توماس جورجسيان
إنه جيل قلق.. ونحن نعرف سبب قلقه!
حتى لو كان الخطر معروفا للجميع منذ فترة ليست بالقصيرة فإن ما طالب به د.فيفيك ميرتى الطبيب العام الأمريكى كان مطلبا غريبا لبعض الناس. مطلبه كان واضحا وصريحا وصادما أيضا، وهو أن يتم التعامل مع السوشيال ميديا مثلما تم التعامل مع السجائر من قبل. وذلك بوضع تحذير عام بخصوص استعمالها، خصوصا للمراهقين مع ذكر الأضرار التى يمكن أن تصيبهم بسبب استعمالهم أو إدمانهم لوسائل التواصل الاجتماعى.
وطالب د. ميرتى فى مقال رأى نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» بأن يتبنى أعضاء الكونجرس هذا التحذير والتنبيه ويتم إقراره تشريعيا وتفعيله تنفيذيا. إلا أن هذا الاقتراح من المرجح ألا يجد تأييدا مشتركا من كلا الحزبين الجمهورى والديمقراطى.
وحسب ما قاله وكتبه د. ميرتى فإن مخاطر استعمال السوشيال ميديا مرتبطة بأضرار ملموسة تلحق بالصحة العقلية للمراهقين.
ولا شك فى وجود قلق وخوف لدى الأمهات والآباء تجاه هذا الخطر المتفشى ومن ثم تنامى سعيهم الحثيث من أجل إنقاذ أولادهم من هذا الإدمان الخطير. فى حين أن المراهقين أنفسهم ليسوا قلقين بخصوص الوقت الطويل والمتواصل الذى يمضونه مع السوشيال ميديا. ومنصب الطبيب العام أو «الجراح العام» حسب التوصيف الأمريكى دوره ومسئوليته تقديم المعرفة واتاحة الخبرة من أجل حماية وتحسين صحة وسلامة الشعب الأمريكي.
وكان من الطبيعى أن تباينت ردود الفعل مع هذا التحذير الطبى:
آدم كلارك استس محرر التكنولوجيا لموقع فوكس للأنباء كتب: أن التعامل مع عمالقة تكنولوجيا المعلومات والسوشيال ميديا والعمل بجدية للحد من سطوتهم وجبروتهم أهم وأكثر فاعلية من استعمال تحذيرات لمستخدمى أو مستهلكى السوشيال ميديا.
أما د. ميتش برينستاين كبير العلماء بجمعية علم النفس الأمريكية فذكر فى حديث لصحيفة «نيويورك تايمز» أن طبيعة المحتوى الذى تتم مشاهدته عبر السوشيال ميديا تؤثر أكثر من مدة قضاء الوقت مع الهواتف الذكية.
كتاب ظهر فى شهر مارس سلط الأضواء على هذه الظاهرة الاجتماعية النفسية التى صارت تثير اهتمام وقلق الأمهات والآباء فى الولايات المتحدة وغالبا فى دول أخرى أيضا. الكتاب اسمه The Anxious Generation الجيل القلق. من تأليف جوناثان هايدت عالم النفس الاجتماعى بجامعة نيويورك الذى يرصد ويحاول أن يحلل ويفسر التغييرات التى طرأت على نفس وعقل من أتوا إلى دنيانا بدءا من 1995. وكيف أن السوشيال ميديا بكافة أنواعها انتشرت لدى الأجيال الجديدة الصاعدة ومن ثم تغير ملامح الطفولة والمراهقة ومكوناتها النفسية والعقلية. لذا نحن أمام ظهور وانتشار وباء لمرض عقلى أو لخبطة لما كان الطبيعى والمعتاد من قبل.
مؤلف الكتاب ذكر فى مناقشاته للكتاب أننا يجب أن ننظر وننتبه لما حدث بدءا من 2012 أى بعد خمس سنوات من دخول الـ أى فون فى حياتنا.. وسنتين بعد انطلاق إنستجرام وانتشارها بيننا.
وحسب ما ذكره جوناثان هايدت فإن هناك الزيادة الكبيرة فى استعمال الهواتف الذكية وفى الوقت نفسه نلاحظ مظاهر التمادى وأيضا الحرص على التحكم من جانب الأمهات والآباء لتفاصيل حياة أولادهم.. أدت بلا شك إلى إعادة ترتيب أسلاك دماغ الطفل والمراهق وتفاعله مع كل هذه المؤثرات الاجتماعية والنفسية من حوله. وبالتالى تحدث لخبطة أو دربكة فى دماغه وفى سلوكه.. ويجب أن أذكر هنا أن استعمالى لهذه الألفاظ ليس من شأنه السخرية مما يقال فى هذا الصدد.. بل الابتعاد عن تعقيد الكلمات العلمية إذا تم ترجمتها حرفيا. والتعامل الواقعى فى وصف ما يحدث بالفعل.
الجيل القلق أو الجيل المتوتر أو الجيل الحائر المحير كلها أوصاف أو تعريفات طرحت فى السنوات الأخيرة. ومن ثم كان الحديث عن الوباء النفسى أو العقلى المرتبط بإدمان السوشيال ميديا. كلمة الادمان بلا شك لا مبالغة فيها. وبالطبع هناك أيضا قلق الأمهات والآباء حول سلامة أبنائهم بشكل جنونى مع متابعة كافة تفاصيل حياتهم. بينما غالبا يرفعون الراية البيضا استسلاما لوسائل التواصل الاجتماعى.. وتواصل أولادهم بالساعات عبر الإنترنت.
انه قلق متفشى وسط الأجيال الصاعدة حول ما هو موجود ومتاح وأيضا حول ما يمكن أن يحدث أو يتحقق أو تأتى به الأيام فى المستقبل. ومن هنا نقرأ ونتابع وصف الظاهرة أو الوباء النفسى والاجتماعى المنتشر بينهم سواء كان ما يقال تهوينا مما يحدث أو تهويلا مما نراه أو نشعر به. والنقاش مستمر ولن يتوقف.