22 عامًا من الإبداع
حوار: هايدى فاروق- تصوير: شريف الليثى
على طريقتنا الخاصة قررنا فى مجلة صباح الخير الاحتفاء بالدكتورة عزة بدر الكاتبة الصحفية بالمجلة ونائب مقرر لجنة السرد القصصى والروائى بالمجلس الأعلى للثقافة والحاصلة على جائزة الدولة للتفوق فى الآداب هذا العام 2024 بشكل خاص.
دكتورة عزة بدر لم تتوان فى يوم عن تقديم مساعدتها المهنية لأى من أبناء جيلنا وساعدت كثيرًا من جيل شباب مجلة صباح الخير من الكتاب والمبدعين والمبدعات، فضلًا عن تقديمها لكل ما هو قيم وثمين، حيث نشرت على صفحات المجلة عددًا كبيرًا من الموضوعات الصحفية والحوارات المهمة مع كبار المثقفين وحصلت على العديد من الجوائز، وكيف لها ألا تحصد هذه الجوائز وهى ابنة مدينة دمياط تلك المدينة التى يمتاز أهلها بالجد والتفانى فى العمل.
لذلك قررنا أن يكون حوارنا مع الدكتورة عزة بدر عن نشأتها منذ الصغر واكتشاف إبداعها ورحلتها الطويلة فى بلاط صاحبة الجلالة ودور الأسرة فى دعم أطفالها ممن يملكون سمات التفوق كى يحصدوا فيما بعد الجوائز. وكيف استطاعت أن تنجح فى عملها الصحفى والأدبى.. وتحصد الجوائز فى كليهما وأن تختار بعين فاحصة كل ما هو ثمين ونادر لتلقى عليه الضوء، فكان البحث فى قصص نجيب محفوظ المجهولة وغيرها من الدرر التى فطنت لها.
عندما سألت الدكتورة عزة بدر عن هذا الفوز وما تحمله هذه الجائزة رفيعة المستوى من مهام ستلقى على عاتقها فى المستقبل كانت الإجابة أنها لا تفكر فى نفسها فقط بل تفكر فيما ستقدمه للأجيال الجديدة كى يحصدوا بعد سنوات مثل هذه الجوائز التى تعلى من قيمة الوطن.. مؤمنة بأن المبدع لديه واجب وطنى يتمثل فى العمل العام.
فالدكتورة عزة بدر خرجت من إطار المثقف المعلب الذى يتحدث فقط بنظريات جاهزة لتقدم يد العون وتكتشف وتحفز كل ما هو قيم وثمين وهى تفعل هذا الدور منذ سنوات ومنذ عام 2006 من خلال ندوة «تواصل» التى تشرف عليها هى ندوة تعقد شهريًا تهتم بتواصل الأجيال والفنون.
يعرض فيها الشباب إبداعاتهم والتى لا تقتصر على الشعر أو القصة بل تمتد للموسيقى والنقد الأدبى والرؤى الفكرية.. وإلى نص الحوار:
• فى البداية ما شعورك بعد الفوز بجائزة عريقة وهى جائزة الدولة للتفوق فى الآداب لعام 2024.. وماذا يضيف لك تكريم الدولة واحتفائها بإبداعك وتفوقك؟
أنا سعيدة جدًا بفوزى بجائزة الدولة للتفوق فى الآداب لعام 2024 وهى تمثل قيمة كبيرة جدًا لأى مبدع لأنها من الدولة المصرية التى تكرم أبناءها المبدعين وعلماءها وقد سبق لى أن حصلت على جائزة الدولة التشجيعية فى 2002 عن كتابى: «أم الدنيا صورة قلمية للقاهرة والناس» وقد حفزتنى هذه الجائزة لاستمرار مشوارى الأدبى على مدار 22 عامًا.. وفوزى هذا العام سيكون دافعًا لتطوير أدبى وإنتاجى وهذه الجائزة تشكل حافزًا لاستكمال عملى العام من تشجيع المبدعين والموهوبين فى مجال الأدب من خلال ندوة تواصل شباب المبدعين مع الأدباء الكبار وتضم تنوعًا فنيًا ما بين القصة والشعر والموسيقى وهذا المزيج الثقافى الرفيع مع الوقت يصنع تيارًا يؤثر فى التذوق الجمالى الأدب والفن.
