من الجيزة للسد العالى على عجلة
فى بلاد الدهب

جولة قام بها : عمرو سليم
فى ربوع مصر ومع سكون الليل بدأت رحلتى الترحالية التى تعد بمثابة حلم من أحلام حياتى والتى أرغب فى خوضها على أرض مصر الحبيبة.
فى الساعات الأولى من اليوم غادرت مدن محافظة الجيزة ومع سطوع الشمس بدأت حركة المواطنين فى ازدياد، فالطلبة متجهون لمدارسهم والمواطنون إلى أعمالهم ووظائفهم.
التاسعة صباحا كانت أول لحظة توقف لتناول الإفطار وترك آخر مدن المحافظة مدينة العياط .

تساؤلات كثيرة تطرأ على بالى وتحدثنى بها نفسى هل أستطيع خوض التجربة واستكمال الرحلة ؟ هل سأقوم بقطع المسافة كاملة على دراجتى .
سرت فى صحبة الأراضى الزراعية يمينا ويسارًا وعلى ضفاف النيل فقدت شغف لوقت ما وأنا لازالت على حافة الطريق حتى وصلت إلى لوحة إرشادية مكتوبًا عليها (بنى سويف 50 كيلو مترًا).
هنا تبدلت الأحوال وتحولت حالتى النفسية وتمسكت بحلمى وتيقنت بأنى على الطريق واستكملت رحلتى بحالة نفسية جديدة .
وقفت لبعض الوقت مع دخول ذروة الحر لتناول عصير من قصب السكر ولتكون الثانية عشرة ظهرا هى موعد وصولى لأولى محطات الرحلة فى محافظة بنى سويف .

توجهت للفندق لأخذ قسط من الراحة والاستيقاظ بعد صلاة العصر للتجول فى المدينة وتناول وجبة الغذاء والسير فى الأسواق وتفقد المدينة والجلوس بعد الوقت على أحد المقاهى لتناول الشاى والتعرف على عادات وتقاليد مختلفة .
وفى المساء توجهت لتجهيز معداتى وأغراضى الشخصية لاستكمال الرحلة مودعا محافظة بنى سويف ومصطحبا المساحات الواسعة من الأراضى الزراعية والتى ازدادت كثيرا بالبعد من المدنية فالنيل يسارا والخضرة يمينا ..
توقفت بعد عدة ساعات لتناول الإفطار واستوقفتنى دورية للشرطة للتحقق من شخصيتى فأبرزت هويتى وتحدثنا عن الرحلة وحب المغامرة وتساءلوا عن وجهتى .
واستكملت الطريق حتى وقت الذروة وهنا كان وقت الراحة الكبير فى أحد المطاعم حتى تنتهى حرارة الشمس وتناول بعض المشروبات وتناولت وجبة الغداء حتى كسرت حرارة الشمس واستكملت الطريق المسافة المتبقية على مدينة المنيا خمسين كيلو مترًا ولكن بعد الوصول لم أتمكن من إيجاد مكان للمبيت أو التخييم.

وهنا بدأت المجازفة بالسير ليلاً وسط الأراضى الزراعية على أضواء الأعمدة المتواجدة بالطريق حتى استقبلتنى مدينة ملوى فى السابعة مساء وكنت فى ضيافة أحد الأصدقاء المقيمين بالمدينة توجهت لمنزله وتناولنا العشاء وكوبا من الشاى وجلسنا جلسة سمر نتبادل الحديث عن العادات والتقاليد المختلفة فى صعيد مصر عن باقى المدن فصعيد مصر متميز بالحسم والشدة فلن ترى امرأة مهما كان عمرها تسير فى الشارع بمفردها فالرجل هو المسئول عن إحضار جميع الأشياء لمنزله ويندر عمل المرأة فى محافظات الصعيد ولكن كان قديما كل أسرة لديها المنزل الخاص بها قبل طفرة العمران وبناء الأبينة ذات الطوابق المتعددة، انتهى الحديث بيننا وتوجهت للمبيت كى أستكمل رحلتى غدا فى ربوع مصر وفى محافظات الصعيد المليئة بالخيرات والجمال.. السادسة صباحا كان موعد الرحيل من مدينة ملوى مرورًا بمدينة دير مواس لتنتهى ثانى محطات الرحلة المسافة المتبقية بينى وبين مدينة أسيوط ما يقرب من سبعين كيلو مترًا يوم جمعة فالطريق يتسم بالهدوء والنخيل على ضفاف الطريق وبصحبة ترعة الإبراهيمية استمتعت بالمناظر والهدوء.

