د. رانيا يحيي
المخابرات المصرية وصقور السرب
عشنا لحظات فارقة من عمر الوطن، أصعب أحداث مرت على مصر، رغم مرارة فترات تاريخية فى الماضى إلا أن العدو كان جليًا نحاربه بجميع أشكال الحروب، أما الغدر، وتستر العدو ومواراته وسط الشرفاء جعل هذه الحرب أكثر شراسة وصعوبة. شاهدت السرب، وتذكرت تلك الأيام التى حفرت فى قلوبنا بأوجاعها وآلامها، أحداث مرت كالعقود والقرون، تحمل أثقالها وجروحها الدامية، فدم المصرى غالٍ.
يصعب تخيل تلك اللحظات كيف مرت على هؤلاء المصريين الذين ذبحوا ببراءتهم، ودمائهم الذكية كيف انهالت بقلب متحجر لا ولم يعرف للرحمة طريقا، ولا للإنسانية مكانا، ولا لكرامة النفس وحقها فى الحياة سبيلا. الذين حاولوا زرع الفتنة المتشددين أهل القتل الإرهابيين، لكن دم المصرى لا يضيع هباء، ولا يترك سدى، فنحن فى دولة تقدر من يحمل جنسيتها، وتحترم أبناءها، واعتبرت مصر تلك المذبحة الدامية ثأرًا، وظل صقور المخابرات المصرية يحملون على عاتقهم حق الرد باسم الدولة المصرية، وبالفعل فى وقت قياسى انتهت المهمة بنجاح. تألمت وانهمرت دموعى لحق مصريين انتهك، لكن كما تألمت من متابعة الحدث، فقد تألمت القيادة المصرية فى حينها، وأرغمت الجميع على رد حقهم من جانبها، وحدث التنسيق من المخابرات العامة المصرية، صاحبة البطولات على مر أزمنة متعاقبة. المدهش فى هذا الفيلم استرجاع الواقع بآلامه متناسيًا أنك أمام فيلم سينمائى، يحاكى واقعاً أكثر مرارة، وإنما لبراعة الممثلين وإيمانهم بهذا الدور التوثيقى والتوعوى، كانت أدوارهم تغوص فى أعماق الشخصيات، والخلل النفسى الذى يعانى منه المتطرفون المتشددون.
ولأنهم يحملون الجينات المصرية الأصيلة بعيدًا عن محاولات زرع الفتنة والوقيعة بيننا كمصريين مع شركاء الوطن المسيحيين، الذين لم ندرك يومًا أننا مختلفون، فالدين لله والوطن للجميع، نتقاسم معهم العيش والمحبة واللحظات السعيدة والمؤلمة، فهكذا كنا على مر الزمن وسنظل إخوة يربطنا رباط مقدس طاهر ونبيل منسوج بحب مصر، أكدته مشاهد السرب باقتدار، بمعالجة درامية احترافية تضرب فى مخيلة الشباب والأطفال والمتلقين بشكل عام للتأكيد على الوحدة الوطنية.
التصوير الخارجى للفيلم عبر عن الأحداث وبشاعتها، وبراعة المخابرات المصرية، أما الموسيقى المصاحبة للفيلم لعمرو إسماعيل عبرت عن الأحداث بأسلوبين، الأول موسيقى لحنية تعتمد على عزف منفرد أو موسيقى حجرة للآلات الشرقية؛ العود والناى والقانون والكمان مع مصاحبات بسيطة، والثانى اعتمد على التوزيع الأوركسترالى متعدد التصويت معبرًا عن حالات الاحتدام والقوة وسرعة سرب الطيارات المحلقة فى السماء، ولحظات الثأر، وفداء الضباط المصريين ورغبتهم فى المشاركة فى العملية القتالية بتفانٍ وعشق لمصر وأهلها، ثم الفرحة بالنصر لاسترداد الحق. شكرا للمنتج تامر مرسى لحماسك لإنتاج مثل هذه النوعية من الأفلام التثقيفية التأريخية لحقبة وحدث لا يمكن أن يمحى من ذاكرتنا، والشكر موصول للمخرج أحمد نادر جلال على متعة المشاهدة وتسكين الأدوار بدقة، مصحوبًا بمتعة أداء الأبطال أحمد السقا، نيللى كريم، محمد ممدوح، شريف منير، مصطفى فهمى، وكل من شارك هذه الكتيبة الرائعة من الفنانين خلف الكاميرا، قدمتم عملًا فنيًا للتاريخ.