الثلاثاء 22 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مصر تحصد المستقبل

على أطراف مترامية كنا نعتاد على مشهد الصحراء القاحلة الممتدة على طريق الضبعة، ولكن الواقع تغير الآن، والحلم أصبح حقيقة، وتبدلت الصحراء بأكبر مشروع قومى زراعى بأيدٍ وعقول مصرية لتأمين المخزون الاستراتيجى الغذائى، فعلى مساحة 800 ألف فدان تمتد على طول طريق (روض الفرج – الضبعة الجديدة)؛ كنا على لقاء داخل جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، وشهدنا موسم الحصاد فى أكبر مشروع استراتيجى للأمن الغذائى المصرى.



كانت ضربة البداية عندما أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى عام 2017 عن إنشاء جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، ليصبح اليوم قاطرة الأمن الغذائى المصرى، كأحد أكبر الكيانات فى العالم فى مجالات وأنشطة التنمية على صعيد مشروعات الزراعة والتصنيع الزراعى والاقتصاد البيئى والمشروعات التكاملية، وها هو الحلم يتحقق بتدشين المرحلة الأولى من مشروع التصنيع الزراعى والصوامع والمنطقة اللوجيستية وافتتاح موسم الحصاد بجهاز مستقبل مصر.

التقينا العقيد طيار دكتور بهاء الغنام مدير جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، الذى أوضح لنا: أن دور القطاع الزراعى يمثل 15 % من الناتج القومى المصرى، ويضم 23 % من الأيدى العاملة المصرية بإجمالى صادرات مصر من الحاصلات الزراعية والتصنيع الزراعى 9 مليارات دولار عام 2023، كما أنه يعد ثانى أكبر مورد للدولار، ولذا فإن مخطط الدولة إضافة مساحة 4 مليون فدان جديدة إلى الرقعة الزراعية بما يمثل حوالى 45 % من الرقعة الزراعية الحالية.

وقال: من المتوقع وصول عدد سكان مصر إلى 180 مليون نسمة تقريبًا بحلول عام 2050، ومن هنا حرصت القيادة السياسية منذ عام 2014 على تحديد رؤيتها بأهمية دور الزراعة فى الأمن القومى المصرى، وشملت الخطة على تعظيم الاستفادة من الأراضى الزراعية الحالية، واستصلاح أراضى جديدة بالإضافة إلى الاستثمار فى مجال الصوب الزراعية.

أكد الغنام أن دور الزراعة فى مجال الأمن القومى المصرى تعاظم بعد تضاعف أسعار الغذاء العالمية خلال الأزمة الروسية الأوكرانية وجائحة كورونا، ما جعل من الضرورى الاستفادة من الميزة النسبية المتمثلة فى الظروف المناخية والأرض والمورد المائى المتاح، والاتجاه إلى التصنيع الزراعى بتحويل المواد الزراعية الخام إلى منتجات نهائية لتحقيق مبدأ القيمة المضافة. لافتًا إلى أن الجهاز يقوم بتنفيذ مخطط التكامل مع الزراعة يتمثل فى منطقتين صناعيتين، أولى تلك المناطق الصناعية بالدلتا الجديدة على مساحة 1000فدان، وتشمل مصانع العلف والبصل والثوم والمجفف والمركزات والخضار والفواكه المجمدة وبطاطس نصف مقلية وسكر ونشا وجلوكوز، وغيرها من مشروعات التصنيع الزراعى.

وأشار إلى أن كميات المواد الخام المستخدمة فى المرحلة الاولى بالمنطقة الصناعية حوالى 3 ملايين طن، بإنتاج يصل إلى 1.5 مليون طن منتجات سنويا، وفيما يخص مجمع الصناعات الغذائية «قها وإدفينا»، فهو يحتوى على صناعات العصائر والبقوليات والوجبات الجاهزة والمربى والصلصة واللحوم المصنعة بطاقة استيعابية للخام 470 ألف طن خام وانتاج يصل إلى حوالى 550 ألف طن منتجات سنويًا.

