مصر تستعد لافتتاح أكبر متحف فى العالم و50 % من آثارها النادرة تعرض لأول مرة
الهرم الرابع

تابعت التفاصيل: بسمة مصطفى عمر
تعمل الدولة على قدم وساق لبناء الهرم المصرى الرابع، وهو المتحف المصرى الكبير، ليدخل ضمن عجائب الدنيا مع أهرامات الجيزة.
هذا الصرح الأثرى العظيم، سوف يضم مئات الآلاف من المومياوات، والقطع الأثرية المتنوعة من العصور القديمة الفرعونية، والرومانية، واليونانية، ويتم إعداده وتجهيزه بمقاييس ومواصفات عالمية، وبتكنولوجيا رقمية فائقة الجودة والتقنية، بهدف الحفاظ على عبق التاريخ والتراث المصرى، الذى يمتد لأكثر من 7 آلاف سنة، ويسجل حياة المصرى القديم لحظة بلحظة، ويطلعنا على عاداته وطقوسه ومعتقداته فى كل الأسر قبل الميلاد وبعده، راصدا لحياة الملوك والأمراء وعامة الشعب على السواء، ودور المرأة والرجل فى صناعة الحضارة المصرية.

وعلى مساحه 500 ألف متر مربع، تم بناء هذا المتحف بشكل هندسى يختلف عن باقى المتاحف فى مصر، ليكون قبلة للعالم للاطلاع على الحضارة المصرية وتراثها، وآثارها، وتاريخها، عارضا المعلومات الكاملة عن جميع القطع الأثرية الموجودة، وبطرق غير تقليدية، ارتكزت فيها وزارة السياحة والآثار على التكنولوجيا المتقدمة فائقة الدقة.
اعتمد تصميم المتحف المصرى الكبير، على أن تمثل أشعة الشمس الممتدة من قمم الأهرامات الثلاثة عند التقائها كتلة مخروطية هى المتحف المصرى الكبير، حيث يقع عند هضبة الأهرام، تحديدا فى الكيلو 5 على طريق القاهرة-الإسكندرية الصحراوى، أى على بعد 15 كيلو مترًا جنوب غرب القاهرة بالقرب من أهرامات الجيزة، ولذلك تم تصميم الواجهة على شكل التقسيم اللانهائى للمثلث، فهى عبارة عن مثلثات تنقسم إلى مثلثات أصغر منها فى إطار رمزى للأهرامات.
وصمم هذا الشعار بالتخطيط الأفقى للمتحف، حيث تنفرج جوانبه لتطل على الأهرامات، ويأخذ اللون البرتقالى الذى يعكس ألوان تضفيها الشمس على هضبة الأهرام وقت غروبها، وكتب اسم المتحف بخط عربى انسيابى ليعكس نمط البيئة المحيطة من كثبان وتلال رملية.

ومن المقرر أن يضم المتحف أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، من مختلف العصور الفرعونية، واليونانية، والرومانية، ليصبح أكبر متحف فى العالم للآثار، ويشغل مساحة تقدر بـ 117 فدانا، بحيث يستوعب 5 ملايين زائر سنويا، ويتيح لهم فرصة مشاهدة صروح الأهرامات، والمنطقة الأثرية عبر واجهاته الزجاجية، مما يعطى لقطاع السياحة فى مصر طابعًا خاصًا، ويعتبر صرحًَا حضاريًا، وثقافيًا، وترفيهيًا عالميًا، والوِجهة الأولى للمهتمين بالتراث المصرى القديم، حيث سيكون أكبر متحف فى العالم يروى قصة تاريخ الحضارة المصرية.
ويستقبل «الدرج العظيم» حاليا الزوار، وهو البهو الرئيسى للمتحف والذى يشتمل على قطع أثرية منها تمثال الملك «رمسيس الثانى» والذى يصل وزنة إلى 83 طنًا، وتمثال الملك «مرنبتاح»، وتمثالان للملك «سنوسرت» وتمثال كبير للملك «أمنحتب الثالث»، ورأس «بسماتيك الأول»، وعمود النصر من العصر البطلمى، وتمثال الإله حورس المصنوع من الجرانيت الوردى والذى يزن حوالى 4 أطنان، وعدد من قطع الفخار، ومجموعة من التوابيت.
كما يستقبل المتحف عددًا محدودًا من الجولات الإرشادية بمنطقة المسلة المعلقة، والبهو الزجاجى، ومنطقة الخدمات مثل الحدائق، والمنطقة التجارية، بينما يتمكن الزوار من خلال استخدام أحدث أجهزة العرض الرقمية، خوض رحلة يستطيعون خلالها رؤية أنفسهم داخل حياة الملك الذهبى «توت عنخ آمون»، وذلك من خلال قاعة العرض التفاعلى.
بينما تقع مبانى المتحف على مساحة 500 ألف متر مربع، من ضمنها 45 ألفا للعرض المتحفى، وهى القاعات الرئيسية والتى تعتبر الواحدة منها أكبر من العديد من المتاحف الحالية فى مصر والعالم، حيث تحوى عددًا كبيرًا من القطع الأثرية المميزة والفريدة، من بينها كنوز الملك الذهبى توت عنخ آمون والتى تعرض كاملة لأول مرة متضمنة القناع الذهبى، وكذلك مجموعة الملكة «حتب حرس» أم الملك خوفو، ومتحف مراكب الملك خوفو، وقاعة العرض التفاعلى، فضلا عن المقتنيات الأثرية المختلفة منذ عصر ما قبل الأسرات وحتى العصرين اليونانى والرومانى.

