الأربعاء 23 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

30 يونيو حائط الصد عندما أوقف المصريون عجلة النار

صدق الرئيس عبدالفتاح السيسى حين وصف ثورة 30 يونيو بأنها أرقى صيحات التعبير عن الانتماء والولاء للوطن فهى ثورة لم تكن لحظة عابرة عبر فيها المصريون عن غضب أو سخط أو امتعاض بل كانت أرقى صيحات التعبير عن أقوى الثوابت المصرية وأشدها رسوخا وأكثرها نبلا وهى الانتماء للوطن والولاء للأرض المصرية.



 

ورغم مرور 11 سنة على ثورة الـ30 من يونيو التى فجرت طاقات وإبداعات الشعب المصرى، وأخرجته من نفق مظلم, فإننا ما زلنا نجنى ثمارها.. حيث حققت العديد من الانتصارات للدولة المصرية داخليا وخارجيا.. وكانت بمثابة حائط الصد أمام استكمال تدمير دول المنطقة وأجهضت مخطط إشعال الحرب الأهلية ومحاولات تغيير الهوية المصرية.

 كما دمرت مشروع فصل سيناء وتوطين الفلسطينيين بها وفقا لمشروع «جيورا إيلاند» مستشار الأمن القومى الإسرائيلى السابق الذى أعلنه فى يناير 2010 تحت عنوان البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين، وعرفت فى الصحافة الغربية باسم صفقة القرن.

 

 

 

كما غيرت ثورة 30 يونيو بوصلة المشهد السياسى فى مصر والمنطقة العربية طبقا لمخطط «برنارد لويس» صاحب مشروع الشرق الأوسط الجديد وكذلك خرائط «رالف بيترز» نائب رئيس هيئة الأركان للاستخبارات العسكرية الأمريكية تحت مسمى خرائط الدفن ضمن كتاب «لا تترك القتال أبدا» لإعادة هيكلة الشرق الأوسط وتحويله لدويلات ذات توجهات دينية ومذهبية وطائفية حتى يمكن السيطرة عليها.

ودعونا نعيد التفكير فى حقيقة ما سمى «بثورات الربيع العربى» باستثناء الثورة المصرية الثانية 30 يونيو 2013 التى أنقذت ليس مصر فقط، إنما أنقذت العالم العربى من إعادة تشكيل المنطقة بما يحقق مصالح الدول الكبرى فى حلمها الكبير الذى لم يتحقق لها، وهذا الحلم هو مشروع الشرق الأوسط الكبير والذى خطط له منذ فترة طويلة .. وتم الإشارة إليه صراحة فى مذكرات هيلارى كلينتون.

ودعونا نطرح معا تساؤلا يقول: كيف يمكن لمجموعات من الشباب المراهقين تظهر فى شوارع عواصم بعض الدول العربية وترفع الأعلام مطالبة بإسقاط أنظمتها السياسية، وتقوم بأعمال التخريب والنهب والسلب، وترمى رجال الأمن بزجاجات المولوتوف معلنة عن قيام ثورة؟

 وفى خلال أسبوع أو أكثر يسقط نظام سياسى فى هذا البلد العربى أو ذاك! كان يجب علينا أن نتساءل منذ البداية عن حقيقة ما يحدث، والذى لا تزال بعض الدول تعيش مضاعفاته مثل ليبيا واليمن.. نعم كان من المفروض علينا أن نطرح التساؤلات حول ما جرى ليس لأننا مع أو ضد هذا النظام أو ذاك ولكن التساؤل واجب!

بالتأكيد لا نريد أن نفكر فى الماضى فقد حدث ما حدث ولا بكاء على اللبن المسكوب!.. كل ما أريده الآن هو التفكير بجدية فيما سمى بالربيع العربى وارتباطه بمشروع الشرق الأوسط الكبير والذى يؤكد أن هناك أطرافا إقليمية ودولية هى من حركت وتحرك خيوط اللعبة والتى لا تزال مستمرة فى عالمنا العربى إلى الآن.

 

 

 

وبنظرة سريعة على بعض دول المنطقة العربية- اليمن، العراق، السودان، ليبيا، سوريا، لبنان- سنرى كيف تعيش فى حالة حروب أهلية وإرهاب جماعات ودول.. والمواطن العربى فى حالة قلق وتوجس وتوتر من كل ما يجرى حوله بسبب التكتم الإعلامى أولا، وثانيا على ما يجرى حوله من حروب أهلية وأعمال إرهابية حيث أصبحت حقيقة وواقعا يعايشه فى مسلسل تطور الأحداث فى عالمنا العربى.

