الخميس 24 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
مقبرة للعجل أبيس

مقبرة للعجل أبيس

يعد سرابيوم سقارة من أكثر المناطق الأثرية المصرية القديمة غرابة وتفردا، حيث إنه يمثل مقبرة جماعية للعجل أبيس، ذلك المعبود الذى جسده المصرى القديم فى صورة عجل ورمز به إلى المعبود أوزيريس أيضا، وهو معبود ذو أهمية كبرى لدى المصرى القديم مما دعا الإغريق والرومان إلى استدعاء صورته وهويته ومزجه بكبير معبوداتهم «زيوس» لينتجوا منه إلها واحدا للدولة المصرية الإغريقية بعد دخولهم إلى مصر واحتلالهم لها، ليعرف آنذاك باسم الإله «سرابيس» ويعرف هيكل عبادته أو معبده باسم «السرابيوم».



وقد كان لسيرابيس فى هيئته الجديدة كعجل يحمل فوق رأسه قرص الشمس وثعبان الكوبرا أثرا كبيرا فى توحيد المصريين والإغريق تحت معبود واحد لهم جميعا، وهو بالضبط ما قصده الإغريق لتوحيد الجميع تحت عبادة واحدة مما يسهل حكمهم للمصريين ويستميل قلوبهم لحكامهم الجدد. 

وسرابيوم سقارة هو عبارة عن ممرات وسراديب طويلة محفورة تحت الأرض تزخر بتوابيت لدفن العجل أبيس، إلا أن أيا منها لم يحتوى يوما على جسد للعجل بداخله أو حتى مومياء محنطة كما فعل المصرى القديم فى مقابر المعبودات المصرية القديمة مثل تحوت وسوبك وغيرهم.

والسرابيوم اكتشفه عالم الآثار الفرنسى «أوجيست مارييت» الذى زار مصر فى مهمة رسمية أرسل إليها من قبل متحف اللوفر بفرنسا خلال المنتصف الثانى من القرن التاسع عشر للبحث عن بعض المخطوطات القبطية إلا أن القدر قد ساقه إلى اكتشافات مذهلة فى منطقة سقارة عام 1851 جعلت منه فيما بعد «مأمور» أو مديرا لمصلحة الآثار المصرية عام 1858 وظل يشغل هذا المنصب حتى وفاته عام 1881.

ويكمن غموض السرابيوم فيما يحتويه من تعقيدات معمارية وفنية خاصة بالممرات وغرف الدفن وما تحويه، فهى محفورة بأرض هضبة سقارة الصلبة وتحتوى كل غرفة على تابوت يزن عشرات الأطنان من الجرانيت الأسود والأحمر، وتزين جدران الغرف نقوش مصرية قديمة لم تترك أى دلالة على طريقة الحفر لغرف الدفن، ولا طرق إنارة هذه الممرات المعتمة المؤدية إليها ولا حتى كيفية صنع تلك التوابيت العملاقة التى يزن الواحد فيها على الأقل خمسين طنا ولا كيفية إدخالها بأحجامها من خلال الباب الوحيد للسرابيوم والذى يعد هو المدخل والمخرج فى أن واحد. وعلى الرغم من مرور أكثر من قرن على هذا الاكتشاف ومرور عدد من علماء الآثار الغربيين والمصريين عليه إلا أنه مازال لغزا يحير الزائرين والعلماء على حد سواء حتى الآن. فإن كان المقصود بهذه المقابر هو التبجيل والتخليد للمعبود «أبيس» فلم لم نجد له جسد واحد محنط داخل تلك المقبرة؟ وما الهدف اذا من إنشائها؟ وحيث أن تاريخه يرجع لعصر الملك امنحتب الثالث فى القرن الثالث عشر قبل الميلاد ويمتد حتى العصر البطلمى فإن ذلك يوحى بأهمية تلك العقيدة لدى المصرى القديم خلال العصور الذهبية لحضارته وأيضا خلال الحقبة اليونانية -الرومانية إلا أن الغموض مازال يكتنف تلك العبادة المهمة وما تركته من أثر فى نفوس المصريين قديما وحديثا.