• هل الأديب دائمًا فى حالة كد وعمل وتطوير لإنتاجه حتى ولو نال أكبر الجوائز؟
- كل مبدع يحصل على جائزة من الدولة هى بمثابة مسئولية كبيرة لا بد أن يكون على قدر هذه المسئولية عليه أن يطور أدبه ويكون على اطلاع واسع بما يحدث حوله وأن يفتح آفاقاً جديدة ويشجع المبدعين الجدد كل مبدع له دور فى العمل العام.. فمن المهم أن يكون المبدع أو المثقف له علاقة وثيقة وطيدة بالمجتمع، فالدأب والمثابرة ورفعة الوطن وتعزيز العمل الثقافى هى مسألة جوهرية.
• كيف أثرت النشأة فى مدينة دمياط حيث البحر والتفرد والعمل الدءوب على شخصيتك وإنتاجك الأدبي؟
- وجودى فى مدينة دمياط وأنا أسميها مدينة العمل حيث يعمل كل الناس بجدية، فورش النجارة كانت تظل تعمل حتى الصباح، الصيادون على الشواطئ من الصباح الباكر يمارسون عملهم.
كل مكان كان فيه جدية وعمل وسهر فعّال، وقد تعلمت هذا العمل الجاد والسهر الفعّال والذى يرتبط بمحبة العمل، تأثرت بالبحر، فمنزلنا كان يطل على بحر النيل كما يسميه أهل دمياط.
وكنا نذهب لرأس البر فى المصيف ونشاهد البرزخ حيث التقاء الماء المالح بالماء العذب وهذا اللقاء الفريد كان يؤثر فى أدبى وفى خيالى وهو جزء من معجزات الطبيعة وقد شعرت أن الإنسان أيضًا يمكنه أن يحقق هذا التفرد.. وتأثرت كثيرًا بالبحر فى قصصى وكتاباتى وقد أصدرت مجموعة قصصية حملت عنوان «موجه دافئة» وقميص البحر.. وأول ديوان لى صدر عن روزاليوسف كان بعنوان ألف متكأ وبحر1989.. وتأثرت بأساطير البحر ومن كتب عنه أصبح جزءًا من وجدانى أسير بجواره أحدثه ويحدثنى وتعترينى مجموعة من المشاعر عندما أسير بجانبه ومنزلى فى مدينة دمياط كان بجانب مبنى المحافظة، فكنت أسير على شاطئ النيل حتى آخر امتداد له وكان هذا يتيح لى الإلمام بمعالم المكان فكنت أرى حديقة بنت الشاطئ وهى بنت دمياط وكنا ونحن أطفال نمضى حولها وحتى مدرستى كانت اسمها بنت الشاطئ.
• حدثينا عن دور الأسرة فى صقل موهبتك وبناء شخصيتك؟
- تمتعت بأسرة داعمة لأدبى منذ الطفولة وكان أبى رساماً يحضر لى الألوان وصنعنا مجلة ورقية فى المنزل وكان اسمها (صبيان وبنات) وكنت أكتب فيها قصصًا قصيرة ونشارك فيها جميعًا ونلونها بألوان الشمع..أيضًا المدرسة كان بها جماعات كالكشافة والجماعة الصحية وكان هناك جماعة الموسيقى وجماعة الصحافة المدرسية وكنت فى الابتدائى رئيس جماعة الصحافة المدرسية.
ومنذ أن كنت طفلة بدأت أفكر فى العمل الصحفى والكتابة وكان الطريق ممهدًا لمسيرتى الصحفية وكانت محافظة دمياط تتمتع بوجود مكتبتين من أكبر المكتبات العامة إحداهما مكتبة المحافظة وكانت بجانب منزلى فكنت أقرأ وأكتب ملاحظات ومراجعات فى دفترى عن الكتب وكان أمين المكتب الأستاذ رجائى مثقفًا كبيرًا يختار عناوين الكتب التى تناسبنى فى كل مرحلة.. وفى هذه الفترة اصطحبنى والدى إلى قصر ثقافة دمياط وكانت تعقد ندوة كل يوم اثنين تستضيف كبار أدباء المحافظة.. فاستمعت إلى محمد أبو العلا السلامونى الكاتب المسرحى الكبير ومحمد الشربينى، وشعراء العامية النبوى سلامة ومحمد العتر والسيد النماس الذى كان يكتب شعر الفصحى والشاعر محروس الصياد شاعر عامية والسيد الغواب وكان الشاعر سمير الفيل يشرف على نادى الأدب ويهتم بالمتابعات الثقافية.
