أم الدنيا
حكايات فلسطينيات فى المستشفيات المصرية

شهادات جمعتها: بسمة مصطفى عمر
3 أشهر من معاملة مثالية وإنسانية وجدتها من الأطقم الطبية وغير الطبية بمستشفى حميات الزقازيق.. بعد إحالتها إلى هذا المستشفى عقب وصولها إلى معبر رفح قادمة من غزة، حيث نقلها الإسعاف إلى مستشفى التوزيع المقرر تلقيها الخدمة الطبية والعلاجية به، بمحافظة الشرقية، فى وقت ظنت فيه «أم آسيا» أن علاجها من سرطان الغدد الليمفاوية يتطلب منشآت صحية ذات مستوى أعلى فى القاهرة.

قوبلت «أم آسيا» بالاهتمام الشديد فى المنشآت الصحية المصرية، ونالت مع غيرها من الفلسطينيين و الفلسطينيات معاملة آدمية ولائقة، حيث كان الجميع فى خدمتها، وتقديم أفضل عناية طبية وعلاجية فائقة لها.
قالت أم آسيا، «لصباح الخير»: «بمجرد وصولى وجدت اهتماما فائقا سواء من العاملين بالمستشفى أو المسؤولين أو الأشخاص العاديين من المرضى والأهالى، لمجرد علمهم بأننى قادمة من فلسطين، من أرض الحرب التى يعتدى عليها وعلى شعبها العدو الصهيونى الغاشم».
وفدت «أم آسيا» 36 سنة من قطاع غزة إلى مصر للعلاج من مرض السرطان وبرفقتها ابنتها البالغة 6 سنوات.
سلمتها سيارات الهلال الأحمر الفلسطينى على الحدود المصرية الفلسطينية فى رفح إلى الإسعاف المصرى لينقلها إلى مستشفى حميات الزقازيق حسب توزيعاتها من قبل وزارة الصحة المصرية، لتستقر هناك وتتلقى علاجها الكامل مجانا وعلى نفقة الحكومة المصرية.
كان لمجلة «صباح الخير» اللقاء الأول مع «أم آسيا» حيث إقامتها فى الزقازيق، لتروى لنا قصتها الإنسانية منذ بدأت وحتى استقرت الأن، وذلك ما بين آلام الوجع الجسدى بسبب السرطان، والوجع النفسى بسبب المشاهد الدامية التى رأتها وعايشتها فى الأراضى الفلسطينية المحتلة.
ما بين هذا وذاك تجلس طفلتها «آسيا» غير مدركة لآلام والدتها، وغير مستوعبة للأعمال الوحشية الإسرائيلية، ولكن ذاكرتها سجلت لقطات لن تنساها طوال حياتها خلال رحلتها من فلسطين وحتى الحدود المصرية.

وجدناها شاردة الذهن، تائهة تغرب عيناها إلى السماء متذكرة الأوقات الصعبة، والتى خلفت لديها مشاعر الرعب والذعر، ووصلت لدرجة الكوابيس التى تحرمها من الراحة، وخاصه كلما تذكرت أن أبيها ما زال فى غزة، ولم يترك بلده لاصطحابها هى ووالدتها للعلاج، مؤكدا لهما بقاءه هناك، للدفاع عن أرضه بعد أن هدم بيته بسبب القصف الإسرائيلى.
استهلت «أم أسيا» حديثها برحلتها منذ تشخيصها فى فلسطين قائلة: تحطمت المستشفيات فى غزة وأصبح العلاج هناك شبه مستحيل، وبعد تشخيصى بسرطان الغدد الليمفاوية، كان الحل الوحيد هو التسجيل بالمركز الذى خصص لمرضى الأورام هناك، خاصة بعد أن احتلت إسرائيل مستشفى الصداقة وتم تسجيلى بالمركز المختص لعمل تحويلة مرضية إلى مصر.