وقال العقيد د. بهاء الغنام: إن الجهاز يقوم بتخطيط عمران الدلتا الجديدة، وإنشاء أول مشروعات التنمية العمرانية الخضراء، حيث يجرى حاليا تنفيذ مشروع بيئى متكامل يستند على مبادئ التنمية المستدامة والمجتمعات الخضراء، وإعادة التدوير فى مجتمع صديق للبيئة ويحتوى على صفر كربون حيث التوسع فى أنشطة مجابهة لتغير المناخ، بالإضافة أن الجهاز يقوم بتخطيط التوسع العمرانى فى الاتجاه الغربى على قوام مشروعات التنمية الزراعية والتصنيع الزراعى وجميع الأنشطة المتعلقة بالزراعة.

محاصيل استراتيجية

اصطحبنا المهندس شاهين حامد  مدير الإدارة الزراعية بجهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة فى جولة داخل الأراضى الزراعية، حيث قال لنا: إن المشروع يستهدف زراعة المحاصيل الاستراتيجية، المتمثلة فى القمح، الذرة الصفراء، الشعير، البطاطس، بنجر السكر، السودانى، الفراولة، عباد الشمس، البطاطا، الفاصوليا البيضاء، البصل، الطماطم، البازلاء، الجزر، الخيار، فول الصويا، بالإضافة إلى الموالح، حيث تم زيادة الرقعة الزراعية لأشجار البرتقال واليوسفى والليمون والجوافة والعنب والمانجو، وغيرها من المحاصيل الاستراتيجية.

وأكد أن محصول القمح يتراوح بين 12 إلى 14 إردبًا للفدان الواحد، ومحصول الذرة من 3.5 إلى 4 أطنان للفدان، وتتراوح إنتاجية محصول البنجر من 40 إلى 45 طنًا للفدان، ويتراوح إنتاج السمسم من 700 إلى 1 طن للفدان الواحد، وإنتاج الفاصوليا من 1.5 طن إلى 2.5 طن للفدان.

وأشار إلى أن مشروع مستقبل مصر للإنتاج الزراعى يستفيد من خزانات المياه الجوفية وهى 3 خزانات «الأيوسين، المايوسين، المغرة»، وهى امتداد لمنطقة وادى النطرون، وذلك بحفر الآبار الجوفية مع الوضع فى الاعتبار المسافة البينية بين الآبار للحفاظ على الخزانات الجوفيـة وعدم السحب الجـائر منها وتحقيق معايير التنمية المستدامة، وجارٍ دخول مصدر مياه سطحى بمد ترعة مستقبل مصر بطول 41 كم، لإمداد المشروع بطاقة 10 ملايين م3/يوم لزراعة حوالى 700 ألف فدان إضافية، فضلاً عن معالجة مياه الصرف الزراعى وإعادة تدويرها واستخدامها للرى، والتى تعد مـن أكبر التحديات فى مشروع الدلتا الجديدة.

وشرح لنا أن عملية الزراعة فى المشروع تتم على أساس عدد من الدراسات للتربة ودرجة الملوحة، كما يتم إجراء تحاليل دورية لقياس ملوحة المياه لتحقيق الاستغلال الأمثل من المحاصيل الزراعى، ويتم بعد ذلك زراعة كل محصول على أساس صلاحية التربة الخاصة به، وذلك يساعد على رفع إنتاجية الفدان من المحصول، حيث يستهدف المشروع تعظيم فرص الإنتاج وتوفير منتجات زراعية بجودة عالية وأسعار مناسبة للمواطنين، وسد الفجوة بين الإنتاج والاستيراد وتحقيق الأمن الغذائى والاكتفاء الذاتى من السلع الاستراتيجية. كما تم البدء فى تنفيذ مشروع الصوب الزراعية بمحور الضبعة على مساحة 4.5 ألف فدان، حيث يشمل المشروع، 104 كلاستر «88 مصرى، 16 إسبانى»، 690 صوبة «626 مصرى على مساحة 2.5 فدان، 64 إسبانى على مساحة 12 فدان»، و11 بوستر و261 طلمبة، و1 موزع كهرباء، 1 محطة رفع.

 

 

 

مشروعات مستدامة

جدير بالذكر أن مشروعات جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة قامت وما زالت بتدشين العديد من المشروعات القومية فى جميع ربوع مصر، والتى امتدت إلى المنيا وبنى سويف، والفيوم، وأسوان، والداخلة والعوينات، لتحقيق حلم 4.5 مليون فدان بحلول عام 2027.

