د.ريهام عرام
الأفروسنتريك..والهوية المصرية (2)
ولعل من أفضل أساليب مواجهة الفكر بالفكر، التعرف بعمق على الأيديولوجية الناشئة للأفروسنتريك والتى تدعى أن ملوك مصر القديمة كانوا من أصحاب البشرة السوداء بحكم كونهم أفارقة وحيث أنه لا يوجد سند لديهم على ما يقولون.
فقد استندوا لوجود أسرة واحدة حكمت مصر وكانت ذات أصول إفريقية سوداء من بلاد «كوش» أو النوبة السفلى حاليا حوالى القرن السادس قبل الميلاد وهى الأسرة الخامسة وعشرين، أى بعد انقضاء أربع وعشرون أسرة من أصل ثلاثون أسرة مصرية حكمت مصر منذ القرن الثانى والثلاثون قبل الميلاد وحتى منتصف القرن السادس قبل الميلاد أى بعد انتهاء أمجاد كبار ملوك مصر القديمة بدءا من مينا ومرورا بزوسر وخوفو وخفرع ومنقرع من الدولة القديمة ومنتوحتب وامنمحات من الدولة الوسطى وأحمس واخناتون والرعامسة من الدولة الحديثة.
أسرة واحدة جاءت فى نهاية الحكم المصرى القديم وفى فترة الاضمحلال الأخير وضعف القوى المصرية استطاعت أن تنفذ إلى جنوب مصر وتستولى على الحكم قبل أن يقوم بسماتيك الأول مؤسس الاسرة السادسة والعشرين بطردهم من مصر أشر طرده.
فأين كانت إنجازات هؤلاء الملوك الأفارقة على أرض مصر طيلة القرون السبع وعشرين التى سبقت دخولهم مصر (هذا اذا بدأنا الإحصاء من تاريخ الأسرات ولكن تاريخ مصر فعليا مثبت منذ عصور ما قبل التاريخ ويمتد لما يقرب من عشرة الاف عام قبل الميلاد وفقا لما هو مكتشف وموثق بمصر وخارجها وفى المتحف البريطانى على سبيل المثال).
فأين كانت إنجازاتهم الفريدة على أرض مصر العظيمة طيلة هذه القرون، بل وأين انجازاتهم على أرض مصر خلال حكم أسرتهم الخامسة والعشرين؟ يجدر بالذكر أن الحضارة المصرية هى التى أثرت فى ملوك هذه الأسرة حيث تقربوا للإله امون رع وبنوا له هياكل تحصى داخل المعابد المصرية.
أفكلما غزا مصر غاز أعد نفسه صاحب الأرض والحضارة؟ فلو سلمنا بهذا فماذا نقول فى الإغريق والرومان. أصحاب الحضارات الحقيقية لا ينسبون لأنفسهم ما لا يملكون، ولكنهم فقط فاقدى الهوية هم من يبحثون عن إنجازات غيرهم لينسبوها لهم تحسينا لصورتهم ورغبة فى زرع أنفسهم فى وطن لا يملكونه.
ولا يسعنا هنا إلا الإشارة لبعض المناظر من المعابد المصرية القديمة والتى مثل فيها هؤلاء الأفارقة تحت أقدام ملوك مصر مكبلين بالسلاسل كناية عن هزيمتهم وأسرهم بمعرفة ملوك مصر وذلك منذ أقدم العصور وحتى عصر الملك رمسيس الثانى من الاسرة الثامنة عشرة.
هذا عن الإنجازات أما عن الهوية والجنس الإفريقى الأسود الذى ينتمى إليه أصحاب الأفروسنتريك فأبدأ الحديث بما ذكره أكد عالم الأنثروبولوجى وخبير علم التشريح أرثر كيث، فى كتابه “نظرية جديدة عن التطور البشري”، الاستمرار الجينى للمصريين قائلا: «الفلاحون الذين نراهم يؤلفون جسم الأمة اليوم هم النسل المباشر لفلاحى سنة ٣٣٠٠ قبل الميلاد».
ويضيف كيث قائلا: «المصريون ليسوا فقط أمة، أقدم أمة سياسية فى التاريخ، ولكنهم أيضا جنس بكل معنى الكلمة، ولكن ليس هناك شيء اسمه النقاوة الجنسية عمومًا ومهما كان الشعب منعزلا أو معزولا سنجده مختلطا بدرجة أو بأخرى، وإن كان النمط الجنسى المصرى قد امتاز بالثبات لا شك».