يلاحظ المايسترو انسجامهم وتفاعلهم مع بروفات أحفادهم، وجاءته فكرة تكوين كورال بالأجداد والجدات.

الفكرة أصبحت واقعًا وحفلة راهن بها المايسترو فأقامها يوم 5 يونيو 2009 الساعة الثانية ظهرًا، وكان النجاح الرائع والمميز لهذا الحفل ولهذا الكورال الذى دام عمره أكثر من سنتين فى الساقية ثم توقف بسبب الثورة – لكنه كان وقتها فى ميدان التحرير يغنى ويبدع الأغانى الوطنية وأغانى الشيخ إمام.
ولأن الأحلام الحقيقية لا تموت، فلم يسمح المايسترو حسام سمير بانطفاء أو إجهاض هذا المشروع، بل أحياه وأحيا معه مكتبة مصر الجديدة وأقام بها مسرحًا يسمح بأن يتسع لفرقة موسيقية وكورال، وقد فعلها وكانت مرحلة استكمال أهل المغنى التى بلغ عمرها 15 عامًا.
أهم معايير اختيار أعضاء كورال أهل المغنى – كما يقول الفنان حسام سمير - هو أن يكون لديهم الحد المناسب من الالتزام والتفرغ أثناء البروفات والرغبة الحقيقية فى أن يكون جزءًا من هذا الكيان حتى وإن كانت خامة الصوت لا تزيد عن 40 % لأنه قادر على تطوير الأصوات وتدريبها.
وها هم «أهل المغنى» الذين يغنون روائع التراث والفن بأصوات جميلة وحس عال وأداء تلقائى وبسيط، هم نخبة من أفراد من خلفيات مهنية مختلفة سواء أكاديمية أو علمية، بنكية، أمم متحدة، عمل خاص، شركات كبرى، كل منهم نجم فى مجاله، ليسوا فنانين محترفين ولا دارسين للموسيقى.. لكنهم اجتمعوا على عشق وحب الأغانى والموسيقى والتراث. أهل المغنى لا يغنون فحسب بل يصنعون «موود» ومزاجًا ومذاقًا شديد الخصوصية بروحهم التلقائية، وبتدريب المايسترو الذى لديه ملكة رائعة فى قراءة «قاعة الحفل» وطاقة الجمهور، ولهذا فإن جزءًا من نجاح تلك الحفلات الرائعة هى ذكاء ترتيب البرنامج وتنسيقه وعرض الكوكتيلات «المزج» بين الأغنيات التراثية المتنوعة. كل هذه العوامل لم تصنع فرقة غنائية ناجحة فحسب، بل صنعت عائلة ومجتمعًا يضم أهل المغنى كأصدقاء وأحباء وشركاء يسافرون معًا، ويتشاركون فى مناسبات كثيرة خارج سياق فرقتهم.
فرقة أهل المغنى ليست فرقة مصرية مستقلة فحسب، بل فرقة تكبر وتثبت أن الأحلام يمكن أن تخترق حدود الأوطان.. وكانت المفاجأة عندما حضرت لهم حفلًا رائعًا بمناسبة العيد الخامس عشر لميلاد أهل المغنى، وهى حضور الفرقة الغنائية التركية التى تم التعاون معها منذ سنوات للاحتفال مع فرقة أهل المغنى بعيد ميلادها.

وكانت بداية التعاون بين أهل المغنى والفرقة التركية هى باتصال من قائد الكورال التركى للمايسترو حسام سمير يطلب الالتقاء به بعد أن قدم حفلات عديدة فى تركيا وذاع صيته بما يقدمه من موشحات عربية وأغانى تراِثية.
ما أروع جسور الثقافة والفن التى تقرب المسافات فتستمتع بحفل يغنى فيه الكورال المصرى أغان تركية ويغنى الكورال التركى موشحات عربية وأغانى مصرية.. هذا ما يصنعه الشغف بالفن وبأصالته.
هذا ما جعل المايسترو حسام سمير يستمتع بما ينجزه، فعلى مدار 30 سنة و450 حفلاً فاز بمكاسب عظيمة أهمها الأثر الذى تركه فى جمهوره الذى تزداد قاعدته وتتوسع يومًا بعد يوم.
لا يزال مايسترو أهل المغنى حسام سمير يعمل بروح المغامر فى كل حفل يحييه هو وكوراله متحملاً العبء النفسى والعصبى لإدارة الحفل بكل تفاصيله والإعداد له بداية من القاعة والموسيقيين المحترفين.. ما زال يذهب قبل الحفل بأربع ساعات ليطمئن على كل شىء يقوم حتى بتلميع كراسى الموسيقيين.
كان السؤال البديهى الذى يطرح نفسه: لم اخترت هذا الاختيار وهو الأصعب؟
وكانت أيضًا إجابته التلقائية البسيطة: «لأنى بحب اللى بأعمله ومصدق فيه».
ويكمل قائلًا: عندى يقين بأنه سيأتى يومًا ويفهم فيه الأطفال والشباب معنى الهوية من خلال الفن وإحياء التراث، ولو نجحت فى أن يكون من جمهورنا شاب 17 سنة من بين ألف شاب.. فنحن الفائزون.
