الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

عشيقات بيكاسو!

ربما لم يحظ فنان تشكيلى على مدار التاريخ بعلاقات مثيرة للجدل مع النساء مثل «بابلو بيكاسو»، أشهر فنانى القرن العشرين.. فى حالة أفرزت على مدار الزمن شهرة للنساء ولوحات تتصدر قاعات المزادات وتحقق ملايين الدولارات وحفنة كبيرة من المؤلفات عن حياة الفنان الإسبانى الصاخبة.



 

والحقيقة الجوهرية أن بيكاسو خلَّد عاشقاته عندما ظهرن فى لوحاته رغم حكايات الخيانة والغيرة والعنف ومزاعم استغلال شابات فى مقتبل العمر جنسيًا. 

وصدرت مؤخرًا فى الولايات المتحدة رواية جديدة عن عالم بيكاسو ونسائه للروائية «جين ماكين» تحت عنوان مغرٍ «عاشقات بيكاسو»، وهى الرواية التاريخية الثامنة للمؤلفة الأمريكية.

وتقدم الرواية قراءة مختلفة لصورة الفنان الذى يشتهر بجملة أنه «ذئب» خاصة مع ما أثارته حركة «مى تو» التى انطلقت فى الولايات المتحدة عام 2017 لتشجيع النساء ضحايا العنف الجنسى على الإدلاء بشهاداتهن، من كثير من الغبار حول صورة الفنان مع إضفاء صفة العنف وإيذاء الفتيات الشابات عليه.

أول معرض

 وبابلو بيكاسو (1881-1973) هو واحد من أهم رواد الفن التشكيلى فى القرن العشرين، ولد عام 1881 فى إسبانيا، تشرب فن الرسم فى البداية من والده الذى كان معلمًا للرسم، ما جعل الفنان الصغير يقيم أول معرض للوحاته وهو فى الثالثة عشرة من عمره.

توجه لفرنسا وهو فى بداية العشرينيات من عمره لينطلق فى رحلة طولها 80 عامًا مفعمة بالإبداع حتى وفاته عام 1973 عن عمر 91 عامًا ويصبح رائد حركة التكعيبية فى الفن التشكيلى مع الفنان الفرنسى «جورك براك»، وأثمرت حياته أكثر من 50 ألف عمل فنى بين الرسم والنحت والخزف. 

 

 

 

ومن أشهر أعماله لوحة «عازف الجيتار العجوز» و«آنسات آفينيون» ورائعته «الجرونيكا».

وتجتذب الرواية الخيالية عن سيرة بابلو عشاق الفن والتاريخ حيث تتناول شغف صحفية تعيش فى مدينة نيويورك عام 1953 بقصة حياة بابلو بيكاسو فى خضم حالة الاحتجاجات ضد حركة المكارثية المناهضة للشيوعية، وتحاول تتبع علاقات الفنان الغرامية عبر إجراء لقاء صحفى مع سارة ميرفى إحدى صديقاته.

وترى الكاتبة أن الدافع لتأليف الرواية أن بيكاسو يتمتع بصفتين ألصقتا به على مر الزمن، أحدهما باعتباره عبقريًا فنيًا والآخر باعتباره زير نساء مفترسًا. 

لذا سعت إلى التنقيب عنهما، باعتبارها روائية تهتم بالروايات التاريخية وبعد أربع سنوات من البحث خرجت بنتيجة أن بيكاسو كان أعظم فنان فى القرن العشرين، لكنه لم يكن عنيفًا أو مستغلًا للنساء.

ودفعت الكاتبة بأنه يجب تقييم الفنان بناء على سياق مجتمعه واللحظة التاريخية التى عاش وأبدع فيها، وتقدم الرواية صورة متشابكة وحيوية للنساء العالقات فى فلك بيكاسو الكاريزمى معتبرة أن النساء فى حياة بيكاسو كن ساحرات ومراوغات، وتواجدن فى ظل شهرته.

أوليفييه «الموديل»

من أولى النساء فى حياة بيكاسو الفنانة البوهيمية والعارضة الفرنسية «فرناند أوليفييه»، التى شاب علاقته بها مشاعر الغيرة والعنف. 

وتجلّت موهبتها الأدبية عندما ألفت كتاب «بيكاسو وأصدقاؤه» بعد انفصالهما بعشرين عامًا، وكتبت أوليفييه مذكرات، نُشرت عقب وفاتها بعشرين عامًا، عن مائة عمل فنى لنحاتين ورسامين عاصرتهم أوائل القرن العشرين منهم لوحات لبيكاسو.

ووُلدت أول عشيقة لبيكاسو فى نفس عام ولادته عام 1881، حيث التقى بها وعمرهما 23 عامًا وظلا معًا ثمانية سنوات تخللها صخب سنواته الأولى فى باريس وغيرته الشديدة عليها لعملها «موديل» للرسامين زملائه.

وبالفعل ظهرت فى عدد من لوحات بيكاسو فى المرحلة الوردية ورسمها فى لوحته «آنسات آفينيون»، التى تعتبر البذرة الأولى لمدرسته التكعيبية. 

 

 

فى عام 1904 التقى بيكاسو بالفنانة وكانت مغمورة، وسرعان ما أصبحت سريعًا عشيقة لبيكاسو، وظهرت فى الكثير من لوحاته فى الفترة الوردية من حياته، وعقب حصوله على الشهرة والثروة ترك بيكاسو أوليفييه، ولم ينتظر كثيرًا فسرعان ما ظهرت «ايفا» فى حياته تلك الشابة الجميلة والتى عشقها وعبر عن حبه لها فى الكثير من لوحاته التكعيبية، ولكن صدم بيكاسو بوفاتها مبكرًا عام 1915 وهى فى الثلاثين من عمرها بعد معاناتها من المرض. وإضافة للعشيقات تزوج بيكاسو مرتين وله أربعة أبناء من ثلاث نساء.

