عالم على فوهة بركان.. وحروب طرق الأبواب
هل تتفكك قطعة« الميكانو»؟!

ترجمة: خلود عدنان
ماذا سيحدث إذا اندلعت الحرب العالمية الثالثة؟ سؤال متداول فى الصحافة الغربية والأمريكية فى ضوء ما تشهده المنطقة من صراعات متعددة متزامنة، وهو احتمال قائم يتردد على أذهان أبناء الجيل الحالى لما تحمله عقولنا من مخاوف لأسباب لا تُعد.. فهى ليست فقط لما يحدث من مجازر وحشية تُرتكب بحق الأبرياء وما تعانيه حدود كل دولة من نزاعات مسلحة، فهناك ظواهر أخرى لا يمكن تجاهلها حال طال أمد الحروب الحالية.
النفط والماء هما فتيلا الصراعات الدائرة حول العالم، لاسيما وقد أصبح الماء نفط القرن 21، ومع الأزمة الاقتصادية العالمية، ومخاطر تضاؤل الموارد العالمية، ستكون تلك أسبابًا كافية لتصاعد الحروب الكبرى.

مما يعنى أن القدرة على الوصول إلى الغذاء والماء سوف يصبح فى المستقبل على نفس القدر من أهمية النفط، ومثل النفط، قد تكون هذه الموارد هى السبب وراء قيام الدول فى نهاية المطاف بحمل السلاح ضد بعضها البعض.
لهذا لم تكن تنبؤات عالم الفلك الهندى كوشال كومار، ببداية الحرب العالمية الثالثة فى 18 يونيو 2024، بمفاجأة رغم مضى أيام على موعد الحرب الذى تنبأ به، لكن الأمر لا يحتاج لعلم الفلك، مجرد قراءة سطحية لعناوين الأخبار والإطلاع على بعض التقارير الاستقصائية سنجد أن هناك حروبًا ضروس تلوح فى الأفق.

هزيمة بايدن
تتعدد أسباب الحرب العالمية الثالثة ولكن النتائج واحدة والقوى الرابحة معروفة، والخاسر الأكبر مازال يحصد هزائمه، وهى الولايات المتحدة الأمريكية التى تقف اليوم عاجزة «فارغة» وفقًا لتعبير الخبير العسكرى الأمريكى جوناثان سويت.
هذا ما انجرفت وراءه آراء المحللين السياسيين الأمريكيين فى تصور الحرب العالمية الثالثة، وأحداثها الرمزية الحالية، منحازين لصفوف القوة، متخوفين من أن تبدد تلك الحرب القوة الأمريكية فى عهد أسوأ رؤسائها الذى يجر بلده لنفق مظلم وهو الحرب الأهلية.

فى «ذا هيل» الأمريكية، شبه المحلل السياسى مارك توث، الرئيس الأمريكى جو بايدن بـ «جيمس بوكانان» الرئيس الأمريكى الخامس عشر، الذى يعتبر على نطاق واسع الأسوأ فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد سعى بوكانان فى عهده إلى تهدئة جميع الحركات الساعية إلى التمرد والانفصال، لكنه فى النهاية لم يرض أحدًا، وتحت حكمه، انجرفت أمريكا أكثر فأكثر نحو الحرب الأهلية والتى استمرت 4 سنوات بين عامى 1861 و1865 وراح ضحيتها 800 ألف شخص.
وبعد مرور أكثر من قرن ونصف، يتحول العالم إلى حرب عالمية أيديولوجية ثالثة، وأصبحت تمثل روسيا والصين والدول الداعمة لهما قادة لعالم جديد يستقطب أقوى الحلفاء ومنهم قادة القارة الإفريقية بشكل يهدد الأطماع الأمريكية.
ووفقًا لتقرير صادر عن مركز أبحاث الكونجرس الأمريكى فى يناير الماضى، بعنوان «تنافس القوى العظمى والآثار المترتبة على ذلك»، فإن استراتيجية الأمن القومى لـ «بايدن» بدت متجذرة فى محاربة الدول النامية والقوى المتصدعة، ولن ترتقى إلى مواجهة قوتين متزامنتين ومتداخلتين بحجم روسيا والصين.
ويشير التقرير إلى أنه فى عام 2018، واجهت إدارة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب قرارًا من عهد أوباما يتمثل فى «بناء قوة قادرة على الانتصار فى صراعات مع قوى عسكرية عظمى من منافسيهم من الدرجة الأولى، فى إشارة واضحة إلى الحرب مع الصين بشأن تايوان، أو الاشتباك مع روسيا فى منطقة البلطيق».
هزائم ونصف
تواجه الولايات المتحدة الأمريكية فى الواقع، ثلاثة حروب: الحرب فى أوكرانيا، والحرب فى الشرق الأوسط، والحرب الوشيكة بشأن تايوان وبحر الصين الجنوبى.
ويُضاف إلى هذه الحروب «نصف حرب»، بتضمين صراع النفوذ فى منطقة الساحل الإفريقى الذى أوشك بايدن على الانهزام فيه، بعد الاتفاق على انسحاب القوات الأمريكية من قواعدها فى النيجر فى سبتمبر المقبل لتحل محلها القوات الروسية.