مرورًا بالمدن حتى استقبلتنى مدينة أسيوط وقت صلاة الظهر توجهت لمنزل صديقى على الطريق لأخذ قسط من الراحة وأداء صلاة الجمعة قمت بالتوجه للمنزل وتغيير ملابسى، كان اللقاء حافلاً بالحديث الشيق انتهى الوقت سريعا وكان على العودة لاستكمال الطريق فاليوم مبيتى فى محافظة سوهاج التى تبعد مايقرب من 95 كيلو متراً، توجهت لاستكمال الطريق مع غروب الشمس الجميلة وانعكاس أشعتها على لون الخضرة فى الأراضى الزراعية وسيرت لأرى كرم أهل الصعيد فحضرنى مشهد جميل دون فى ذاكرتى توقفتنى دراجة بخارية ترحب بى وتتساءل عن رحلتى وبعد لحظات اختفت الدراجة وسائقها عائدة إلى وهى تحمل التمر والماء كنوع من الترحاب، استكملت الطريق والظلام يدخل علينا ونستأنس بنجوم السماء وهى تتزين والمتبقى من المسافة مايقرب من 50 كيلو مترًا توقفت لالتقاط صورة تذكارية مع لوحة إرشاد على الطريق وتوقفنى بعد المارة للترحيب وعند دخول أولى مدن محافظة سوهاج مدينة طما توقفت لتناول كوب من القصب ورحب البائع بى وأعطانى كأسا هدية .

واستكملت الطريق مرورا بمدينة طهطا بلد رفاعة الطهطاوى وألتقطت صورة بجوار التمثال الموضوع فى مدخل المدينة.. التاسعة مساء كانت لحظة الوصول واستقبال أصدقائى من مدينة سوهاج توجهنا لمنزل صديقى لوضع الدراجة وتغيير الملابس وتوجهنا للتجول فى مدينة ولقاء الأصدقاء من هواة الدراجات.. لينتهى اليوم والمبيت عند صديقى.
اليوم الرابع راحة فى مدينة سوهاج.. ومع سطوع الشمس صباح اليوم الرابع قمت برفقة صديقى بتفقد شوارع سوهاج ونيلها وزيارة أحد الكبارى الشهيرة بها وهو الكوبرى الحديد و تناولنا الآيس كريم على ضفاف النيل العظيم وتجولنا وسط ربوع الخضرة والشوارع الجميلة وقمت بزيارة صديقى فى محل صيانة الدراجات وعمل صيانة لدراجتي.
قضينا ساعات طويلة فى صيانة الدراجة وتوجهنا إلى أحد المطاعم لتناول وجبة الغداء وكرم أهالى الصعيد وشاهدنا هواة الدراجات صغار السن ومدّ الوقت سريعا وانتهى يومى الرابع، اليوم الخامس، ومع سطوع الشمس اصطحبنى أصدقائى هواة الدراجات ليبدأوا معى طريقى لمحافظة قنا سرنا قرابة العشرين كيلو سويا وتوقفنا بعد ساعة للراحة ثم استكملت الرحلة بمفردى حيث يفصلنى عن مدينة نجع حمادى 66 كيلو مترًا، شاهدت المناظر الخلابة على الطريق والجمال تسير بجوارنا ومنظر الجبال ينعكس على مياه النيل كأنها لوحة فنية خلابة عن جمالها.

كانت أولى محطات الراحة لدى مدينة نجع حمادى فى الحادية عشر صباحا جلست على ضفاف النيل مايقرب من ساعة كاملة أنظر إلى جمال المياه والقناطر بالمدينة والسكينة والراحة والهروب من زحام الحياة والضوضاء لاختلس من الزمن لحظات سعاده يحسب العمر بعددها ولكن كان لابد من أستكمال الرحلة والمرور بمدن المحافظة الجميلة كمدينة دشنا والجلوس على المقاهى البلدى ورؤية الألفة والطيبة فى وجوه الناس من صعيد مصر.
الرابعة عصرا كان موعد الوصول لمدينة قنا والتوجه للفندق للمبيت تركت متعلقاتى وقمت بتغيير الملابس والذهاب لزيارة مسجد سيدى عبد الرحيم القناوى.
يُعَدُّ الشيخ عبدالرحيم القناوى، الذى يرجع نسبه ومولده إلى المغرب، واعتمد على نفسه فى تدبير نفقات معيشته، كونه يعمل تاجرًا بجانب دوره فى توعية الناس بتعاليم الدين وبعد وفاته، أقيم له أكبر مسجد وضريح بوسط قنا.

أنشأ المسجد الأمير إسماعيل بن محمد الهوارى الشهير، الزائرون من جميع أنحاء مصر يقومون بتوزيع الطعام كنوع من الصدقات ستجد بجوار المسجد العديد من الساحات فيها أهالى الطرق الصوفية يذكرون الله ويرفق المسجد أكثر من مسجد لبعض الأولياء بجواره.
مدينة قنا متسعة تجولت فيها بعد زيارة المسجد تفقد شوارعها قليلا حتى حان وقت العودة للمبيت واستكمل الرحلة فى اليوم السادس لزيارة بلاد طيبة التى تبعد عن مدينة قنا ما يقرب من 55 كيلو مترًا.
تحركت فى وقت متأخر وهو اليوم الوحيد الذى تحركت فيه بعد سطوع الشمس الطريق بين مدينتى قنا والأقصر تحفة تحيطك الشجر يمينا ويساراً توقفت عند أحد المقاهى لتناول الشاى وبعض من المخبوزات «الفايش» أحد الأكلات الشهيرة لدى أهالى الصعيد .