لقد تداعت علينا منظمات من مختلف الجنسيات والتوجهات دينية وسياسية من كل صوب وحدب، وجماعات مسلحة تظهر علينا بين يوم وآخر ولا ندرى عن حقيقتها وولاءاتها وانتماءاتها.. فيوم نسمع عن جبهة النصرة، وبعدها نسمع عن أنصار الشريعة، وآخر صيحة تنظيم «داعش» الذى مد نفوذه فى وقت من الأوقات من سوريا إلى العراق وحاول فى سيناء, وكالعادة أمام مصر تنكسر كل الأشياء، ارجعوا للتتار والحملات الصليبية وتاريخ الحروب المصرية .. فدائما هى مصر التى تقف وتصد العدوان وتوقف زحفه إلى بقية الدول العربية.

وعلينا هنا أن نطلق سؤالاً آخر: ماذا لو لم تنجح ثورة الـ30 من يونيو؟

مجرد التفكير فى الإجابة مرعب ومفزع أكثر مما نتخيل. كنا سنصبح فى يوم ما فإذا بدولنا العربية قد تم تقسيمها إلى دويلات وتحقق ما يسمى بمشروع الشرق الأوسط الكبير ليس فقط لأن «هيلارى كلينتون» قد كشفت عنه فى كتابها «خيارات صعبة» قائلة: «كنت قد زرت 112 دولة فى العالم، وتم الاتفاق مع بعض الأصدقاء بالاعتراف بـ(الدولة الإسلامية) حال إعلانها فورا وفجأة تحطم كل شىء، كل شىء كسر أمام أعيننا دون سابق إنذار.. شىء مهول حدث!! 

فكرنا فى استخدام القوة ولكن مصر ليست سوريا أو ليبيا فجيش مصر قوى للغاية وشعب مصر لن يترك جيشه وحده أبدا». 

ما كتبته هيلارى كلينتون يجعلنا نقر بما لا يدع مجالا للشك بأن هناك مشروعا لتقسيم المنطقة.. فلم تمر الدول العربية فى تاريخها الحديث والمعاصر بظروف سياسية وبموجة حروب طائفية وغير طائفية مثل ما تمر به الآن فلننظر حولنا لنرى أن أغلبية الدول العربية تعيش حالة من عدم الاستقرار السياسى والأمنى، وحروبا أهلية لم نشهدها من قبل، ولو رسمنا خريطة بانورامية عن دولنا العربية فى حالتها الراهنة لتوصلنا إلى حقيقة أن هناك مشروع تقسيم قادما للمنطقة، بل وقد يكاد يصبح أمرا واقعا لا يقل خطورة عن خريطة «سايكس بيكو»، وبعد أن كنا نستبعد من يتحدث عن نظرية المؤامرة، أصبح العكس هو الصحيح؛ فهناك فعلا مؤامرة على هذه الأمة لا محالة.. ولولا ثورة 30 يونيو وتصدى الجيش المصرى لهذه المحاولات وعرقلة ما يحدث بخطوط حمراء يعلنها صراحة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى العديد من الملفات مثلما حدث فى ليبيا وفى محاولات تقسيم السودان وأخيرا فى الحرب على غزة لكنا اليوم نرى عملية التقسيم رؤى العين ونعيشها بألم وحسرة.

 

 

 

ولتعلم بشكل دقيق ما فعلته ثورة 30 يونيو.. استعرض المشهد وقتها سترى الأخطار التى كانت وما زالت تحدق بالمنطقة؛ ففى ليبيا جماعات مسلحة وانشقاقات وحكومتان وتهجير للسكان من منطقة إلى أخرى، وفى العراق وسوريا داعش كانت تسيطر وكل يوم تفتح أرضًا جديدة وتواصل طريقها نحو ما أسمته الدولة الإسلامية.. وفى لبنان يحاولون تصدير الثورة السورية بافتعال حرب طائفية فى طرابلس.. وفى فلسطين حتى اليوم تشن إسرائيل حرب إبادة على سكان غزة، وتطفو على السطح محاولات تهجير السكان لتفريغ القضية من محتواها وتضيع فلسطين للأبد .. وفى اليمن يحاصر الحوثيون صنعاء بدعم من إيران.