حتى الآن انسحب 400 جندى أمريكى من أصل 1000 جندى، فى الوقت الذى يتوغل فيه «فيلق إفريقيا» الروسى المعروف بـ «فاجنر» سابقًا فى بوركينا فاسو، ما يُنذر بتمدد الحزام الروسى فى الساحل الإفريقى.
ونتيجة لذلك، فإن الولايات المتحدة الأمريكية وقدرتها العسكرية، وقدراتها على إنتاج الأسلحة والذخائر، وإمكاناتها للتعامل مع الحرب السيبرانية والمعلومات المضللة الصادرة عن موسكو وبكين، كلها فقيرة بشكل مؤسف، وكلها تتطلب دعمًا وتطويرًا فوريًا الآن.
وهنا فإن بايدن يواجه مصير بوكانان كما تقول عدة تقارير صحفية وها هى لحظة تاريخية فى «فورت سمتر»، وهى ثغرة الحرب الانفصالية عام 1860، حيث كانت مدخل ميناء تشارلستون والذى يُعد حصنًا استراتيجيًا بالغ الأهمية، رفض بوكانان تأمينه خوفًا من تصعيد النزاع مع الانفصاليين الجنوبيين.

وأوضحت الصحيفة «ذا هيل» أن تلك الخطوة كانت بمثابة رادع أمنى وخطًا أحمر أمام الانفصاليين الجنوبيين، وهو ما يتطابق مع سياسات إدارة بايدن الآن فى أوكرانيا ومنطقة المحيط الهادئ والهندى والشرق الأوسط، منتقدة الموقف الأمريكى المكتفى بالدفاع عن حلفائه فى نزاعات استنزفت قوى الولايات المتحدة ماديًا وعسكريًا دون رسم خطط واضحة لردع أى هجمات مفاجئة من أعدائهم فى اتجاهات أخرى.
ورغم ما تسببت فيه الولايات المتحدة الأمريكية من حروب ونزاعات فى الشرق الأوسط وتدخلاتها ودعمها المباشر للكيان الصهيونى فى حرب غزة، فإن «الدفاع» هو الشعار السائد اليوم فى البيت الأبيض فى عهد بايدن، أمام أى اتهامات بعدم الوضع فى الاعتبار أى تهديدات عسكرية أخرى.
لذلك كما يقولون سيكون «الفوز» مطلبًا بعيد المنال فى هذه الحرب الأيديولوجية العالمية المتزايدة رغم كونها الطريق الوحيد أمام أمريكا لتفادى الحرب الانفصالية، التى تشغل أذهان الأمريكيين فى الوقت الحالى.
وترفض صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تصور الحرب الأهلية رغم انشغال الرأى العام الأمريكى بها وتناول صناع السينما احتمالات تراجيدية كارثية لنهاية أمريكا، منهم سيناريو تعرض الولايات المتحدة لهجوم سيبرانى يؤدى لحرب أهلية وصراعات الشوارع ثم ظهر فيلم آخر أظهر مزيدا من الانقسامات المسلحة بين الأمريكيين أنفسهم التى انتهت باغتيال الرئيس الأمريكى.
وتبقى أحداث الكابيتول الكابوس المخيف الذى أظهر احتمال سهولة جنوح الأميريكيين للصراع الداخلى، متسائلين، ماذا إذا حصل ترامب على ولاية رئاسية ثانية؟ أو لماذا لو رفض أحد الناخبين تقبل هزيمته فتجمع أنصاره واندلعت الاحتجاجات مجددًا؟
قالت صحيفة نيويورك تايمز إن تطور النزاع الانتخابى فى الولايات المتحدة لنزاع مسلح يتطلب التعرض لهجمات خارجية من قوى تحظى بنفوذ عالمى يفوق الولايات المتحدة، وتدعم المتنافسون داخليًا فى تقسيم البلاد إلى معسكرات متحاربة.
وخارجيًا تقع واشنطن تحت ضغط دولى فى ضوء طغيان الرؤيا المشتركة للرئيس الروسى فلاديمير بوتين والرئيس الصينى شى جين بينج لما يسمى بعالم متعدد الأقطاب، تهيمن عليه روسيا والصين عسكريًا واقتصاديًا وترتكز عليه مجموعة البريكس.
ورغم ما تسببت فيه الولايات المتحدة الأمريكية من حروب ونزاعات فى الشرق الأوسط وتدخلاتها ودعمها المباشر للكيان الصهيونى فى حرب غزة، إلا أن وجهات النظر الدفاعية مقابل كل الاتهامات من التيارات المعارضة مازالت هى لغة النقاش السائدة فى البيت الأبيض بلا أى أسانيد معقولة أو منطقية.