أجمل ما فى أهل المغنى هو أننى أمتلك البراح فى الرؤية وفيما أقدمه، وكيف يمتزج اللون الدينى مع الوطنى مع المذاق «السواحلى»، كيف نشعر الجمهور بالنوستالجيا، كيف يستقبل الجمهور فى تركيا أن ينشد أحد مطربيهم أغنية «لا إله الا الله»، وكيف يغنى كورال أهل المغنى نشيد الفداء والترانيم أثناء الاعتداء الغاشم على كنيسة القديسين.
محطات كثيرة فى رحلة المايسترو حسام سمير، ولكن كان دائمًا العامل المشترك هو الوصول إلى الناس سواء بإحياء النوستالجيا أو بمخاطبتهم بما لا يعرفون، فعندما طلب منه اللواء مصطفى السيد محافظ أسوان الأسبق أن يحيى العيد الوطنى لأسوان، قدم المايسترو أوبريت «المكن» الذى ألفه العظيم سيد مكاوى خصيصاً لأهل أسوان.
أسس أيضاً «كورال» فى الإسكندرية فى مركز الإبداع .. وكان الحلم الكبير هو تأسيس كورال وطنى بمعنى أن ينشئ كورالًا فى كل محافظة من محافظات مصر، وتتحد هذه «الكورالات» فى حفل كبير فى استاد القاهرة وتصبح الفرق المستقلة مظلة تتسع للعديد من المصريين سواء بالغناء أو بالاستماع إلى هذا الغناء الأصيل الذى يرسى ويؤكد على الهوية بالفن والثقافة.
ومن أروع المحطات التى توقفت عندها مع الفنان حسام سمير هى «جولدن ييرز» أو السنوات الذهبية.. من هم أصحاب هذه السنوات الذهبية؟
Golden years
هى مؤسسة أهلية أسستها السيدة الشابة دينا حشيش تضم 50 ألف عضو بهدف نشر التوعية لكل ما يتعلق بكبار السن، وبهدف تمكين كبار السن لاكتشاف جوانب أخرى من الحياة تجعلهم أكثر سعادة ورضا واستقلالية بحياتهم.
منذ عامين أى فى عام 2022 تواصلوا مع المايسترو حسام سمير ليقدم أمسية محدودة يعزف فيها بالعود لحوالى 12 فردًا من أعضاء (جولدن ييرز) .. هكذا بدأت الفكرة «قعدة ترفيهية» هو يعزف ويشجعهم على الغناء، كانوا يخجلون ويمتنعون.. والمفاجأة كانت بعد ستة أشهر وهى أن المايسترو حسام سمير يقود كورالاً من أعضاء جولدن ييرز الذين يتجاوز أعمارهم السبعين والستين عامًا.. وكبر الفريق وكبرت معه الأحلام والإنجازات.. لم يعد كورالاً يغنون فيه، ولكنه أصبح حالة استشفاء وتعافى للأعضاء الرائعين الذين استعادوا ثقتهم بأنفسهم وتحفيز أكبر لطاقتهم وأصبحت حفلاتهم تشهد ازدحامًا وإعجابًا.. هذا هو فكر ورؤية الفنان حسام سمير الذى يصنع من بذور الأفكار مشروعات فنية وإنسانية ملهمة وحقيقية وباقية.
ما أروعها تلك الحفلات التى تعيد لأصحابها بهجة الحياة وتعيد لمن يحضرها طاقة الأمل.
تعمقت العلاقات الإنسانية بين أهل المغنى وبين (جولدن ييرز) وكان الصانع لذلك هو حسام سمير الذى لا يتردد لحظة فى أن يبحث عن الشيء الأصيل ليزهره ويكون جزءًا منه.
كنت سعيدة الحظ بحضور حفلة أخرى وهى «خماسى السلطنة» وهى الفرقة المحترفة التى تضم خمسة عازفين بقيادة المايسترو، ويقدمون نخبة من أروع الأغانى التراثية الأصيلة التى يكون فيها الجمهور شريكًا فاعلًا بالغناء والاندماج مع الفرقة الموسيقية. وكانت مفاجأة إحدى هذه الحفلات هى وجود الدكتور عبد الحميد يحيى صاحب الـ77 عامًا ومن لا يعرف هذا الرجل فهو رجل أكاديمى، أستاذ الإدارة وخبير التدريب وتنمية الموارد البشرية، موهوب بالفطرة ونشأ فى عائلة فنية وعاصر عظماء المطربين لكنه لم يعمل بالفن أبداً لكنه يغنى كهواية، فعلى حد قوله من لا هواية له، لا هوية له.
كانت حفلة خماسى السلطنة باستضافة المايسترو للدكتور عبد الحميد يحيى الذى قام بغناء روائع وكانت الأمسية مبهجة وعامرة بطاقة الحب والانسجام.
هذه هى اختيارات حسام سمير التى أهلته أن يكون نجمًا لا مشهورًا. فالنجومية هى أن تلمع فى مجالك الذى تختاره وتحبه وتقرر أن تترك فيه الأثر.. وهذا ما حققه المايسترو ولا يزال يسعى لتحقيق المزيد فيه.
مبدأه فى الحياة هو أن يظل يسعى لتقديم قيمة مضافة إلى الفن والناس وأن يكمل الطريق مهما كانت التحديات، الأخطاء، المحبطات.. وسيكون دافعه هو أن ما يقوم بفعله نابع من منطقة حب وتصديق ويقين.
وكما يقول: علمتنى الحياة أن الأحلام تتحقق بأن ينشغل الإنسان بنفسه وبمشروع حياته ولا ينشغل بالصغائر.
وما زالت أحلام المايسترو حسام سمير وأهل المغنى مستمرة.