وحين وصولها إلى معبر رفح ومعها ابنتها مرافقة لها، انتقلت مع مجموعة أخرى محولة أيضا مرضيا، من الحدود الفلسطينية إلى نظيرتها المصرية، مؤكدة على أن المسعفين المصريين هم من قاموا بإنهاء كافة الإجراءات اللازمة، من تسجيل وتوثيق أوراق وغيرها، وتوفير كافة وسائل الراحة.
واستكملت: «بدأ تحرك حوالى 50 سيارة إسعاف من الحدود المصرية فى الساعة الثالثة فجرا، وبكل سيارة أسرة مكونة من المريض ومرافقيه، وسيناء كانت هى أول محطة توقفنا فيها، حيث استقبلنا الأهالى بالترحاب، وأمدونا بمعونات من الطعام والإحرام «الملابس» وأشياء أخرى كثيرة، حتى تسلمنا إسعاف مصرى آخر لبدء توزيعنا على المستشفيات المصرية.
وقالت: تم توزيعنا على الإسماعيلية، والإسكندرية، والقاهرة، والشرقية، وتم توزيعى، ومعى مريضة سرطان أخرى على مستشفيات الصدر والحميات بالزقازيق محافظة الشرقية.

واستطردت: استغرقت رحلتى من سيناء حتى وصولى للمستشفى بالزقازيق حوالى 8.5 ساعات، وبدأت رحلة جديدة ومختلفة، وأفضل استقبال وترحاب من مدير المستشفى، وتوفير كل ما نحتاج إليه من مأكل وملبس وأدوية، وفحوصات طبية ومعملية شاملة من تحاليل أو إشاعات، وقدمت طبيبة أورام من القاهرة ضمن الفريق الطبى المختص للتعامل مع حالتى.
رحلتها العلاجية فى مصر، بدأت بالأشعة الدقيقة والمتخصصة، ثم المسح الذرى لدقة التشخيص.
قالت: كان تفكيرى فى ابنتى الصغيرة، وكيف أتركها وحدها وأنا أحتاج إلى عزل بعد جلسات اليود المشع، وبعد فترة الجراحة، وتأكيد الأطباء لها أن ما تحتاج إليه هو الالتزام بخطة العلاج الدوائى، بكت وقالت «مش قادرة أفرح»، حيث تمتزج الفرحة بالحزن الشديد على ما يحدث فى بلدها وفراقها وأهلها.
أم آسيا وصفت المستشفى الذى حولت إليه بأنه «وش الخير عليها»، ولازالت تتلقى العلاج ويتم متابعتها بالفحوصات اللازمة، ووجهت الشكر للرئيس عبدالفتاح السيسى، ووزير الصحة، ومسؤولى مستشفى الحميات بالزقازيق، لحسن الاستقبال، والرعاية الشاملة سواء طبية أو مأوى.
تحدثت «أم آسيا» عن سوء الوضع فى غزة وانقطاع شبكات الاتصال والكهرباء، وتدمير مرافق المياه والصرف الصحى والبنية التحتية، حيث أشارت إلى استشهاد الكثير من أهلها جراء القصف الصهيونى، منهم عمتها وأولادها وأبناء اعمامها، وأخوالها، وزوج خالتها، إلى جانب تدمير منازلهم بالكامل، وقالت أصبح من المستحيل عودة الحياة فى غزة قبل 20 سنة.

