حكايات 60 سنة صحافة ـ الحلقة الحادية عشرة
من مجلة الحائط إلى أهم جريدة فى العالم
منير مطاوع
أكتب هذه الحكايات والذكريات من الذاكرة واعتمادا على بعض ما أمكن جمعه من مواد وصور، وأترك لنفسى حرية التجوّل فى دوائر الذكرى دون تخطيط مسبق حتى أشعر براحة ومتعة لا تحققها عملية التوثيق الأرشيفية ولا يتحقق معها للقارئ ذلك الشعور بالمتعة والمؤانسة.
ومع أن الحكايات والومضات تتزاحم فى رأسى، ومع أن بعض الأسماء تختفى من شريط الذاكرة بفعل التقادم، وتشابك الأحداث والوقائع والشخصيات والمشاعر، فإن ما يهمنى أكثر هو جوهر كل حكاية أو ومضة أو واقعة. أول مرة أشهد فيها عملية إعداد الصفحة الأولى من جريدة يومية، وهى عملية مثيرة فى كل الأحوال، خاصة فى الأيام التى تشهد حدثا خطيرا أو وقائع مثيرة أو موقفا سياسيا جديدا، كانت ذات ليلة فى جريدة «الجمهورية» فى مقرها القديم فى شارع زكريا أحمد.
كان ذلك فى سنة 1960عندما أهدانى والدى نصف نصيبه من أرباح شركة الأسمدة التى يعمل فيها، وكان المبلغ 50 جنيها، أضيفت إليه مبالغ أخرى تطوّع بها بعض من كانوا يشاركون فى تحرير مجلة الحائط الأسبوعية التى كنت وأنا تلميذ فى المدرسة الإعدادية أحررها وأصممها وأرسمها وأكتب خطوطها، وتصدر كل أربعاء وتعلق فى لوحة ضخمة فى سوق المدينة السكنية للشركة وكان اسمها «صوت عتاقة».
وقد قرّرنا أن تتحول إلى مجلة مطبوعة تباع للعاملين فى الشركة وسكان المدينة بسعر رمزى..
وسافرت من السويس حيث أعيش إلى القاهرة لطبع مجلة «صوت عتاقة» بعد تجميع المواد والصور والزنكات، فى مطبعة مملوكة لزعيم نقابى عمالى سابق هو عبدالعزيز السيد، واسمها مطبعة «أخبار العمال».. لا أتذكر الآن للأسف، من الذى دلنا عليها، لكن سبب ارتباطنا بها يعود إلى أن صاحب المطبعة الذى رحب بنا وتعاون معنا حتى النهاية كان يمتلك رخصة جريدة «أخبار العمال» وسمح لنا بأن نصدر مجلتنا تحت اسمها، حيث لم يكن قانون المطبوعات فى ذلك الوقت يسمح بصدور جريدة أو مجلة إلا بعد الحصول على ترخيص من وزارة الداخلية، ولو دخلنا فى دوامة طلب الترخيص لمجلتنا لطال بنا وقت الانتظار.. كما شرح لنا عبدالعزيز السيد، وكان الحل العملى الذى اقترحه، ونفذناه على الفور هو أن نكتب على الغلاف بحروف صغيرة:
: «أخبار العمال» تقدم
وبعدها لافتة كبيرة وبخط خطاط:
صـوت عتاقـة
وكانت مطابع «أخبار العمال» فى شارع نجيب الريحانى، بالقرب من دار التحرير حيث تصدر جريدة «الجمهورية» فقمت بزيارتها، وتعرّفت على بعض كتابها ورئيس التحرير وقتها إسماعيل الحبروك، الذى أدهشه أن ولدا فى سنى (15 سنة) يعمل بالصحافة ويصدر مجلة!.. ورحب بى وصحبنى فى جولة فى مكاتب الجريدة لتعريفى بدورة العمل، وبعض الكتاب والصحفيين لا أذكر منهم الآن سوى سامى داوود، الذى التقيت به بعد ذلك بسنوات وعندما حان موعد تجهيز الصفحة الأولى كنت أتابع باندهاش وفخر عملية اختيار الأخبار، وترتيب مواقعها على الصفحة والمساحات التى ستحتلها والصور التى ترافقها، وعند الاستقرار على ذلك يبدأ خطاط الجريدة فى كتابة العناوين، ثم يحدث أن يصل خبر مهم، فيجد إسماعيل الحبروك ومعاونوه أنفسهم فى حاجة إلى إعادة رسم الصفحة الأولى وإعادة ترتيب الأخبار، وربما رفع أحدها ونقله إلى الصفحات الداخلية أو اختصار خبر كبير ونقل تفاصيله للداخل.. وهكذا، كنت مبهورا بما يحدث أمامى.