وكنا نناقش الكثير من القصص والروايات العالمية وقدمت عدة مراجعات نقدية للأعمال الأدبية وسافرت لتمثيل دمياط فى أكثر من محافظة وبترشيح من نادى الأدب فى دمياط وهذه الكوكبة من أدباء دمياط كونت جمعية أدبية.. أصدرت مجلة رواد ومجلة عروس الشمال وأرسلت هذه المجلات للكاتب الكبير مصطفى أمين وذهبت لأجرى معه حوارًا عندما كنت طالبة فى الجامعة لمجلة حائط الكلية وذكرته برسالته لهيئة تحرير مجلة نادى الأدب بدمياط، فقال مبتسمًا أنت إذًا عروس الشمال.
وكان الشاعران صلاح عبدالصبور ومصطفى عبدالرحمن يستمعان إلى أشعارى وتعجبهما عندما قابلتهما فى القاهرة فى الهيئة العامة المصرية للكتاب عندما كان عبدالصبور رئيسًا لها وأجريت معه حوارًا لمجلة الجامعة وراقت لهما أشعارى، ولا أنسى فضل مجلة صباح الخير فى صباى.. أبى كان يحضر مجلات كثيرة كان من بينها صباح الخير والتى كانت تضم كتيبات صغيرة كان صاحب فكرتها الفنان حسن فؤاد فيها رسومات بديعة ملونة وقصص تشبه ألف ليلة وليلة وكانت معى طول الوقت أقرأها بنهم بجانب مطبوعات أخرى من دار الهلال كنت أقصص القصص المترجمة منها والمسرحيات والسير الذاتية وأكتب ملاحظات ومراجعات نقدية وأصمم أغلفة وألونها.. وأتذوق كثيرًا من الأعمال.
• تكتبين أنواعًا مختلفة من الأدب الشعر والقصة القصيرة والرواية بجانب النقد الأدبى أيها تفضلين؟
- كتبت الشعر منذ بدايات مبكرة وأيضًا الملاحظات والمراجعات والنقد الأدبى وشاركت فى فعاليات داخل محافظة دمياط وخارجها منذ الصغر وعندما استقريت فى القاهرة كتبت القصص القصيرة وفزت فى عدة مسابقات لنادى القصة الذى أسسه الأديب الكبير يوسف السباعى وطبعت أول مجموعة قصصية «أعناق الورد» عن طريق اتحاد الكتاب هذه الدفعات التى توالت حفزتنى على الاستمرار فى مختلف ألوان الأدب ووجدت أنها كلها تؤدى لطريق واحد هو الكتابة المبدعة الصادقة فلم أتخل عن أى منها.
• كيف حللت إشكالية التداخل بين العمل الصحفى والعمل الأدبى؟
- حقيقة لم أشعر بهذه الإشكالية لأنى عملت فى مدرسة روزاليوسف وصباح الخير نكتب بحرية حتى عندما كنا نكتب تحقيقًا صحفيًا أو نكتب حوارًا اللمسة الفنية واللمسة الشخصية كانت حاضرة.. وروزاليوسف كانت صاحبة الفضل فى تألق عدد كبير من الأسماء البارزة والقامات الأدبية كصبرى موسى وعلاء الديب وزينب صادق وفوزية مهران وصالح مرسى وعبدالفتاح رزق وعبدالله الطوخى ومنير مطاوع، وكانت نهاد جاد تكتب المسرح وبعض روايات زينب صادق تحولت لأعمال سينمائية الحقيقة أن وجودى فى هذه الكوكبة ومشاركتى لكل من الأستاذة زينب صادق والأستاذ صبرى موسى تحرير باب نادى القلوب الوحيدة أفادنى وكان الفنان تاد يرسم رسومات بديعة لبوح القراء ونهتم بمشاكل القراء ليست العاطفية فقط ولكن الباب كان مساحة للبوح الإنسانى.
