الأحد 8 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

وداعا.. عم حاكم

الحاكم بأمره!

من أصعب ما يمكن هو أن تمسك بقلمك لتنعى صديقًا. وأن تسرد بعضًا من الذكريات الخاصة التى جمعتنا سويًا. بل أنه من الصعب أن تصدق حجم الفاجعة لفقد شخص قريب من قلب كل من عرفوه. فما بالك إن كان من تكتب عنه وعن سيرته هو أستاذ كبير وعلامة فارقة فى تاريخ الكاريكاتير المصرى. بل هو واحد من عمالقته. وأحد رواد مدرسة صباح الخير العريقة. فمنذ أيام رحل عن عالمنا الفنان الكبير محمد حاكم مخلفًا وراءه أعمالًا كاريكاتورية قيمة، ومن قبلها سيرة ذاتية وإنسانية عطرة. 



محمد حاكم ذو الأصول السودانية من مواليد عام ١٩٤٣. نشأ بقرية أنشاص. وكان يلقب بـ«حاكم الصعير» بحكم أنه الأخ الأصغر لإحدى أيقونات فن الكاريكاتير حسن حاكم (١٩٢٣-١٩٩٨). وجد محمد حاكم نفسه فى صراع وتحدٍ كبير مع ذاته. فطيلة الوقت كان يقارن بأخيه الأكبر. وبالطبع مع أصدقاء وزملاء الدراسة ورفقاء درب أخيه، الفنانين مصطفى حسين وعبدالحليم البرجينى. وكان التحدى الأكبر أنه تخرج فى كلية الآداب ولم يتخرج فى كلية الفنون الجميلة مثل أخيه الأكبر.

 

 

 

فأصر محمد حاكم أن يجد مهربًا من هذا المأزق الكبير. وأن يحفر لنفسه مكانة مرموقة بينهم، ومن قبلهم أبناء جيله. فاختار لنفسه أسلوبًا مميزًا وراسخًا، يتسم بالتنمق والتلخيص والمرونة والاتزان والثبات فى الآن معًا. وبالطبع تميزت أفكاره بالرمزية الفلسفية العميقة. وهو عكس ما كان يقدمه حسن حاكم. الذى كانت خطوطه تتسم بالعشوائية المبهجة المدروسة. والتكوينات والتفاصيل المبهرة. لكن لأمانة الطرح، فإن كليهما اتسم بخفة الظل، وسخريتهما اللاذعة، وعزوبة المحتوى والمضمون.

وكان محمد حاكم له قصص ومغامرات عديدة داخل أروقة صاحبة الجلالة. وكان يرويها بهدوئه المعهود، وبنبرة صوته الإفريقية السودانية المميزة، فى شكل سرد أشبه بالنميمة البناءة. التى تستخلص منها أفكارًا وعظات نبنى عليها نحن شباب كتيبة الكاريكاتير وقتها الحصون التى سوف نحتمى بها فى تلك المواقف إن صادفتنا مستقبلًا. وكانت تلك القصص فى الوقت ذاته بمثابة البوصلة التى سوف توجهنا نحو المسار والدرب الذى سوف نكمل عليه مسيرته، ومسيرة من سبقوه.

وأتذكر أنه فى مطلع الألفية الجديدة، وجه لنا الفنان القدير عبدالرحمن نور الدين الدعوة لمشاركته أول اجتماع تحرير عقب توليه رئاسة تحرير مجلة الأطفال قطر الندى - الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة. ويومها أخذ كل من المدعوين فى طرح أفكار وأطروحات جديدة لتطوير المجلة. وفى هذه الأثناء أدرت نظرى نحو الفنان محمد حاكم الذى وجدته يحدق النظر فى وجهى ممسكًا بورقة صغيرة وقلم. فأيقنت على الفور أنه لا بد وأنه يرسمنى. وبالفعل فاجأنى برسم بورتريه كاريكاتورى بخطوطه المميزة، وكانت بالنسبة لى أجمل هدية. 

 

 

 

كما أنى أحتفظ بإمضائه فى إطار لطيف فوق مكتبى مباشرة والذى كان قد أهدانى إياه قبل سنوات طويلة. هكذا كانت هدايا الصديق والأستاذ محمد حاكم الذى امتدت علاقتى به عبر ثلاثين عامًا مضت والذى كنت دائمًا ما ألتقيه بصحبة الفنان الراحل عفت بالنادى النهرى لنقابة الصحفيين بشارع البحر الأعظم.

ظل محمد حاكم يرسم الكاريكاتير حتى آخر يوم فى عمره. وقدم لنا فى السنوات الأخيرة لوحات تشكيلية بأسلوبة الكاريكاتورى الساخر. وكانت أعمالًا مبهرة طرح من خلالها بعضًا من ملامح حياتنا اليومية. حيث رسم المولد والمقهى والأفراح الشعبية والمكاتب الحكومية وغيرها من الموضوعات الدسمة الخالية من الكوليسترول.. والذى يصيب فكر وأداء معظم رسامي الكاريكاتير مع التقدم فى العمر وعدم متابعة أحوال الشارع. 

وهكذا رحل محمد حاكم فى هدوء وسلام تمامًا مثلما عاش.. حيث أنه سطع ولمع كرسام صحفى له بريقه ورونقه... ولم يستعن بشهرة ونجومية أخيه الأكبر حسن حاكم.. واختار أن يكون هو الحاكم بأمره... لا حاكم الصغير (نقطة)