حديث فى الجدل الأزلى: الحب بالقلب ولا بالعقل
مش كل حد يستاهل حبى!
نهى العليمى
فى مقالة نشرت فى الموقع الأمريكى «سايكولوجى توداي» تحت عنوان: «العقل يغير تركيبة الدماغ» كتبها طبيب الأعصاب إريك هاسيلتين يوضح ما يحدث فى حالة انجذابنا لشخص بأن هناك هرمونات معينة يتم إفرازها من الغدة النخامية تتسبب فى هذا الانجذاب العاطفى ثم بعد وقوعنا فى الحب يستطيع أن يغير الطريقة التى تعمل بها أدمغتنا للأفضل وبصحة جيدة. أما فى الصين وتحديدًا فى جامعة ساوث ويست فقد قام مجموعة من الأطباء تحت إشراف الدكتور هونجوين سونغ بالتصوير بالرنين المغناطيسى للدماغ لثلاث مجموعات من الناس.. أولهم من يعيش فى حالة حب ومجموعة انتهت من علاقة عاطفية وثالثة لم تكن فى حالة حب وكانت النتائج كالتالى:
إن أنشطة أدمغة كل مجموعة تختلف من مجموعة للأخرى عند ذكر موضوعات عن الحب والمشاعر فتتأثر مناطق فى الدماغ مسئولة عن الحب والتعلق العاطفى مما يؤكد أن العمليات المسسولة عن الحب تجرى تأثيرًا فى النشاط الدماغى، نتيجته يشعر بها القلب من تسارع الدقات، أو التعرق فالسبب المباشر هو المخ».
وبعيدًا عن الدراسات فإن من يحب وإن كان المخ هو المسئول عن إحساس العشق والهوى.. إلا أن اختياراته قائمة على شعوره فقط لاغيًا حسابات العقل تمامًا وهو ما نسميه «الحب بالقلب» وهناك العكس.
جدل لا ينتهى حول الحب بالعقل أم بالقلب، صراع أبدى ما بين أنصار العقل الذى يميز الإنسان، ويتحكم في أهوائه وغرائزه.. والقلب ودقاته التى لا تكذب عندما تتعالى معلنةً التمرد على حسابات العقل فلا يقنعها إلا قرب الحبيب، مهما رفضه العقل.
لا توجد حقيقة واحدة يتوافق عليها الجميع.. فيتساقط الضحايا من الجانبين؛ فهناك من ندم على تغليب مشاعره، وقال «مراية الحب عميا»، ومنهم من أقر أن العقل واختياراته حرمته من أحاسيس جميلة لم يذق حلاوتها!!
خلال السطور القادمة طرحنا التساؤل «لمن الغلبة فى الحب.. للقلب أم للعقل؟».
عاقل جدًا؟!
اقتربنا من جيل الشباب لنعرف كيف يفكر وما الذى يحرك مشاعره:
«الحب بالعقل طبعا» هكذا وبدون تردد بدأت معى حديثها سجود كرم 20 سنة طالبة بكلية الفنون الجميلة.
وأكملت بثقة «جواز الصالونات أنجح وهو ما ثبت بالتجربة، لأن الحب بيعمى الإنسان عن عيوب الآخر، فيتغاضى الشاب عن عيوب حبيبته التى يحبها بقلبه حتى وإن كانت عيوبا سامة مؤذية، فيرضى أنه يكمل حياته ويتجوزها وتصبح حياتهما تعيسة».
الحب إحساس متغير، وما ينفعش نبنى علاقة ثابتة على أساس متغير!! ذُكر فى القرآن إن المشاعر بين الطرفين لبيت صالح هى المودة والرحمة ما ذكرش الحب، أكيد ربنا لو عايز يذكر الحب هيذكره! لكن لإنه متغير فأنا اليوم بحب فلان بكرة ما بحبوش، بعده فى بينى وبينه مشاكل وعلاقتنا متوترة.. ما يدوم هو الرحمة، وإحنا متخاصمين بنعامل بعض إزاى؟ فى تراحم بينا ومودة ورأفة ؟!».
تضيف سجود «أحب الشاب المتوافق معايا فكريا ثقافيا اجتماعيا تكون عيوبه مقبولة بالنسبالى، ويكون بيعامل أهله ببر وحنية.. كل ده بنستخدم فيه العقل عندما استقر عقليا أن الشخص ده مناسب ليا وقتها يظهر دور الحب، وهحبه ساعتها لإنه شبهي؛ اهتماماتنا، وأهدافنا وثقافتنا وتعليمنا ودماغنا واحدة لكن لو ماحبتهوش «بلاش منه».. هى مسألة ترتيب: العقل أولًا ثم القلب».