أول دروس الصحافة
وكانت هذه الخبرة العملية، هى أول دروس الصحافة الحقيقية، التى تلقيتها فى حياتى.. وسهرت فى الجريدة حتى تم طبعها وأهدانى إسماعيل الحبروك نسخة طلبت منه أن يضع توقيعه عليها، فلم يكتف بذلك بل كتب لى كلمة إهداء بما معناه أنه يفخر بأن يقدم «الجمهورية» لواحد من الجيل الواعد للصحافة المصرية.. واحتفظت بهذه النسخة طويلا وكان والدى أكثر سعادة بكلمات الحبروك الذى لم أكن أعرف عنه من قبل سوى أنه مؤلف بعض الأغانى الجميلة التى نستمع إليها فى الراديو ويشار إلى اسمه قبل وبعد إذاعتها.. كان أبى يعتز بهذه النسخة من «الجمهورية» ويطلع عليها كل من يعرفه.
أتذكّر الآن أن واحدا من الأسطوات مصففى الحروف فى مطبعة «أخبار العمال» وكان يصف حروف مجلتنا بالطريقة العتيقة التى اندثرت الآن، من صندوق مسطح كبير مقسّم إلى خانات عديدة تحوى كل خانة حرفا مصنوعا من النحاس، وبجانبه الحرف ذاته فى وضع مختلف كأن يكون فى بداية الكلمة أو وسطها وهكذا.
اسمه الأسطى جلال.. ومازلت أتذكر اسم الأسطى الذى كان يشجعنى على أن أقوم بنفسى بصف بعض المواد وكلام الصور وتعليقات الكاريكاتير.
وقد التقيته بعد سنوات، عندما دخلت «صباح الخير» حيث وجدت هذا الأسطى يعمل فى مطابع المؤسسة ويصف مواد «صباح الخير» وتذكّرنى وتذكّرته. وذكّرنى بصندوق الحروف وهو يطلعنى على نظام الصف الآلى الجديد الذى يصنع ألواحا مصبوبة من الرصاص هى كلمات كل سطر، يدقها الأسطى جلال على ما يشبه دسك الحروف فى الآلة الكاتبة زمان، أو الكومبيوتر الآن.
فى شارع الصحافة البريطانية
فى سنواتى الأولى فى لندن، كانت مكاتب المجلة التى شاركت فى تأسيسها «سيدتى» تقع فى «فليت ستريت» شارع الصحافة البريطانية الشهير، وأتيح لى التعرف على عدد من الصحفيين البريطانيين جيراننا فى شارع الصحافة وزرت كل الصحف التى تيسرت لى زيارتها، التلغراف والميرور والمايل.. لكننى لم أتمكن من زيارة مطبعة أى من هذه الصحف.
وشغلت نفسى لفترة طالت بأن أحصل على كل الصحف وأضعها أمامى وأدرس أساليبها المختلفة فى التعامل مع الخبر نفسه.. وطرق إخراج كل جريدة، وتبويبها، وقرأت كثيرا عن تاريخ الصحافة البريطانية وأعلامها، واتجاهاتها المتباينة ونوعية القراء الذين تتجه إليهم كل واحدة.. وكنت أتابع التقرير الأسبوعى الذى ينشر عن أرقام التوزيع فى جريدة «الجارديان» وكنت مدمنا على متابعة الملحق الإعلامى «ميديا» الذى تخصصه الجريدة كل يوم اثنين لمتابعة أحوال الصحافة والإعلام.
