الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

قصة قصيرة

الرسالة المفقودة

ريشة: هانى حجاج
ريشة: هانى حجاج

عندما عجزت أن أبوح باسمها، شكلت من حروفه لوحة تذكرنى به فى كل لحظة بالشعر تارة وبالقصة تارة أخرى… أحاول أن أتحدث عنها، وكأنها من شخوص إحدى القصص الخيالية، لكن حيلتى لم تكن تنطلى على أحد من الناس… يعتقد كل من أحدثه أنى واقع فى الحب لا محالة.



سألتنى ذات مرة: ما هو الحب؟

أخبرتها أنها حالة تنتاب المرء منا عندما يختزل الكون كله فيمن نحب… يصبح هو عالمنا والأشياء كلها تتحرك من خلاله، حتى الحروف الأبجدية تنحصر فى حروف اسمه.

قالت: يبدو ذلك خياليا

تركتنى لتعبر الطريق بسرعة… تستقل الحافلة.. تسقط كراستها... أهرول ناحيتها... أمسك الكراس... ألوح به فى الهواء صائحا «هيييييييييييه»، لكنها لم تسمع.. لم تر... ترحل الحافلة وترحل هى معها... يختفيان فى طريق آخر.

أخذت أقلب فى كراستها بشغف زائد، فقد وجدت بعضاً من خواطرها... كنت أجد فى خطها أجمل الخطوط.. اقرأ ما تكتبه فاستمتع به كما استمتع بشعر «أمل دنقل» و «عفيفى مطر»، لكن ما أثار حيرتى هو أنى لم أجد حرفا كتبته عنى.. سريعا ما زالت هذه الحيرة بتفسير هو الأقرب إلى الصواب من وجهة نظرى، فالحب الحقيقى يظل سرا نخاف عليه غالبا من أن تلوكه الألسنة، حتى جئت إلى تلك الصفحة التى كتبت فيها:

«جاءتنى اليوم رسالة من حبيبى جاء فيها

عزيزتى

         بعد تفكير مضن أخذ منى الليالى ساهرا، أدركت أننا من عالمين مختلفين، ولم نعد نصلح أن نكون حبيبين... يكفينا أن نكون أصدقاء، وربما يكتب لك القدر السعادة مع ذلك الشاعر المجنون الذى يطاردك.»

توقفت عن القراءة بعد أن أدركت ما يقصد... أحسست بالمهانة الشديدة، لكن كان لا بد أن أتابع خواطرها، فربما دافعت عنى، فأحس بأن كرامتى ردت إلى.

«لقد رأيته معك، قد يكون بدينا نوعا ما، ويرتدى نظارة طبية رخيصة الثمن وملابس من الزمن القديم، لكن أتعلمين أجده مناسبا لك، ربما فى يوم من الأيام تكونان أسرة لطيفة.»

ثم تابعت خواطرها

«هكذا كانت رسالته لى، مثل الليل الذى هبط فى صباح مشرق... كيف له أن يتخلى عنى بعد ما تقاسمناه معا من لحظات جميلة؟ كتبت له رسالة لكنى لم أرسلها، رغم كونى وضعتها فى مظروف وألصقت بها طابع البريد، كما أننى دونت عنوانه كاملا عليه.. احتفظت بها لكى أحتفظ ببعض ما تبقى من كرامتى معه.»

قلبت فى كراستها فوجدت بها رسالة مغلقة بها عنوانا واسما... كنت متلهفا أن أفضها... ترى هل كتبت عنى شيئا؟ هل نفت عنى الجنون؟ وأخبرته أنى فقط مختلف عن الجميع.. هل دافعت عن نظارتى الرخيصة وملابسى القديمة؟ لكى تخبره أن الفقر لا يعيب الرجال... هل كتبت له أنها وجدت عندى ما لم تجده عند الآخرين؟ لذا فضضت الرسالة بسرعة وقرأت:

«حبيبى وصلتنى رسالتك، وصدمنى ما فيها، ولم أصدق أن ما بيننا كان وهما، وأن كل ما قلناه وقضيناه سويا ينتهى بمجرد رسالة قصيرة.. تختصر ما بيننا إلى صداقة... تظل تتضاءل حتى نصبح يوما ما غرباء، أما ذلك الشاعر الذى تحدثت عنه، فإن ما بيننا كمثل ما بين المسافرين فى القطار، وقت نحاول أن نمضيه حتى ينتهى كل شىء دون أثر أو ذكريات... سأظل أنتظرك كل يوم فى ذلك المكان... أنت تعرفه، وفى التوقيت نفسه الذى أنت تعرفه أيضا، حتى نلتقى»

انتهيت من القراءة وبعد لحظات من التفكير... عبرت الشارع أبحث عن صندوق البريد... خطوت نحوه... أغلقت الرسالة قبل أن ألقى بها داخل الصندوق ثم رحت أنظم قصيدة جديدة.