وخصصت المساحة المتبقية، لأماكن خاصة بالأنشطة الثقافية والفعاليات مثل متحف الطفل، ومتحف تعليمى للدارسين والعلماء، ومكتبة متخصصة فى علم المصريات، ومركز للمؤتمرات وآخر للأبحاث، وسينما ثلاثية الأبعاد، ومعامل للترميم، ومركز الاجتماعات والمسرح، ومتحف ذوى الاحتياجات الخاصة، ومركز الوسائط المتعددة، ومركز الحرف والفنون التقليدية، والحديقة المتحفية.
وتشتمل المنطقة الترفيهية، والاستثمارية، على العديد من الأماكن التجارية المخصصة لخدمة الزائرين والتى تشمل محال بيع المستنسخات الأثرية والهدايا والتى تعمل على إعادة إحياء الحرف والفنون التراثية المصرية، وكذلك المطاعم، بالإضافة إلى مواقف انتظار السيارات، والحدائق والمتنزهات.
ويقع مركز الترميم تحت مستوى سطح الأرض بـ10 أمتار تقريبا، على مساحة 32 ألف متر، وتم ربطه بالمتحف عبر نفق طوله يقترب من 300 متر، ليتم من خلاله نقل الآثار بشكل آمن، ويضم مركز الترميم 19 معملا مختلفا لترميم مختلف أنواع الآثار، ومنها معمل «الخزف والزجاج والمعادن»، ويختص بترميم الأوانى، لترميم القطع الأثرية الخشبية مثل التوابيت، والتماثيل بأنواعها، ومعمل الأخشاب، والأثاث الجنائزى، والنماذج الخشبية، والمراكب، والنواويس «دواليب حفظ الآلهة».

وهناك أيضا معمل «الأحجار»، الخاص بالقطع الأثرية الحجرية الكبيرة، ومعمل «الميكروبيولوجي»، الخاص بتحديد أنواع الكائنات الحية المسببة لتلف الآثار، وتحضير المواد الكيميائية اللازمة لوقف نمو هذه الكائنات، أما عن معمل «الميكروسكوب الإلكترونى الماسح»، فهو خاص بوسائل تجهيز العينات، والمكونات الكيميائية، قبل إرسالها لمعمل الميكروبيولوجى، وصولاً إلى معمل «المومياوات» وهو خاص بترميم المومياوات من الطيور خاصة «الإله حورس» أحد أهم المعبودات الفرعونية.
تعاون مصرى-يابانى
ويعتبر «المتحف الجديد» أحد أهم رموز التعاون بين مصر واليابان، حيث قدمت إحدى الشركات اليابانية الدعم المالى، بقيمة إجمالية وصلت 800 مليون دولار، بالإضافة إلى المساهمات المحلية والدولية البالغة 150 مليون دولار، فى حين بلغ التمويل الذاتى 100 مليون دولار، لإنشاء المبنى الرئيسى الذى يشتمل على قاعات العرض، والبنية الأساسية للمعلومات وتكنولوجيا الاتصالات.
ويشمل التعاون المصرى اليابانى الجانب الفنى، لدعم مركز الترميم التابع للمتحف الكبير، ونقل الخبرات اليابانية لإدارته وتشغيله، بالإضافة إلى عمليات التنقيب والترميم والقياس الضوئى لمراكب «خوفو» المعروفة بمراكب «الشمس»، وكذلك تنمية الموارد البشرية العاملة بقطاع ترميم الآثار فى مصر والتى يعقبها التوسع فى نقل الخبرات المصرية لدول الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا.

