د. رانيا يحيي
مهمة بناء الوعى
«لو كنتوا علمتوا ولادنا إيه دا.. مكانوش حرقوه» انطلق من هذه المقولة التى قالتها إحدى السيدات أثناء نشوب حريق المجمع العلمى لأستاذنا الدكتور صابر عرب، وزير ثقافة مصر الأسبق فى أربع حكومات متعاقبة، والحاصل على جائزة النيل فى العلوم الاجتماعية هذا العام، وإبان متابعتى لحلقة الإعلامية منى الشاذلى، قالها فى حديثه النابع من القلب بتأثر بالغ حين استعاد بذاكرته هذا المشهد المؤلم، فى يوم حزين من أيام الوطن، حين التهمت النيران جزءا كبيرا من تراثنا الثقافى العتيد.
دكتور صابر عرب واحد من أبرز المثقفين الحقيقيين الذين نذخر ونفخر بوجودهم ولديه خبرات لا يمكن الاستهانة بها، بل علينا الالتفاف حول هذه القامات وأن ننهل من علمهم وخبرتهم فى الثقافة والعلم والحياة بعمومها.
والحقيقة أن هذه السيدة رغم قبح العبارة فى هذه اللحظات الفارقة، إلا أنها محقة، فهذا هو دور وزارة الثقافة، وزارة الوعى والاستنارة، كى يعى كافة المواطنين أهمية هذه المؤسسات وما تعنيه لأمة بأكملها، فهى ليست مجرد كيانات وإنما رمزية ما تتضمنه من تراث إنسانى يمثل قيمة حضارية لأمة ازدهرت بثقافتها وحضارتها البشرية التى يقف أمامها الغرب مندهشين، فيحاولوا اللعب على مفهوم الغزو الثقافى للأمم، ومحاربة الفكر والتنوير بطمس هوية تشكلت عبر قرون من الإبداع الإنسانى فى مجالات عدة.
وحينما أتذكر هذه الأيام تتساقط دموعى محملة بأعباء وهموم لا يمكن محوها من ذاكرتنا، لأننا ندرك قيمة هذا التراث وقيمة تلك المخطوطات التى احترقت، والوثائق التى أصبحت رمادا!! كيف فكر أصحاب الأجندات الصهيونية لطمس تاريخ وهوية يغزوها ثقافياً ويمحو آثار تقدمها بتغييب عقول أبنائها وبأيديهم، ونحن كشعوب عربية نفكر فى يومنا وأقواتنا، دون اعتبارات لما هو أهم من لقمة العيش الباحثين عنها باستغراق، فالوطن هو العرض، هو صمام الأمان، الوطن بتاريخه وتراثه هو ما يجعلنا نعتز بكبرياء وسط أمم مختلفة منها من يرجع عمرها لحضارات قديمة بزغت وسط تقدمية الإنسان، ومنها من لا تتجاوز قرون بسيطة تعتبر فى مهدها الأول، بينما تتربع فى الصدارة، وتسيطر بإحكام بالغ على مقدرات أمم أخرى يبعد عمرها متجاوزاً المدى.
علينا الانتباه لما تعنيه كلمة وطن من معنى، بكل ما يحمله من موروث إنسانى فريد وعظيم، ينبغى أن نعلمه لأبنائنا بقيمته كما جاء فى قول السيدة المذكورة، فمصر بمؤسساتها الثقافية وما تكتنزه من إرث لا يقدر بثمن، ووجودها رمزية كبيرة للإنسانية، وعنوان للتحضر، يدركها كل مثقف حقيقى، لذا نستهدف شبابنا وأطفالنا بالكلمة التى أشار إليها سيادة الرئيس فى كثير من خطاباته وهى الوعى، باعتبارها كلمة السر للحفاظ على ماضى عريق وحاضر مشرق ومستقبل سوف يقوده هؤلاء الشباب، وحفاظهم عليه سيتأتى من مدى إدراكهم لأهميته ووعيهم بقيمته. فلا ولن ننسى هدم تلك المخططات الصهيونية حين أتت على يد ابن مصر البار الذى وضع نصب أعينه قيمة وطن ينتفض ومخاطر تحاوطه من كل جانب، فوضع كفنه على يده واستعاده بكبرياء وتحدٍِ. فلولا الوعى ما تحقق أى منجز.