ثم عهد لى الكاتب الكبير صبرى موسى أن اختار قصائد لأهم شعراء جيلى للنشر فى هذا الباب وكان هناك ورقة شجر رسمة مصاحبة للباب اختار لها بيتًا شعريًا، فكنت أختار من أشعار محمود درويش وأحمد عبدالمعطى حجازى، وأشهر الشعراء كنت متعهدة بسقى ورقة الشجر بالشعر، وكان الفنان تاد يشارك بالرسومات وأنا نفسى نشرت فى باب القلوب الوحيدة مقطوعات من الشعر، وتبادلت الحوار والأفكار مع القراء وكان بابًا ناجحاً جدًا وكانت أوراقه ملونة بخلاف أوراق بقية المجلة، لهذا أنا استفدت من الصحافة فى مسيرتى الأدبية والفكرية، أجريت مناظرة، ففى وقت من الأوقات عملت فى مجلة روزاليوسف مع الأستاذ فتحى غانم عن اليسار الإسلامى بين أستاذ الفلسفة حسن حنفى والدكتور محمد عمارة، وكانت هذه المناظرة هى أول غلاف ينشر لى فى مجلة روزاليوسف. ومثل هذه الحوارات كانت إثراء لرؤيتى الفكرية ودعم هذا كل من عملت معهم كرؤساء تحرير لمجلة صباح الخير بداية من الأستاذ لويس جريس ورؤوف توفيق ومفيد فوزى ورشاد كامل ومحمد عبدالنور ومحمد هيبة والشاعر جمال بخيت وطارق رضوان ووليد طوغان هذه الرحلة مع الكتاب الكبار زودتنى بخبرة صحفية وشجعونى على الانطلاق فى عالم الصحافة.
إن كتابى الذى حصل على جائزة الدولة التشجيعية عام 2002 «أم الدنيا صورة قلمية للقاهرة والناس» هو مقالات كتبتها لمجلة صباح الخير، وكتاب «الحب فى الرواية العربية» نتاج مقالات أدبية بعضها نشرت فى صباح الخير، فرحلتى الأدبية اقترنت بالصحافة.
• ما طقوسك عند كتابة القصة والشعر؟
- أكتب ويدى دافئة بمعنى أن يكون لدى لقطة أو مشهد مؤثر يذهب ويجىء ويظل مشهدًا لافتًا يجبرنى لأجلس وأكتبه، وبالمناسبة فكتابة الشعر يمكن أن تكون البداية بيتًا أو بيتين ثم تتواتر الأبيات بشكل انسيابى متدفق وبحرارة.. طالما وجد هذا الشعور العميق عملى بصفة عامة يعتمد على اكتشاف رؤية جديدة، فقد كتبت كتابين عن نجيب محفوظ هما الحياة فى مقام الحيرة قراءة فى قصص نجيب محفوظ المجهولة والثانى سحر المنابع الأولى فى قصص نجيب محفوظ المجهولة.
قمت بتحليل القصص الأولى لنجيب محفوظ الاولى التى لم يجمعها ولم تنشر فى كتبه واعتبرها النقاد مرحلة تاريخية.. نجيب محفوظ لم يكن معترفًا بقصصه الأولى لكنى رأيتها جميلة وبها بذور إبداعه فكان يحول الروايات لأفكار قصص قصيرة وليس العكس، فالوقت الذى كان ينشر فيه كان فيه صعوبة فى نشر الروايات وأضطر لتحويل الروايات لقصص فوجدت شخصيات عديدة فى رواياته تحولت لقصص قصيرة، فمثلًا شخصية عايدة فى رواية قصر الشوق هى نفسها سوسن بطلة قصة الذكرى كان يستضيف الأشخاص من عالم الرواية لعالم القصة.
تعلقى بدراسة المجلات الأدبية فى رسالتى للماجستير والدكتوراه عرفنى أن دراسة الأدب من خلال المجلات الأدبية ضرورة للتأريخ حيث تعتبر المجلة الأدبية وثيقة تاريخية.
• هل الاستقرار الأسرى مهم للمبدع؟
- الاستقرار مهم ويجعل الأديب يتفرغ لعمله وإبداعه ففى داخل الأديب صخب داخلى وعوالم تتحرك بحيوية وأشياء كثيرة تتطور وما بين الاستقرار وبين عنفوان أحلامه وطموحاته ومشاعره تجاه نفسه وتجاه العالم هذه الثنائية يحاول المبدع أن يختار أفضل وأجمل ما فيها كالدر فى الصدف.