الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

قصة قصيرة

مأساة على الأسفلت

ريشة: منة الصياد
ريشة: منة الصياد

حضر فى الوقت المحدّد، مرّت دقيقتان ليتململ من التّأخير، ليعقد العزم على إلغاء الرّحلة بمجرّد انتهاء الخمس دقائق المحدّدة للإلغاء.



لكنّها أتت فى الدّقيقة الخامسة، فتحت الباب.. جلست فى المقعد الخلفى دونما تحيّة أو سلام، أضمرها فى نفسه، فهو لا يحبّ المتعجرفين، يسألها عن بعض تفاصيل الرّحلة لزوم التّأكيد؟

لتخبره على الفور:

- خليك فاللوكيشن!

هزّ رأسه بالموافقة لتتلاقى أعينهما فى مرآة السّيارة، أدارت وجهها سريعًا فقد كانت عيناه الجاحظتان مثيرة للفزع، وكان عند التحدّث تظهر له سنتان علويّتان مدببّتان فى مقدّمة فمه، تشبه أسنان الفأر، فوق ذقن يغطّيه الشّيب!

ناهيك عن رائحة سجائر ممزوجة برائحة غريبة لم تعهدها من قبل جعلتها تشعر بالغثيان!

تفتح النافذة لاستقبال هواء مغاير إلا أنّها تغلقها سريعًا بمجرّد تطاير شعرها البنىّ المنسدل على جانبى كتفيها جرّاء تيّار هواء شديد.

يعاود السّائق التّلصّص، ليحوم بعينيه نحو عينيها ليتلاقى مرّة أخرى.

تعاود الفتاة إدارة وجهها، ويعاود السّائق النّظر إلى طريقه.

تحاول قتل الوقت بعينين مشدودتين إلى هاتفها بين الحين والآخر، تقرأ الشّات الدّائر بين جروب العمل، ترفض الانخراط والهبوط لمستوى الدّرك الأسفل من الوضاعة والخسّة، لينتابها شعور ينخز أعماقها لتلعن فوضى ذَلِكَ العالم الافتراضى الملون ببريق أزرق زائف.

يلفت نظرها مكالمة تأتى للسّائق من زوجته، يعنّفها، يزجرها، يتوعّدها بصوت أجشّ ينبئ عن غلظة أفكاره وبؤس أفعاله.

ينهى المكالمة متمتمًا بكلمات غير مفهومة، يضيق صدره فيتبعه بأنفاس متلاحقة، أحسّت الفتاة بعدها بإرادة مسلوبة، جعلتها تكاد تتجمّد خوفًا لتتملّكها الهواجس والوساوس والتّخيّلات، فينتفض جسمها ارتعاشًا، وينصبّ العرق بلا توقّف!

تتلفّتْ حولها لتفزع فجأة صارخة:

- احنا فين؟! احنا فين؟! ده مش طريقى!! 

يلتفت إليها السّائق سريعًا ليردّ عليها بصوت يشبه الصّرير الجنائزى الذى سمعته فى فيلم ليلة أمس:

- هو أنا هاخطفك؟ هو فى حد بيخطف حد اليومين دول، بس على فكرة أنتِ حلوة وتتخطفى هههههههههههههههههه!

إن تعليقه السّاخر الممزوج بضحكة سمجة زادها توتّرًا وغضبًا وخوفًا نتج عنه حالة ضبابيّة، ورهاب لحظىّ متداخل لأحداث سابقة فى شريط حياتها، يجرى فى سرعة بطيئة تزداد لتنبت بذور مأساتها بمجرد قفزها من السيارة فى سرعة فائقة على أسلفت الطّريق.