ثورة الـ30 من يونيو ساهمت بقوة فى استعادة مصر دورها الريادى إقليميا ودوليا، ونفضت عن نفسها عباءة التقزم التى حاولت الجماعة «الإرهابية» أن تلبسها لها .. وكانت نقطة انطلاق لكثير من دول الجوار العربى، التى انتفضت أيضا ضد المشروع الإخوانى الذى كان قد كشف ملامحه وتحدث عنه قيادات الجماعة بتجاهله لحدود الدول، وإن كانت بعض الدول العربية اتخذت الخطوة المتأخرة فى إدراك ما تشهده المنطقة من محاولات إقليمية بزرع جماعات التطرف على رأس الأنظمة العربية، لكن فى النهاية كانت فى الموعد بعدما تيقنت أن المنطقة العربية كانت ستتحول إلى فوهة من البركان تسيطر عليها الميليشيات والجماعات الإرهابية فى حالة استمرت جماعة الإخوان فى حكم مصر وتوغلت أكثر فى عمق المجتمع العربى.

كما كان لثورة 30 يونيو تأثير إيجابى على السياسة الخارجية.. حيث استطاعت الدولة تحقيق المعادلة بنجاحها فى تحقيق التوازن الإقليمى والدولى، ومواجهة تحديات الداخل والبدء فى آلية جديدة وواضحة لإعادة توازنها وعلاقتها بالعالم الخارجى.

 

 

 

وبدأت سياسة مصر الخارجية فى الاتضاح أكثر بتبنيها التعاون مع الدول الصديقة وفتح مجال لتعزيز العلاقات مع الأخرى بناء على تحقيق مصالح الشعب المصرى لتحصل بعدها على العضوية غير الدائمة بمجلس الأمن الدولى لعامى 2016 – 2017، ويتم اختيارها لتكون رئيسة للاتحاد الإفريقى فى عام 2019 إلى جانب مشاركتها الفاعلة والفعالة فى عمليات حفظ السلام الأمن والسلم الدوليين وتحقيق استقرار شعوب العالم.

وفيما يخص القضايا الإقليمية كانت لمصر رؤية ثاقبة أعادت للمنطقة العربية توازنها بعد أعوام من الانحراف، وأثبتت أن الدولة المصرية تتعافى بنجاحها فى عدد من الملفات الدولية، وكان من أبرزها ملف مكافحة الإرهاب وقضايا المناخ وحقوق الإنسان وملف أزمة اللاجئين والحد من انتشار السلاح النووى.. حيث كانت لها الكثير من المداخلات إذا كان فى الجامعة العربية أو الأمم المتحدة أو مجلس التعاون الإسلامى التى كشفت عن رؤيتها فى هذه الملفات.

وعادت مصر بعد 30 يونيو مثلما كانت فى الماضى عاملا مهما ومؤثرا فى استقرار الوطن العربى عموما ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص.. فهى الدولة العربية الأكثر اكتظاظًا بالسكان، ولديها أقوى جيش عربى، وتحتل موقعا جيوستراتيجيا بارزا ..كما أن استقرار نظام حكمها يكتسى أهمية لدى الدوائر السياسية الغربية فى منطقة تموج بالفوضى والتوترات فيما بين دولها والصراعات الداخلية كنتيجة مباشرة لما أطلق عليها «ثورات الربيع العربى» لعام 2011،ناهيك عن الصراع الفلسطينى-الإسرائيلى المزمن. 

 

 

ويتفق الرأى العام المصرى والعربى والدولى فى تقييم 11 سنة من تصدر الرئيس عبد الفتاح السيسى المشهد السياسى فى مصر على أنه أعاد الاستقرار إلى مصر وأنقذها من السقوط فى براثن حكم ذى أيديولوجية مستبدة كانت ستودى بالبلاد والعباد إلى سيناريوهات اقتتال داخلى قد تكون شبيهة بما شهدته الجزائر فى تسعينيات القرن الماضى وسوريا بعد 2011.

 

 

 

ويؤكد المتابعون والخبراء أن تدخل الجيش آنذاك أعاد لمصر هيبتها فى المنطقة العربية فى سياق إقليمى مضطرب رغم التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية الهائلة.