وتوافقها الرأى سارة ممدوح 22سنة طالبة فى كلية الهندسة فتقول: «إذا تركت مشاعرى تتحكم فى قد أنجذب لشخص غير مناسب ولو كنت بحبه ممكن بعد فترة أكرهه لصفات فيه أو مشاكل بيننا العقل هو من يحدد إمكانية استمرارية الحب، وقد أوافق على الارتباط بشاب تفكيره ومستقبله وتربيته وإمكانياته مناسبة لى، ويزيد حبى له لأن عنده من الاحترام لى ولأفكارى ولتقاربنا الثقافى والاجتماعى، وأرفض شاب منجذبة له جدا عاطفيًا ولكن بحسابات العقل محكوم على علاقتنا بالفشل لفارق اجتماعى أو أخلاقى أو اختلاف قيم ومبادئ.
هذا فى رأيى يكون انجذابا وقتيا لخفة دم أو شكل، أو مواقف قربت بيننا ولكنها علاقة محكوم عليها بالفشل «فليه أوجع قلبي؟؟!!!»
أما بسملة 20 سنة طالبة فى كلية الفنون الجميلة فقالت: «الحب مشاعر راقية وعميقة، معتقدش أننا مسئولين عنها فهى نابعة من «القلب»، بس لازم العقل يكون موجود من وجهة نظرى لأن فيه حاجات أو معايير ببساطة لو مش متحققة ساعتها الحب «ملوش لازمة» ومش هيدوم وهيضرنى أكتر ما هينفعنى».
وتكمل: «مينفعش أحب إنسان فيه صفات أنا بكرهها، أو عادات مش مقبولة أو قناعات جوهرية مش متفقة مع قناعاتى.. كنت زمان مؤيدة لفكرة أن الحب مش مشروط، بس حاليا أنا ضدها تمامًا.. مش أى إنسان يستاهل حبنا!».
وقال أحمد عادل 26 سنة خريج كلية التجارة: «القلب والعقل متلازمان فى أى علاقة مهما طغى واحد على الآخر فهى دائرة متواصلة لا نعرف أيهما من بدأ العقل أم القلب؟.. علاقة معقدة الاتنين طرفين أساسيين ولكن عن نفسى قلبى هو من يختار أولا ويأتى العقل ليؤكد إحساسى أو لينفيه، والمخطوظ من يستطيع التوفيق بينهما».
ندى محمود 23سنة طالبة بكلية طب أسنان ترى أن القلب يجب أن يسبق العقل بخطوتين.. فتقول: «لو اخترت الشخص المناسب بعقلى من حيث الإمكانيات أو الوظيفة أو الشكل إذا ذهبت أى من هذه المميزات التى قربتنى منه، أو حدثت مشاكل بيننا، من المؤكد لن أكون سعيدة معه، لكن الحب هو ما يهون المشاكل ويصغرها، ويوجد الود وبصنع الذكريات ويقوى العلاقة مهما حدثت مشاكل أو ظروف.
«بالطبع العقل آه مكان مهم ولكن الحب أولًا فبالبحب كل شىء يصبح سهلًا وبدونه كل شىء مهما بدا مثاليًا سيصبح بلا طعم».
عن خبرة
تجربة حقيقية عاشتها ن. م 44 سنة تعمل محاسبة فى أحد البنوك زوجة وأم لولدين وصفت نفسها بـ«المخدوعة من عقلها» قالت: «فى منطقة المشاعر العقل يكون خداع يوهمك أنك تحب بمقاييسه وحساباته، ولكن عن تجربة تستيقظ يوما لتشعر بأنك كنت فى خدعة كبيرة».
تكمل: «ببساطة سعادتك كانت محكومة بمقاييس مجتمع وليست مقاييسك، عندك بيت وعربية وأولاد فى جامعات محترمة، أى اعتراض يعد بطرًا فلا يرى أحد حياتك الجافة، وتتنبه أنك كنت فيما يشبه الشراكة التجارية التى تقوم على «خد وهات».
تقول: «تبدأ القصة بالعريس الجاهز المناسب، فلا تجرؤى كفتاة عشرينية صغيرة أن ترفضى فالرد» إنتى عبيطة دا عريس لقطة وهتحبيه مع الوقت «يمر الوقت وتعدى السنين وتقفى لتقيمى حياتك فى لحظة مفصلية، وفى رأيى هذه اللحظة هى السبب الرئيسى فى العديد من حالات الطلاق من صديقاتى حولى.