مدينة فقط استكملت الرحلة وبدأت الأجواء السياحية والفرعونية فى الظهورة.
فمدينة الأقصر أو ما تسمى ببلاد طيبة تمتلك ثلث آثار مصر وفى العاشرة صباحا كانت لحظة الوصول وتفقدت المدينة للبحث عن فندق للمبيت ولم يتسع الوقت للراحة فتركت متعلقاتى الشخصية وأصطحبت دراجتى لزيارة أجمل وأهم معالم المدينة السياحية . المدينة تنقسم إلى شقين غربى وشرقى على ضفاف النيل توجهت للعبارة وسيلة عبور للبر الغربى تتميز المدينة بانتشار الدراجات وترى فيها جمال النيل بلونه البديع المائل للون الأزرق واتساعه.
بعد التوجه للبر الغربى سرت ما يقرب من 14 كيلو مترًا بدراجتى كى أصل للمعبد ولكن استوقفنى خلال رحلتى طلبة مدرسة وادى الملوك وهم فى طريق لعودتهم لمنازلهم بعد يوم دراسى التقطت معهم صورة تذكارية قبل التوجه للمعبد، وبعد وقت قليل كان شارفة المعبد على يسارى تركت دراجتى وقطعت تذكرة الدخول وبدأت التجول فقى المعبد والتعرف على تاريخه.
المعبد لديه اسمان معبد حتشبسوت أو الدير البحرى ومعبد حتشبسوت هو تحفة مما تبقى من معابد بنيت منذ 3500 عام.
يتميز معبد حتشبسوت بتصميمه المعمارى الخاص المنفرد بمقارنته بالمعابد المصرية التى كانت تبنى على الضفة الشرقية من النيل فى طيبة.
يتكون المعبد من ثلاثة طوابق متتابعة على شرفات مفتوحة بنى من الحجر الجيرى وحين تتفقد المعبد نجد رسومات على جدرانه لبعثة الملكة حتشبسوت لبلاد بونت للتجارة وإحضار البخور ومن معتقداتهم أن يقدموا البخور لينالوا رضا الآلهة.
تجولت قليلا فى المعبد قبل العودة إلى وسط المدينة والتجول فى شوارعها وحينما حل وقت المساء تجولت برفققة صديقى فى الممشى السياحى ورؤية جمال الحوائط الملونة والسياح القادمين لرؤية جمال بلادنا.
انتهى اليوم السادس لرحلتى وفى الصباح توجهت لزيارة معلم آخر فى مدينة الأقصر هو معبد الكرنك بالضفة الشرقية وهو أحد المعالم فى مدينة الأقصر وهو مجمع رائع من المعابد الجميلة التى لا نظير لها حيث يضم الكرنك معابد الإله آمون وزوجته الإلهة «موت» وابنها الإله «خنسو».
وعند مدخل المعبد ترى ممر الكباش وهو الموقع الرابع لالتقاط الصور التذكارية الذى يعد معلما من معالم مصر السياحية وتتوافد عليه السياح.
توجهت فى طريقى لاستكمال لرحلتى وقمت بزيارة مسجد سيدى أبو الحجاج قبل المغادرة.
ولد أبوالحجاج فى القرن السادس الهجرى بمدينة بغداد وتوفى فى الأقصر.
ويرجع نسبه إلى الإمام الحسين الطريق ازداد جمالا بكثرة المعابد والأماكن السياحية بين محافظتى الأقصر وأسوان حيث تعد من أجمل 200 كيلو متر مررت بها.
اليوم السابع آخر يوم لى على الطريق برفقة دراجتى وصولا إلى السد العالى فى بلاد النوبة وكما يسمونها الذهب.
بلاد الذهب اشتق اسمها من كلمة «نوب» وتعنى الذهب لوجود أكبر مناجم الذهب فى أرضها بمنطقة العلاقى جنوب أسوان .
وكان القدماء المصريون يسمون النوبة «أرض الأقواس » نسبة لمهارة أهلها فى الرماية.
توجهت فى يومى الأول لزيارة السوق التجارى ليكون غدا مزارى لبلاد النوبة والسد العالى .
قمنا بجولة جميلة فى بلاد النوبة وجمال بيوتهم الرائعة المزينة بالألوان والاستمتاع بجمال النيل ورؤية التماسيح التى تربى فى منازلهم ومحال لبيع الملابس والآلات الموسيقى ، فى المدينة انتهى بنا المطاف عند السد العالى فى رحلة استغرقت أكثر من عشرة أيام تجاوزت فيها الألف كيلو متر بدراجتى الهوائية كى نكتشف جمال مصر وآثارها والتعرف على عادات وتقاليد مختلفة بين أبناء محافظات مختلفة يضمهم وطن واحد.