وتيسرت لى معلومات وفيرة ساعدتنى فيما بعد فى مناقشة وكتابة سلسلة «الصحافة فى خطر» التى نشرت هنا فى «صباح الخير».. وغيرها من المواد المتعلقة بالصحافة، ومنها حديث أجريته منذ 28 عاما مع «تونى بيرد» مؤسس مجلة عجيبة اسمها «القضية الكبرى» خاصة بالمشردين وهى المجلة الوحيدة التى ينادى عليها الباعة فى الشارع وكلهم من المشردين الذين يحصلون على نصف ثمن المجلة مقابل توزيعها بما يساعدهم على الخلاص من حال التشرد.. فكرة عظيمة!
زيارات «نيويورك تايمز»
بعد فترة طويلة من الزمن وفى سنة 1988 تيسر لى أن أتابع عملية إصدار العدد اليومى من أهم جريدة فى العالم.. «نيويورك تايمز».. كنت قد تركت لندن إلى نيويورك لأعمل فى مقر هيئة الأمم المتحدة الرئيسى مراسلا لعدد من الصحف العربية.. وفى أوقات فراغى وكانت كثيرة نسبيا، كنت أذهب كلّما تيسّر لى ذلك، إلى «نيويورك تايمز» وأشترك فى الجولة التى تنظمها لمن يرغب فى التعرّف على سير العمل فى أقسام الجريدة المختلفة حتى وقت طبع العدد اليومى الجديد، وكنت أدفع ثمانية دولارات مقابل هذه الجولة التى تستمر لنحو ساعة أو أكثر حسب الدليل الذى يصحبنا وكنا نحو سبعة أشخاص فى كل مرة، وأيضا حسب الظروف الإنتاجية للجريدة.
وطوال عدة أشهر كنت أعتبر نفسى تلميذا يدرس بطريقة عملية تطور صناعة الصحافة العالمية، واشتريت ما يلزم من كتب ذات علاقة، وتعرّفت على أحدث أساليب العمل وإعداد التحقيقات الاستقصائية واستخدام الطائرات فى تصوير التحقيق الصحفى. واستخدام الكومبيوتر فى تخزين المعلومات وتنسيقها، وتكليف فرق بحث كبيرة تشارك فى إعداد المادة التحريرية التى لا تزيد على صفحة وقد تقل لتكون مجرد ثلاثة أعمدة فقط. وشاهدت عمليات نقل الصور والأخبار والطبعات الدولية للجريدة بالفاكس، فلم يكن الإنترنت قد ظهر بعد.
رؤساء تحرير فى معتقل الواحات!
إذا جلست مثلى تفكّر فى تاريخ «صباح الخير» وخاصة فى فترات التحوّلات الكبيرة فى نهاية الخمسينيات ومطلع الستينيات ومنتصفها، ثم فى مطلع السبعينيات، ستلاحظ أنها واكبت هذه التحوّلات، لكن أتذكّر الآن أن ثلاثة من رؤساء تحريرها عرفوا طريقهم إلى المعتقلات (قبل توليهم رئاسة تحرير المجلة) وأحد هؤلاء شارك فى تأسيس «صباح الخير» ووضع ملامحها هو: حسن فؤاد الذى اعتقل فى سنة 1959 مع كل الشيوعيين المصريين، ومعه الفنان جمال كامل، والكاتب الساخر محمود السعدنى.
والطريف فى الأمرـ وهل فى اعتقال المفكرين والمبدعين أى طرافة؟! أن النظام الناصرى اعتقل كل الشيوعيين والاشتراكيين، لمدة ست سنوات فى معتقل الواحات الشهير، فى الوقت الذى بدأ يطبق فيه أفكارهم!
ولم ينقذ هؤلاء من لعنة الاعتقال، سوى زيارة قام بها زعيم الاتحاد السوفييتى نيكيتا خروشوف، لمصر، واشترط أن يتم إطلاق سراح كل هؤلاء قبل أن يصل القاهرة.
والمدهش أكثر، أن النظام الناصرى، لم يكتف بتحرير هؤلاء التقدميين من الشيوعيين والاشتراكيين من ربقة الاعتقال، بل أنه رصّع بهم أهم مراكز القيادة فى الصحافة ومؤسسات أخرى.