قالت: الغذاء بأسعار باهظة الثمن دون توافر المال، ووصل الأمر مثلا فى خان يونس للاعتماد على مياه البحر واستخدامها فى الطهى، والشرب، وجلى الصحون، والاستحمام، ويزداد الأمر سوء مع تضرر مدارس ومكاتب الأونروا فى خان يونس، ورفح، والبريج، ووسط الدير، والمغاربة، وغيرها.
وقالت: «حرق منزلى بكل ما فيه، وحين جئت إلى مصر لم يكن معى سوى ما ارتديه فقط، وقدم لى المصريون ملابس جديدة، وقبل مجيئى إلى مصر كنت نازحة إلى إحدى مدارس وكالة الأونروا لمدة 5 أشهر نعيش فى مخيمات، وقدمت الوكالة كل ما فى وسعها من مساعدات، ولكن لم تستطع تغطية الكثافة العالية، حيث خرج من غزة أكثر من 100 ألف، منهم من قام باستخراج وثيقة سفر كإثبات للهوية، للسفر لدول أخرى، ومن بينهم التحويلات المرضية».
تعاون مستمر
بدورها، قالت رضى الهادى، منسق الإعانات بإحدى الجمعيات الأهلية المصرية وأن الجمعية تلقت تكليفًا للمشاركة فى دعم الأسر الفلسطينية، وبالفعل توجهنا للحديقة لتقديم المساعدات ومشاركتهم الحدث، والتعرف عليهم ومستشفيات إقاماتهم، كما تم التنسيق مع الأطباء المسئولين بالمستشفيات لسهولة تقديم المساعدات لهم.
تابعت: حضرت أعداد من الأسر بأطفالهم، وقضينا معهم فترة لإدخال البهجة والفرحة فى قلوب الأشقاء من غزة، ولن يشعروا بالغربة بل إنهم فى بلدهم الثانى، وقدمنا الهدايا للأطفال لدعمهم نفسيا لما عاشوه من جرائم دموية فى بلدهم، وبالحديث معهم أخبرونى عما يحتاجون إليه من ملبس وأشياء أساسية أخرى لهم وللأطفال.

واستكملت: «شمل عدد الأفراد فى أحد الأدوار المخصصة للفلسطينيين بإحدى المستشفيات، 10 سيدات و12 طفل، يشغل كل جناح أسرة أو أثنين بحسب العدد، وسعة الأسرة بحيث لا يتخطى العدد 6 أفراد، ولكل جناح حمام خاص، وإلى جانب ما تقدمه الجمعية من مساعدات، هناك بعض الأهالى المشاركين بهذا الدعم بشكل خاص، لتغطية جميع الاحتياجات المطلوبة والدعم المعنوى أيضا.
أما أمال جمال فلسطينية من غزة فقد لجأت إلى مصر مع أطفالها الثلاث «أكبرهم 5 سنوات»، فرارا من الأهوال، باحثة لطفلها المصاب بثقبين فى القلب، والبالغ من العمر 4 أعوام عن علاج عاجل، وإجراء فحوصات طبية والتدخل اللازم.
أكدت: ما بين ليلة وضحاها تهدمت بيوتنا بقذائف وصواريخ العدو، ولم يكن أمامنا إلا النزوح واللجوء إلى المخيمات، حتى وجدت ابنى تغير لونه ليصبح مثل سواد الليل، وغير قادر على التنفس، وبدأ وجهه يصبغ باللون الأزرق بسبب ضيق فى التنفس، أخذه والده مهرولا محاولا إنقاذه فى ظل تدمير شامل، وحطام مستشفيات لا يتوافر بها أى تجهيزات، وبعد انقضاء تلك الليلة قررت اللجوء إلى مصر، من خلال وثيقة الخارجية المصرية، وظل زوجى فى غزة وعاد إلى بيتنا المتهدم ليحتمى به».
فى قصة أخرى جاءت «شيماء» من غزة مع طفلها الرضيع إلى مصر، هاربه من نفس المصير فى غزة بعد أن تهدمت منطقتها السكنية بالكامل، وحالفها الحظ كونها من الباحثين العالقين، حيث إنها مسجلة بمرحلة الدكتوراه بإحدى الجامعات المصرية، ولحق بها زوجها من خلال التنسيق مع الخارجية المصرية.

وصفت شيماء الوضع فى غزة، قائلة: الموت ما يحيط بنا دائما لا نرى سوى الظلام، وملاحقة الصهاينة، واشتعال النيران فى كل مكان جراء الهجوم، والقصف، والغارات على فى جميع أنحاء القطاع بينما لا يتوفر أى نوع من مقومات الحياه، الأمور من سيئ إلى أسوأ، صعوبة فى توافر المساعدات الطبية والغذائية، والكهرباء والاتصال.
وقالت إن هناك الكثير من الطلاب العالقين، منهم المحاول اللجوء إلى مصر حفاظا على حياة أطفاله، ومنهم من هو فى حيرة من أمره، متسائل: كيف يترك أرضه وما بقى حى من عائلته؟