ففى عام 1918 تزوج من أولجا كوخكلوفا راقصة باليه روسية، وكانت «موديل» لإحدى لوحاته والتى عرفت باسم «المرأة ذات الوشاح»، وأنجب منها ابنه باولو.

وبعد تقدم بيكاسو بالسن ووصوله إلى الثمانين سعى للاستقرار والراحة فتزوج من الفرنسية جاكلين روك التى تعمل فى مصنع فخار وتصغره بحوالى 53 عامًا، وظل معها حتى وفاته.

واتسمت علاقته بها بالغرابة قليلًا لكنه لم يطلقها، وقيل إنه خانها سرًا ولم يجاهر بعلاقاته حرصًا على شعورها لكنها كانت تعرف، وتصمت، وكان حبه لها ملهمًا له حيث قيل إنه رسم وجهها أكثر من «160» مرة.

ومن أبرز عشيقات الفنان الراحل، الفنانة «فرانسواز جيلوت» التى كانت تصغره بنحو 40 عامًا، منعت ذات مرة من مسيرتها المهنية فى فرنسا من قبل الفنان، فاضطرت للذهاب إلى أمريكا لمواصلة الرسم.

وفرانسوازالتقت بيكاسو عام 1943، وتأثرت به تأثرًا كبيرًا بأفكاره وآرائه وفنه وقادها هذا إلى الزواج به وهى فى عمر 25 سنة وهو فى 75 سنة من عمره.

ومن مفارقات القدر أن يقام حاليًا معرض لأعمالها فى متحف بيكاسو بفرنسا ويستمر على مدار عام، حيث يركز الموضوع على مسيرة جيلوت فى الرسم وعلاقتها الوثيقة بمجموعة من الفنانين التجريديين الفرنسيين المعاصرين، ويقدم كتبها.

وكانت صالات العرض الفرنسية تجنبت فى السابق تقديم أعمال فرانسواز جيلوت بسبب تبعات انفصالها عن بيكاسو عام 1953 ونشر مذكراتها «الحياة مع بيكاسو» (1964) - وتكشف فيها الجانب الخفى من قصة حب استمرت 10 سنوات.

ويعتبر نقاد الفن التشكيلى أن بيكاسو أرغم المؤسسة الفنية فى فرنسا على عدم عرض لوحات جيلوت بعد أن «تخلت عنه».

ويأتى المعرض الأخير بعد 3 سنوات من وفاتها فى 2021 عن 100 عام، كمحاولة لتصحيح أخطاء عالم الفن فى الماضى، والاعتراف بمكانة فرانسواز جيلو كفنانة فى وطنها.

وقالت جوان سنريش، أمينة المتحف، إن هدف المعرض هو مساعدتها على محو الصفة التى التصقت بها على مدار عمرها وهى «عاشقة بيكاسو»، لذلك لن يتم عرض لوحات بيكاسو التى رسمها لها والصور الفوتوغرافية التى تجمعهما.

ويعتبر كثير من مؤرخى الفن أن المصورة والفنانة السريالية «دورا مار» هى ملهمة بيكاسو المجهولة حيث تعرف عليها عام 1936 خلال رسم جداريته الملحمية «الجرونيكيا» عن مأساة الحرب الأهلية فى إسبانيا.

ومن وقتها صارت له وساعدته فى توثيق إبداعه للوحة بالتصوير الفوتوغرافى، وكانت مار من أهم فنانى الحركة السريالية وعمدت إلى تجريب التصوير الفوتغرافى بمنظور سريالى، وكانت بطلة كثير من لوحاته التى حققت شهرة وأرقامًا قياسية فى المزادات، منها لوحة «امرأة باكية» و«دورا مار والقطة» و «امرأة باكية ذات بقعة حمراء».

 

 

 

وعانت دورا من انهيارات عصبية فى أربعينيات القرن العشرين، لا سيما عقب انفصالها عن بابلو.

وتسعى الرواية لمجابهة الأحكام المسبقة ضد بابلو بيكاسو، حيث ترى الكاتبة أنه لم يكن وحشيًا ولا زير نساء فقد كان لديه الكثير من الأصدقاء مدى الحياة الذين يقدرونه كثيرًا وكان قادرًا على إقامة علاقات عميقة ودائمة مع الرجال والنساء.

صحيح بعض هؤلاء النساء كن من عشاقه السابقين. لكن حتى عندما انتهت العلاقة، ظلوا أصدقاء مدى الحياة. وتقول الكاتبة لقد كان أيضًا يتمتع بشخصية جذابة للغاية وشخصية مغناطيسية تمامًا ومن المؤكد أنه كان يتمتع بغرور كبير، لكنه كان أيضًا رجل أعمال محترفًا.

 لقد سيطر بمهارة على السوق بعمله. لقد كان محترفًا ومدروسًا ودقيقًا فى هذا المجال، وكان أيضًا عبقريًا بصريًا. ودافعت عنه أنه لم يكن ضحية للمشروبات الروحية مثل غيره من الفنانين كما أشيع عنه.

 

وترى الكاتبة أن أغلب نساء بيكاسو كن قويات ومستقلات، ومبدعات ما بين المصورة الفوتوغرافية «دورا مار» والموديل الشهيرة والرسامة والكاتبة ولم يكن ضحية للعنف أو الابتزار بالنظر للسياق التاريخى وحالة أوروبا فى أعقاب الحرب العالمية الأولى ثم الحرب العالمية الثانية.