وقد أتاحت لى الظروف أن أزور معتقل الواحات بعد خروجهم بسنوات، بدعوة من المهندس إبراهيم شكرى محافظ الوادى الجديد، ورأيت بقايا اللوحات والكتابات والأشعار على الجدران والأبواب، وعرفت قصصا عديدة عن الإبداعات والتحايلات على قسوة المعتقل التى ابتكرها هؤلاء الكتاب والفنانين والمفكرين.. الكبار منهم والشباب.
وعرفت كيف تحوّل بعض شبانهم داخل المعتقل إلى كتاب روائيين وشعراء مرموقين ومطربين تعرفهم الحياة الثقافية والفنية فى مصر من وقت خروجهم وحتى الآن، ولا أريد أن أقع فى خطيئة ذكر أسماء ونسيان أسماء، لكن لا أنسى صنع الله إبراهيم ومجدى نجيب ومحمد حمام.
وأتذكر أن بين هؤلاء كان هناك ثلاثة ممن أصبحوا فيما بعد رؤساء تحرير «صباح الخير»: حسن فؤاد، وجمال كامل ومحمود السعدني!.. وعلامة التعجّب هذه من عندى، فالرجل لم يكن شيوعيا أبدا، لكنه أخذ فى زحام صداقاته وعلاقاته بكثير من هؤلاء، لكن الأعجب قادم، فبعد عدة سنوات من الخروج من المعتقل، ورغم الصداقة التى كانت تجمع محمود السعدنى بأنور السادات منذ نهاية الأربعينيات فى «قهوة عبدالله» الشهيرة فى الجيزة، وجد عمنا السعدنى نفسه فى المعتقل مرة أخرى، ليس كشيوعى ولكن كناصرى هذه المرة!
واشتهر عنه فى أعقاب اعتقاله أنه قال فى محادثة تليفونية سجّلتها أجهزة ساداتية، ما معناه أننا عشنا تحت حكم رئيسين أولهما (عبدالناصر) الذى موّتنا من الخوف والثانى (السادات) الذى موّتنا من الضحك!
وكان ثمن هذه النكتة عشر سنوات سجن بحكم محكمة خاصة شكّلها الرئيس السادات بعد انقلابه على القيادات الناصرية..
طبعا عرف عدد من كتّاب «صباح الخير» طريقهم إلى المعتقلات، ومنهم عبدالستار الطويلة الذى كان يكتب فى «روزاليوسف» و«صباح الخير» واشتهر بتناوله قضايا ومشاكل حياة الناس اليومية مع الحكومة لكنه أصبح فيما بعد صديقا للسادات وقرينته جيهان، وصديقا أيضا لأول سفير لإسرائيل فى مصر ما جعله يسقط فى نظرى وكنا جيرانا نسكن فى الشارع نفسه فى حى العجوزة.
وممن استضافتهم المعتقلات صلاح حافظ الذى تولّى فيما بعد رئاسة تحرير «روزاليوسف» وكان منهم محمد قناوى الذى أصبح أحد سكرتيرى تحرير «صباح الخير» فيما بعد.
وعرف بعض آخر من كتّاب المجلة طريقهم إلى العزل، بأوامر اللجنة التى شكّلها السادات تحت اسم «لجنة النظام» للتخلّص من كل من يشك فى أنهم ليسوا موالين له، ومنهم رؤوف توفيق، وعلاء الديب ورشدى أبوالحسن الذى اعتقل لمدة ستة أشهر بعد انتفاضة الطلبة..
ومع أننى لم أتعرّض للاعتقال أو العزل، ولم أكن أؤمن بعضوية أى تنظيم علنى أو سرّى، ففى اعتقادى أن ظروفا أحاطت بى، شكّلت لدى شعورا بالتهديد رسّخه كلام مباشر من رجال أمن دولة.. ما جعلنى أفكر فى اعتزال الصحافة مؤقتا والاهتمام بأدب الأطفال الذى بدأت أنشغل به.
القلق من أن أتعرّض للمتاعب وإحساسى بأن الدور سيأتى عليّ.. شجعنى على قبول فكرة الهجرة المؤقتة، ولا أتهم أى أحد من الزملاء كبارا وصغارا بالتورط فى إشاعة أجواء تجعلنى أهاجر.. فقد جاءت هجرتى على غير رغبتى، لكنها كانت ضرورية، ولا مفر منها، وبعض من يعرفون تفاصيل أكثر حدّثونى عن أن الحظ خدمنى بهذه الهجرة التى وجدت نفسى أستجيب لها على غير رغبة حقيقية.
