الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
سرد المرويات فى مدينة الثغر

سرد المرويات فى مدينة الثغر

«لا عالمَ بدون حكاية.. ولا حكاية دونما سرد» هكذا قيل عن السرد يومًا، للتأكيد على أهميته وقيمته، فهو من أهم القضايا التى طرحها الإبداع الأدبى والوعى النقدى المعاصر نظرًا لفاعليته وقيمته التعبيرية والفنية والمعرفية فى إضاءة وكشف موقف ووعى الكاتب وقدرته على النسج والبناء والتعبير، لذا احتفت جمعية أصدقاء مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع صندوق التنمية الثقافية بوزارة الثقافة على إقامة «ملتقى الإسكندرية الأول للسرد العربى»، بمقر مركز الحرية للإبداع يومين متتاليين بجلسات فكرية مفعمة بالأفكار والفلسفات والرؤى، وسط كوكبة رائعة من الأساتذة والكتاب والأدباء والنقاد، فى معية عالم الأدب، وفى جوار الإبداع مصحوبًا بالنقد المتمم للعملية الإبداعية، وما يصحبها من تجارب جمالية تثرى خيالنا وتسمو بأرواحنا. 



ولأننا أمام تعددية النصوص وتباين الأفكار والأطروحات، مع اختلاف الموضوعات وتنوع الأذواق والقراءات والتلقي؛ يصبح السرد مكونًا أساسيًا وجوهريًا بخصائصه ومميزاته، لهذا جاءت جلسات الملتقى محتفية بستة أدباء يمثل كل منهم رمزًا للمروية السردية وقيمة مضافة لعالم الكتابة والنقد الأدبى، محمد جبريل، إبراهيم عبد المجيد، سمير الفيل، يوسف القعيد، مصطفى نصر، شريف عابدين.

شرفت بإدارة إحدى الجلسات التى تحتفى بابن محافظة البحيرة، الحائز على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام 2008، وجائزة سلطان العويس للإبداع الروائى من الإمارات العربية المتحدة عام 2015، أحد أقطاب الرواية السردية العربية المعاصرة الكاتب والروائى يوسف القعيد الذى أثرى الأدب والرواية بالكثير من أعماله منها، الحرب فى بر مصر، القلوب البيضاء، لبن العصفور، ومجموعات قصصية كتجفيف الدموع، البكاء المستحيل، طرح البحر وغيرها الكثير. 

وشرفت فى جلستى بمشاركة مقررة الملتقى وصاحبة الدعوة الكريمة الأستاذة الدكتورة سحر شريف والتى قدمت رؤية نقدية أدبية رصينة حول بعض أعمال القعيد، متحدثة عن تجربته الإبداعية والتى تجسدت فى أيديولوجيا كتاباته السردية باعتباره أحد كتاب جيل الستينيات كفترة تاريخية مهمة من عمر الوطن، وأشارت للبعد السياسى فى سردياته، وكيف تولى مهمة التجديد وقدم أدبًا معجونًا بأوجاع الشعب، منحازًا للفقراء، كما تناولت أزمة المثقفين فى واقع مختنق آنذاك، والصراع الطبقى المحتدم وجدلية المتناقضات، ورقة مكثفة بحنكة لصاحبتها بلغة قوية راسخة فى القلب قبل العقل، أفاضت علينا بخبرتها وشمولية طرحها ونقدها المتماسك لتضع رؤية نقدية تمثل إضافة فى عالم النقد الأدبى للسردية العربية. 

ومن حسن الحظ أن أتشرف بمداخلة اسم لامع وأحد القامات النقدية الوقورة الأستاذ الدكتور محمد عبد الله البرنس، الذى أضاف بمعرفته الشخصية للكاتب أبعادًا تؤكد انتماءه لجيل آمن بالثورة وعاش انكسارات وأوجاع مرت بها مصر ففسحت المجال لإلهام متدفق لخطابه الروائى الأيدولوجى الواقعى، فجاءت المداخلة علمية ثرية تزيد من الفهم الحقيقى لسرديات القعيد من خلال التحام مكوناته السردية المختلفة من أزمنة وأمكنة وشخصوص تتسق وفق رؤية ومخيلة الكاتب.

ازدان المكان بروح الشباب المفعم بالطاقة والحيوية، وامتلأت القاعة عن آخرها بأصحاب الفكر والقلم، أنصار لغتنا العربية، أكثر اللغات شرفًا وفخرًا. ستظل هذه اللغة بمفرداتها ومعانيها وألفاظها تنسج لنا إبداعات سردية وكتابات نقدية تنثر من بين الجمال جمالًا.