ويتم نقل القطع الأثرية على مراحل من المتحف المصرى بالتحرير، والأقصر، ومختلف أنحاء الجمهورية إلى مركز الترميم التابع للمتحف الكبير والذى يعتبر ركيزة أساسية فى خطة إطلاق مركز عالمى للبحوث النظرية والعملية، المتقدمة فى علوم المصريات والآثار، كما سيتم وضع جميع المعلومات الخاصة بالقطع الأثرية داخل المتحف، بـ 3 لغات وهى «العربية، والإنجليزية، والهيروغليفية».
انطلقت المحطة الأولى للتعاون المصرى اليابانى فى مشروع المتحف الكبير وهى «الإعداد» بين يونيو 2008 إلى يونيو 2011، وتم التركيز خلالها على دعم تطوير قاعدة البيانات الأثرية، واستحداث نظام مناسب، وتحديد الإجراءات لإعداد قاعدة البيانات، لتصبح أكثر دقة واستيضاحا عن كل قطعة أثرية، كما تم رفع كفاءة قدرات العاملين فى مجال الترميم من خلال ورش العمل، للتدريب على أساليب وتقنيات الترميم، وحفظ الآثار فى مصر واليابان، وذلك بالتعاون مع معهد البحوث القومى للتراث الثقافى فى طوكيو.

وكانت المحطة الثانية «التدريب»، بين يوليو 2011 ومارس 2016، حيث أوفدت اليابان خبراء، نظموا أكثر من 100 برنامج تدريبى، لحوالى 2250 مشاركًا على مدار المشروع، لتعزيز خبراتهم ومهاراتهم فى مجال حفظ وترميم الآثار، حيث تعتبر برامج أكثر شمولية وتخصصية، ليصبح مركز الترميم رائدا وفقا للمعايير العالمية والأبحاث الخاصة بحفظ الآثار.
وتستمر المحطة الثالثة التى انطلقت فى نوفمبر 2016 حتى الآن، ويتم خلالها الترميم المصرى اليابانى المشترك، لحفظ وترميم وتغليف ونقل القطع الأثرية والتى تضم آثاراً صنعت بخدمات مختلفة، مثل الخشب، والمنسوجات، واللوحات الجدارية، والحجارة، إلى جانب المقتنيات الشخصية للملك توت عنخ آمون، كالسترات والقفازات والجوارب والملابس، وسريره الذهبى، والمركبات الحربية.
ومن المخطط تخصيص المنطقة الواقعة بين المتحف والأهرامات، لتصبح ممشى سياحيًا ثقافيًا، لربط المتحف بهضبة الهرم، ونقل الزائرين عن طريق سيارات أو مترجلين، ومن المقرر تنفيذها خلال المرحلة الأخيرة من إنشاء المتحف، بالإضافة إلى إنشاء 20 محلاً تجاريًا، و8 مطاعم فى المنطقة الاستثمارية، وفندق يسع 30 غرفة، يقع بعيدا عن الجزء المتحفى والآثار.
سيناريو العرض
اشتملت الدراسات الهندسية والفنية، على تحضير وبحث العناصر والمكونات اللازمة لإعداد التصميم المبدئى فى جميع التخصصات الهندسية المطلوبة، وبدأت أعمال البناء والتشييد فى مايو 2005، مع استمرار التصميم التفصيلى الذى يجمع بين جميع التخصصات، واختبارات الجودة على المواد حتى عام 2008، بالتوازى مع بناء مركز ترميم الآثار، ومحطات الطاقة الكهربائية، والحريق، ومبنى الأمن، والمخازن الأثرية، وتم تمويل المرحلة الأولى بتكلفة 43 مليون دولار، من خلال الجهة المصرية ممثلة فى صندوق تمويل الآثار، بالمجلس الأعلى للآثار.
وطبقا لسيناريو العرض المتحفى، يشتمل المبنى الرئيسى على 12 قاعة عرض، مزودة بأحدث التقنيات الصوتية والضوئية، والقطع الأثرية التى نقل بعضها من الأقصر، ومن أبرزها العربات الحربية، والأسِرة الجنائزية، وكنوز الملك توت عنخ آمون.
ويبلغ طول «الدرج العظيم» حوالى 25 مترا، وينقسم إلى 4 أجزاء رئيسية وهى، الهيئة الملكية، والدور المقدسة «أماكن العبادة»، «الملك وعلاقته بالمعبودات»، والرحلة إلى الحياة الأبدية «رحلة إلى العالم الآخر»، وينتهى بمشهد بانورامى تظهر فيه أهرامات الجيزة، ثم ميدان المسلة، وهى أول مسلة فرعونية معلقة فى العالم، أما عن حائط الأهرامات فيمتد عرضه إلى 600 متر، وينتهى إلى تمثال «رمسيس الثاني»، وهناك الحديقة المتحفية والتى تعرف بـ «حديقة أرض مصر»، حيث تزرع بها مختلف أنواع الأشجار التى كان يحتفى بها المصريون القدماء، فى حين تقع المنطقة الترفيهية على مساحة 25 فدانا.
وأشار الدكتور عيسى زيدان، المدير التنفيذى للترميم ونقل الآثار بالمتحف المصرى الكبير، إلى إدراج إحدى المجلات العالمية، للمتحف الكبير، ضمن أهم 7 مقاصد سياحية فى العالم خلال عام 2024، مما يعكس أهمية حركة السياحة فى مصر، حيث يعد المتحف تحفة معمارية، وأكبر مؤسسة ثقافية حضارية تهديها مصر للعالم، لانفراده بالعديد من القطع الأثرية الفريدة والتى ليس لها مثيل فى المتاحف العالمية، مثل متحف «مراكب الملك خوفو»، والتى تعد أكبر المتاحف النوعية عالميا، إلى جانب العديد من الإبداعات المصرية الخالصة، ومنها برامج المحاكاة والتى تحكى تاريخ مصر القديمة، مثل الإله حابى الذى يقف على رأس نهر النيل، ليحمى النهر مما يرسخ عظمة الحضارة المصرية، وفكرة حماية الحق المصرى والتاريخى فى نهر النيل منذ عصور القدماء.
ترسيخ الهوية المصرية
وتحدث الدكتور طارق توفيق، المشرف السابق على مشروع المتحف المصرى الكبير، عن قاعات العرض التفاعلى المخصصة للأطفال والتى لا تحتوى على قطع آثار حقيقية، ولكن بها نماذج ومحطات تفاعلية، وقال إنها تتميز بوسائل العرض التكنولوجية المختلفة والتى تتوافق مع المناهج الدراسية المصرية، مما يساعد فى توفير وتقديم المعلومات الدراسية للطلاب بطريقة تفاعلية ومشوقة، وتعدهم لزيارة المتحف، لمعرفة وفهم الكثير من التفاصيل الأخرى المختلفة الموجودة بداخله.
وقال إن هذه الطريقة المختلفة فى التدريس، تساعد بشكل عملى فى ترسيخ المعلومات التاريخية لدى الطلاب والأطفال بصفة عامة، وفى نفس الوقت، تكسبهم مهارات مختلفة عن طريق النماذج، والألعاب، وتفاصيل عن الحياة والقيم فى مصر القديمة، مما تجعلها تجربة ممتعة بالنسبة للطلاب فى الدراسة، كما تطلعهم على بعض مبادئ اللغة المصرية القديمة «الهيروغليفية»، وتفاصيل عن الملوك، والمعبودات، والتحنيط، والعلوم فى مصر القديمة.