وأحيانا أفتقد ككاتب روائى (بدأت كتابة أول رواية لى سنة 2009) تجربة السجن والاعتقال، خاصة أنه تربطنى أواصر الصداقة بعدد كبير ممن عاشوا هذه التجربة القاسية ومنهم عبدالله الطوخى وشريف حتاتة وصلاح عيسى وعبدالرحمن الأبنودى وجمال الغيطانى ومجدى نجيب ومحسن جابر ومن النساء نوال السعداوى وفتحية العسال..
ومن الأمور التى خسرناها فى مجرى الحياة أن عددا مهما من الكتاب والفنانين الذين عاشوا خبرة ومعاناة الاعتقال لسنوات، خرجوا ليمارسوا الحياة التى ألهتهم عن كتابة هذه الخبرة ورصدها للأجيال التالية.
كيف لم يتم اعتقالى؟!
عندما أراجع نفسى لأستكشف أسباب عدم مرورى بهذه الخبرة، أتذكر أننى كنت معرضا للاعتقال فى الوقت نفسه الذى كان يتم فيه اعتقال كل التقدميين والاشتراكيين والشيوعيين، سنة 1959 وكنت وقتها فى الرابعة عشرة من عمرى، وإذا كان اعتقال كل هؤلاء قد نتج عن مساندتهم للزعيم العراقى عبدالكريم قاسم فى خلافه مع نظام يوليو المصرى، كما يرى المتابعون، فكيف لم يتم القبض علىّ واعتقالى وقتها بعد أن أصبحت على علاقة مباشرة مع الزعيم العراقى الذى قاد ثورة 14 يوليو 1958 متمثلا نجاح ثورة 23 يوليو المصرية سنة 1952 ومحتذيا بها، فقد شكلّت وأنا تلميذ فى مدرسة السويس الإعدادية جمعية لهواة التعارف عن طريق المراسلة، وبعثت برسالة تحية وتأييد للزعيم الركن عبدالكريم قاسم، وطلبت منه أن يرسل لى صورة شخصية له موقعة بخط يده، واستجاب الزعيم وبعث إلى بما طلبت، وكان ذلك مبعث فخر واعتزاز ناظر المدرسة الذى حيانى فى طابور الصباح.
ولم يتم القبض علىّ، كما قبضوا على كل مؤيدى قاسم!
أتذكّر الآن المهندس إبراهيم العطار الذى شاهدته فى قسم عتاقة فى السويس سنة 1959
مرتديا زى المساجين مكبلا بالأغلال قبل ترحيله لا أعرف إلى أى معتقل، ربما كان الواحات.
وكنت وقتها فى الرابعة عشرة متوجها للمحاكمة فى قضية نشر صحفى فى مجلة حائط!
كانت هناك علاقة صداقة قوية تجمع بين أبى والمهندس إبراهيم العطار الذى كان أيضا يهوى الرسم بالألوان المائية، ومن قوة هذه الصداقة كان هناك خط تليفونى يصل بين شقتنا وشقة العطار فى العمارة المقابلة للعمارة التى نسكنها، خط مده الصديقان بين بيتينا فقط للتواصل فى أى وقت، لا يرتبط بخطوط التليفون الأخرى، خط صداقة ومحبة قوية الأواصر بين عائلتين.
فى وقت لاحق، كان إبراهيم العطار يتولى منصب مدير المركز الثقافى المجرى فى شارع النيل، ومن ذكرياتى التى لا تنسى أننى حضرت فى هذا المركز عرضا لفيلم مجرى عن حياة ومعاناة عمال المناجم، لا أنسى هذا الفيلم وتأثيره عليّ وعلى تكوينى الفكرى والفنى والإنسانى، ولا أنسى اسمه «إنقاذ 14 حياة» مع أننى كنت فى عمر لا يتجاوز التاسعة عشرة تقريبا.
فى الأسبوع المقبل نواصل