المثير للسخرية كما قال تقرير نيويورك تايمز إنه كلما دعا جيك سوليفان، مستشار الأمن القومى لبايدن، إلى وقف التصعيد، كلما استخدم منافسو الولايات المتحدة الأمريكية تلك النوافذ للتصعيد، منها عدوان إسرائيل على غزة، والنزاع المسرحى بين إسرائيل وإيران، ومعارك خاركيف بأوكرانيا جميعها مخاوف تهدف إلى ملء الفراغات فى أوروبا الشرقية والشرق الأوسط ولا يبدو منها سوى تضاءل النفوذ الأمريكى وفقدانه السيطرة على الوضع.
ما وصلت إليه العلاقات الأمريكية الإسرائيلية اليوم دليل على حالة جنون نهج بايدن الشبيه بأسلوب بوكانان فى التعامل مع السياسة الخارجية للبلاد، إذ يتناول الكاتب الأمريكى مسألة الدعم الأمريكى لإسرائيل كونه مجرد أكذوبة من أكاذيب بايدن، وما هى إلا توجهات حسب المصالح الأمريكية حتى لا تفقد توازناتها.
ففى البداية، كان بايدن مؤيدًا بقوة لحق القدس فى وضع حد لحماس باعتبارها تهديدًا عسكريًا لإسرائيل، وفى أعقاب الاحتجاجات الفلسطينية المناهضة لإسرائيل فى الجامعات الأمريكية فى جميع أنحاء البلاد، وخاصة فى مدينة نيويورك، تبددت آراء بايدن الداعمة للكيان المحتل وخفت وتيرة الدعم الإعلامى الأمريكى الرسمى الداعم له، وسرعان ما وجدت حكومة الوحدة الائتلافية الإسرائيلية، نفسها تحت نيران صديقة مصدرها واشنطن، بعد أن تركتها فى حرب وجودية مع حماس وحزب الله وإيران، حتى وإن تمت الهجمات الإيرانية بالتنسيق العسكرى المسبق مع المخابرات الإسرائيلية والأمريكية، فهو أمر لم يكن مسموحًا به من قبل لحليف أمريكا الأول.
أصبحت حماية إسرائيل اليوم فى قاع قائمة الاهتمامات الأمريكية،كما تقول بعض الصحف الأمريكية وتعمقت هاوية بايدن بعد أن أصبح حليفه الأول مُدان أمام الرأى العام العالمى الذى أجبر المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة على الاعتراف بما ترتكبه إسرائيل من مجازر وحشية بحق المدنيين فى غزة، فضلًا عن المساعى المزعومة للحصول على أوامر اعتقال لنتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلى يوآف جالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب فى غزة.
هكذا خسر بايدن أهم جولات الحرب الباردة أو ربما لم يعد قادرًا على فهم المناورات السياسية المحيطة فى عالم جديد، بينما تعمل روسيا والصين على تدمير البنية التحتية الأمريكية فى الشرق الأوسط وإفريقيا، لتنهى عقودًا طويلة من النفوذ والتوغل الأمريكى الذى نشأ فى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية والمؤسسات التى كانت تحميه ذات يوم، بما فى ذلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والآن، بشكل غير مباشر، المحكمة الجنائية الدولية.
لذا ليست هناك تكهنات عن الخاسر والفائز فى حرب عالمية ثالثة، فالخاسر هو الأكثر كلامًا والأقل فعلًا وهو ما يراه الخبراء والساسة الأمريكيون فى بلادهم، فالقوات الأمريكية مرهقة ومستنزفة، وتواجه ثلاثة حروب محتملة فى وقت واحد وتستعد لحرب واحدة فقط، بينما يحشد بايدن ما تبقى من قواه للفوز فى الانتخابات الرئاسية المقبلة ليتكرر سيناريو بوكانان والحرب الأهلية.