فغياب الحب والانشغال أولا فى طلبات الزواج، ثم الحمل، ثم الأولاد ومدارسهم وتخرجهم تنسينا الهدف الحقيقى من الزواج الحب والأنس والمودة، فبعد أن تهدأ عاصفة الالتزامات تبدأ المشاكل فى الظهور لانعدام العاطفة التى كان من المفترض أن تزيد على مدى السنوات الماضية، لذا أنا مع الحب من القلب ثم القلب ثم القلب.. وكل شىء يهون «وكله بيعدى» المهم يكون الحب موجود».
وقال رامى محمد رجل أعمال 52 سنة زوج وأب لثلاثة أولاد: «القلب والعقل لا يتعارضان قد يسبق أحدهما الآخر لكن فى رأيى أنهما ضروريان لنجاح العلاقة.. ففى بداية حباتى أنا وزوجتى تعرضت لأزمة صحية ومادية وأظن أنه أن لم يكن الحب بالقلب أولًا لكانت حسابات العقل منعت استمرار زواجنا، فالحياة مليئة بالمشاكل والوسيلة الوحيدة لاجتيازها هى الحب بالقلب أولا والعقل بالطبع ولكن القلب هو ما يهون مصاعب الحياة».
حب العقل يعمر البيوت:
إسلام محمد٤٣ سنة مهندس زوج وأب لابنة واحدة قال: «مفهوم الحب الحقيقى الذى يعتمد على القلب غير موجود ونادر، وما هو موجود فى الواقع يتحكم فيه عوامل كثيرة يحكمها العقل لضمان نجاحه.
فمن يُحكم قلبه لن يكون سوى الطالب الذى يأخذ مصروفه من والده !! ولا يحمل هم المصاريف والمدارس باختصار «حب مراهق غير مسئول» لكن الحب بالعقل هو حب العشرة والاحترام والود والتكافؤ الاجتماعى والثقافى والمادى وهو ما يعيش ويعمر البيوت».
وتوافقه الرأى ل. و. ٤٧ سنة مسئولة علاقات عامة بإحدى الشركات وهى زوجة وأم لشابتين وكان لها تجربة زواج سابقة وطلقت، فتقول: «الحب بالقلب هو بداية العلاقة، وإن لم يكن العقل له وجود فى اختيار الشخص من حيث التكافؤ الاجتماعى والتعليمى والمادى ستنتهى القصة سريعا، أو تكمل ولكن بخسائر فنسب الطلاق العالية جدًا والعلاقات الزوجية المشوهة، وحالات الخيانة.
أضافت: «الطوابير على محكمة الأسرة كان السبب الرئيسى فيها عدم تحكيم العقل والانسياق وراء المشاعر فقط والنتيجة كارثية.. ربنا خلق العقل ليتحكم فى كل تصرفاتنا وإذا لم نحكمه سنجنى على أنفسنا.. حتى لو نصيبك وحظك وحش، ومن اخترته بعقلك خذلك أو انتهت العلاقة، كفاية إنك عملت اللى عليك وحكمت عقلك وسعيت للأفضل!!.. ومهما كانت النتيجة لن تندم لأنه قدرك وأنت عملت اللى عليك».
بدأت معى الدكتورة شهيرة سامى استشارى الطب النفسى حديثها عن الحب بأن القلب علميًا مجرد مضخة، وتوضح: «كيميا المخ هى المتحكم فى إحساس الحب أو كما نقول «الكيمستري» مع الطرف الآخر فالحقيقة انتا بنحب بعقلنا مثل كل تصرفاتنا ومشاعرنا، حتى فى اختياراتنا التى يثبت خطأها بعد ذلك، الدماغ هو من تعطى الاشارات بالانجذاب.. ولكى يدوم الحب يجب ان يكون هناك توافق اجتماعي فكري واتفاق على اوليات الحياة والعلاقة الناجحة وهي ماتقوم علي الثقة والاحترام والتوافق لان الحب بمثابة الزرعة لاتغذيها المشاعر الفياضة، بل تعتمد علي صفات أخرى كثيرة على رأسها المغفرة والتسامح.
هنا ظهر تساؤل هل التسامح والغفران مرتبط بالنساء أكثر؟!!
أجابت الدكتورة شهيرة من واقع خبرتها مع المشاكل النفسية والعاطفية واسبابها «التفويت والتسامح مرتبط اكثر بشخصية الإنسان، وليس جنسه فهناك من ياتى العيادة يعانى الوسواس قهري فهى شخصية تفكر كتيرًا وصعب تتجاوز الاخطاء أوتسامح، وهناك الشخصية المرحة، كيميا المخ لديها تفوت وتتجاوز.. الفروق الشخصية هى التى تحدد.. فيبقي الاحترام والثقة ونساعدة بعض على النجاح هي علامات العلاقات السوية التي تؤسس أسرة سليمة متحابة وأولاد اسوياء نفسيا هو دا الحب الحقيقي».