وتنقسم المشروعات إلى «مستقبل مصر- 1»، و«مستقبل مصر- 2»، وقد بدأ المشروع الأول طبقًا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى عام 2022ويضم 277 كم ترع مكشوفة، أما « مستقبل مصر-2» فيضم  264كم ترعًا مكشوفة.

فضلاً عن مشروع «سنابل سونو» بأسوان الذى وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى منتصف 2023 بالبدء فى تنفيذ مخطط التنمية الزراعية فى جنوب مصر وهو نسبة إلى سونو الاسم القديم لأسوان، والذى أحد المشروعات الزراعية العملاقة فى مصر التى يقوم عليها جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة‘ لاستصلاح أراضى جديدة بالصحراء الغربية جنوب مصر «شرق وغرب الطريق الصحراوى الغربى» باستخدام المياه الجوفية، وتصل مساحتها الإجمالية الموزعة على عدة مراحل إلى 850 ألف فدان فى نطاق محافظة أسوان بداية من كوم أمبو وبنبان حتى إدفو، لتضيف 8 % مساحة منزرعة جديدة لمصر تستغل لتحقيق الأمن الغذائى.

إضافة إلى مشروع الداخلة – العوينات الذى يأتى ضمن المخطط لاستغلال موارد الدولة من الصحارى الشاسعة القابلة للاستصلاح وبالتنسيق مع وزارة الموارد المائية والرى، وقد تم البدء فى تنفيذ المرحلة الأولى بمساحة 15 ألف فدان، كما يجرى حاليا التجهيز للبدء فى استصلاح المرحلة الثانية بمساحة 200 ألف فدان إضافية، حيث يضم المشروع 1320 آبار، 45 مولد كهرباء، 1320جهاز رى محورى، 1349 غرفة، 153 كم طرق رئيسية، 524 كم شبكات مواسير فرعية.

وفى إطار تنمية الجنوب وصعيد مصر، تم البدء فى تنفيذ مشروع استصلاح وزراعة 62 ألف فدان فى المنيا وبنى سويف، حيث يضم المشروع 109 كم ترع مكشوفة، 4 محطة رفع بقدرة 1.25 مليون م3/ يوم، 31 بوسترات و106 طلمبة، 190 جهاز رى محورى، 142 كلاستر، 540 كم طرق، 1.086 كم شبكة مواسير فرعية «765 كم فى المنيا، 321 كم فى بنى سويف».

فضلا عن مشروع اللاهون، والاستفادة من المورد المائى والاستغلال الأمثل للمياه، فقد تم تنفيذ هذا المشروع على مساحة 12 ألف فدان بطاقة 170 ألف م3/يوم لزراعة «الخيار والطماطم وفلفل الألوان والمانجو والموز»، وغيرها من زراعات الخضر والفاكهة بالتكنولوجيا الإسبانية والمصرية.

إلى جانب مشروع تنمية سيناء وتنفيذ مخطط الدولة عن طريق 3 مشروعات زراعية وتنموية فى سيناء بإجمالى مساحات حوالى 600 ألف فدان «شمال سيناء، وسط سيناء، المحسمة».

 وفى إطار توجيهات رئيس الجمهورية بالتوسع فى الرقعة الزراعية، تم دراسة وتنفيذ مشروع منطقة الُكُفرة على الحدود الليبية جنوب غرب واحة سيوة، وطبقًا لدراسات التصنيف الحقلى للتربة التى قامت بها وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى فإنها تمثل أرض خصبة صالحة للزراعة، كما أوضحت دراسات وزارة الموارد المائية والرى أن منطقة الكُفرة على امتداد حوالى 600 ألف فدان على الحدود الليبية هى منطقة واعدة بالإمكانيات المائية، وحاليا تقوم الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بإنشاء طريق ربط بطول 200 كم يصل ما بين منطقة الُكفرة وواحة سيوة، وهكذا يستمر البناء وتستمر مصر فى حصاد المستقبل بإرادة الدولة وعقول وسواعد أبنائها.