وأكد على أن ضمن أهداف المتحف، ربط الشباب المصرى بتاريخهم والذى يعتبر جزءا أساسيا من الهوية المصرية المتفردة، مؤكدا على أن الإلمام بتفاصيل المتحف لا تكفيها زيارة واحدة، فهى تجربة مشوقة للتعرف على كل قاعات العرض، وكل قطعة أثرية فيها.
وإلى جانب التراث والثقافة، هناك أيضا الأماكن الترفيهية التى تدفع الأسر لتنظيم رحلات مع أبنائهم للاستمتاع، فهو يتناسب مع جميع الـمراحل العمرية، مؤكدا أن المتحف الكبير، وقبل أن يكون قبلة للسائحين الأجانب، فهو فى المقام الأول هدفًا للمصريين، من أجل ترسيخ الهوية المصرية.
وأشار إلى أن الآثار الموجودة فى المتحف المصرى الكبير، تم نقلها من كل الأقاليم المصرية، حيث تتواصل الحفائر والاكتشافات فى كل مكان وبشكل مستمر، بينها 25 ألف قطعة أثرية يمتد عمرها لأكثر من 5 آلاف عام، سوف تكون موجودة فى افتتاح المتحف، منها 50 % لم يتم عرضها من قبل، وهى التى كانت موجودة بالمخازن، وهذا يحدث لأول مرة على مستوى العالم.
ولفت إلى افتتاح «الدرج العظيم»، الذى يشتمل على 60 قطعة أثرية ضخمة، ما بين 30 قطعة ملكية، وأخرى معمارية للمعابد المصرية القديمة، وتماثيل تجمع بين ملوك ومعبودات مصر القديمة، وقطع تعبر عن السعى إلى الأبدية، مثل التوابيت، واللوحات الجنائزية، وتم وضعها واحدة تلو الأخرى على بهو الدرج العظيم، لينتهى بواجهة زجاجية يصل ارتفاعها لأكثر من 20 مترا، تطل على أهرامات الجيزة، وبها القطع الأثرية المرتبطة بالأمل والحياة ما بعد الموت، والسعى إلى العالم الآخر وهى «التوابيت»، حيث تعتبر منطقة الجيزة «جبانة» الملوك، التى تُعرِّف الزائر بفكرة مقابر ملوك الأسرة الرابعة.