الوعي بالنفس
إخصائية العلاج السلوك يوالمعرفى ومدربة العلاقات نهى سامى فقد لجأ اليها العديد من ضحايا العلاقات السامة تحكى ملخص الأزمة التى يقع فيها المحبين كالتالي: «المشكلة ليست فى الاختيار بالعقل أو بالقلب، المشكلة فى الوعى بالذات.
عندما لا تصبح ناضجة بما يكفى يكون الاختيار خاطئ سوا بالعقل أو بالقلب وتشرح ذلك قائلة: «كل منا متقيد بصورة دهنية عن نفسه بمعايير تربى عليها، فالطفلة التى عانت من والديها وهى طفلة يؤثر ذلك على صورتها عن نفسها ويتشوه تفكيرها العاطفى والعقلانى لأن معاييرها مغلوطة فمثلا إذا كانت والدتها شخصية مضحية لاقصى حد والأب مسيطر ستختار بناء على هذه الصورة وتنجذب للشخص المتسلط المشابه لوالدها لان هذه هى صورتها عن جنسها مثل أمها».
أو العكس تنجذب للشخص الاعتمادى الضعيف بسبب الصورة المشوهة التى عاصرتها، هنا يعمل العقل اللا واعى ويغيب العقل الواعى فى الاختيار.. إما صورة الأب أو نقيضه بسبب التربية فى بيئة غير سوية، كذلك تتكون الصورة الذهنية عن نفسها إذا كانت تقُابل دائما بالهجوم من والديها وأنها فاشلة تترسخ لديها صورتها وعندما يقترب منها شخص ستقدم تتازلات لشعورها بالنقص والفشل أنها لا تستحق الحب والتقدير».
عن الحل فتضيف مدربة العلاقات نهى سامي: «عندما يأتى لنا شخص يختار شريك حياته، نبدأ فى تصحيح الصورة الذهنية عن نفسه أولًا ونعالج صدمات الطفولة ليكتشف نفسه ورغباته الحقيقية، فالسبيل لاختيار الشريك المناسب والحب الحقيقى أن ينفصل تمامًا الشخص عن أى صورة ذهنية مسبقة كانت مجرد رد فعل للوالدين وعلاقتهما.
ويبدأ هنا ظهور ما يسمى «بالعقل الحكيم» وهو مزيج مثالى من العقل العاطفى وهو «القلب» والعقل المنطقى، متعاطف ومقدر لنفسه وللغير، يحلل ويمنطق الأمور فى اختيار شريكه، ولو كان فى علاقة يستطيع التكيف مع حياته ومعرفة اختياراته واحتياحاته ويعيش حياته لأنه متوازن لذا فالحب الحقيقى من نصيب منظومة تفكير غير مشوهة وهو ما يجب أن نربى أطفالنا عليه.
ولكن إذا مرت مرحلة الطفولة بدون هذا الوعى يصبح لدينا نوعان من الأشخاص أولهنا من يدرك أن اختياراته خاطئة فيلجأ للقراءة وزيادة الوعى أو اللجوء لمتخصص سلوكى أو طبيب نفسى، والنوع الآخر يخاف من اللجوء لمختص وكأنها وصمة عار فيظل فى اختياراته الخاطئة، وينتج أشخاصا مشوهين للمجتمع فى جميع المجالات».
ما تؤكده إخصائية العلاج السلوكى نهى سامى أن القدرة على الحب السوى تبدأ بالتربية السوية فيختار الإنسان بقلبه أو بعقله «سيان» المهم أن يكون واعيًا لنفسه وتنصح كل الآباء والأمهات: «التربية باحتواء وتقدير وتعزيز واحترام تنتج شخصية سوية تحب نفسها والغير لها القدرة على الاختيار بحرية وحتى عند الخطأ لها القدرة على تصحيح أخطائها والتعلم من زلاتها».
الحب وهرمونات السعادة:
وتقول الدراسات إن المخ يعمل عند الشعور بالانجذاب العاطفى على إفراز هرمونات تؤدى للشعور بالسعادة والنشوة مثل هرمون الأوكسيتوسين الذى يفرزه المخ والمسئول عن الشعور بالطمأنينة والسعادة.
ثانيًا هرمون الدوبامين الذى يعطى تأثير اللهفة والرغبة والنشوة وهرمون السيراتونين المسئول عن الإحساس بالسعادة ويحفز المخ الغدد أيضًا على إفراز الأدرينالين الذى يتسبب فى بعض التوتر المؤقت ويمنح شعورا بالفرحة وخفقان في القلب وزيادة ضربات القلب وهرمون النورفينفرين الذي يزيد من الانتباه والإحساس بالطاقة والاندفاع».