السبت 27 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
الغضب الساطع  فى الجامعات الأمريكية

الغضب الساطع فى الجامعات الأمريكية

لا حديث يعلو فوق الأصوات الغاضبة فى الجامعات الأمريكية. والغضب الساطع التاريخى بلا شك يعكس مطالب ومواقف الأجيال الجديدة الرافضة لما جرى ويجرى فى غزة والمنددة لاستمرار إسرائيل فى التدمير والقتل والتهجير الجماعى للشعب الفلسطينى.



 

كما أن النقاشات والمواجهات السياسية والإعلامية مازالت دائرة ومستمرة وتشغل مساحة كبيرة من اهتمام وسائل الإعلام (بجميع أنواعها) والدوائر السياسية الأمريكية. ولم تتوقف أصوات الغضب عن دقها لأبواب كثيرة تطرح ضرورة إعادة النظر فى السياسات العسكرية والاقتصادية والمالية المتبعة لسنوات طويلة فى التعامل الخاص مع إسرائيل.

عشرات الجامعات وآلاف من طلبتها شاركت فى هذا الغضب التاريخى ومئات تم اعتقالهم فى مواجهات أمنية حاولت من خلالها بعض الجامعات إخلاء ساحاتها من خيام نصبها أصحاب الغضب وعسكروا فيها فى موقف سلمى احتجاجى ضد ما حدث ويحدث فى غزة. وهذه الأصوات يجب القول أنها وجدت أصداء ايجابية ليست فقط لدى الطلبة والطالبات بل الأساتذة رجال ونساء الأكاديمية وهم يدافعون عن حق الطالب والطالبة فى التظاهر السلمى ورفع أصواتهم وشعاراتهم المطالبة بحق فلسطين أن تكون حرة.. وآمنة وقادرة على تحقيق حياة كريمة. 

مشاهد الغضب الساطع تتوالى وتتصاعد على امتداد الولايات المتحدة لا بد أن تثير الجدل حول قضايا عديدة بصرف النظر عما نتفق أو نختلف حولها وحول سبل إثارتها وطرق التعامل معها.. والنقاش الدائر بالتأكيد لا يخص المشهد الحالى بل تبعاته على مدى الشهور المقبلة وعلى الانتخابات الأمريكية وعلى مستقبل المشهد السياسى الأمريكى العالمى وأيضا فيما يخص كيفية إدارة الجامعات لمثل هذه الأصوات الرافضة لما كان عرفا سائدا وقائما ومستمرا لسنوات طويلة.

العالم يتابع بإعجاب واهتمام وأيضا بحذر وقلق ما يحدث فى الجامعات الأمريكية. وبالطبع أمريكا وصناع القرار فيها يحاولون إدارة الأزمة أو احتواء الأزمة بأى شكل من الأشكال. ما حدث فى جامعة كولومبيا ومن جانب إدارتها ورئيسها نعمت شفيق كشف الكثير (لمن يهتم بالتفاصيل ويتابعها بجدية) عما يعنيه صراع القوى ومصالح أصحاب النفوذ والمال فى الجامعات الأمريكية. نعم لا يضيع حق وراءه مطالب ولكن أيضا لا تضيع مصلحة وراءها مدافع شرس. يلوح بمعاداة السامية وكراهية اليهود.. وأيضا أمن وسلامة طلاب اليهود فى الجامعات!!

 

ريشة: أحمد جعيصة
ريشة: أحمد جعيصة

 

الغضب العارم الذى يدق أبواب كثيرة تباينت الأوصاف (حسب من يراه أو بالطبع حسب ما يريده) هل هو من أجل غزة وفلسطين أو ضد إسرائيل أو ضد ما تبنته واشنطن من تأييد مطلق لإسرائيل مهما كانت جريمتها وقمعها وإصرارها على تبرير كل هذه الأفعال بأنها للدفاع عن نفسها فى مواجهة الإرهاب!! ولا شك أن ما شهدته أمريكا ومعها العالم فى الأسابيع الأخيرة وهذا ما بينته استطلاعات الرأى أن نسبة كبيرة لا يمكن الاستهانة بها من الأجيال الجديدة من الشباب الأمريكى (طلبة وطالبات الجامعات) يرفضون الحرب والقمع العسكرى مهما كان شكله. ومن ثم ما يحدث من جانب إسرائيل تجاه الفلسطينيين ويرون فى أمريكا وانحيازها التام لما تفعله إسرائيل أمرا لا يمكن السكوت عليه.

ولم يكن بالأمر الغريب أن نشهد بسبب هذا الغضب الطلابى انقسامات بين صفوف الحزب الديمقراطى حول مواقف الإدارة وحول إعادة انتخاب الرئيس بايدن. فى المقابل نرى قيادات الحزب الجمهورى وكيف تشدد على أمن إسرائيل وعلى عدم التدخل فى اختياراتها الخاصة بأمنها وبقائها (حسب تعبيرهم). ويجب التذكير هنا أن المجموعات اليمينية المتشددة ومنذ فترة ترى أن الجامعات والحياة الأكاديمية صارت وكرا أو مرعى أو ملاذ لليبراليين والتقدميين ولكل المعادين للرأسمالية.. ولأمريكا كما عرفناها (هكذا يقولون). ومن ثم تتدفق الأوصاف والاتهامات بـ«ووكيزم».. وثقافة إلغاء الآخر.. ولهذا وجدت تلك المجموعات فيما حدث فى الأسابيع الماضية الفرصة للتشديد على هذه النغمة والمطالبة بوضع حد لهذا التهور اليسارى المعادى لما عرفناه واعتدناه من قيم ومبادئ شكلت حياة أمريكا حسب وصفهم.

وإذا كان البعض من المراقبين للمشهد قد شددوا على التشابه ما بين ما يحدث الآن وما حدث فى مناهضة حرب فيتنام من غضب شبابى طلابى.. إلا أنه يجب التذكير بأن الزمن تغير والغضب مختلف وأدوات التعبير عنه تطور.. ونحن فى عصر الانستجرام والتيك توك كما أن الجامعات الأمريكية لم تعد كما كانت. ولا طلابها ولا إداراتها ولا هيئات تدريسها. ولا الأموال التى تساهم بها الشركات الكبرى من أجل بسط نفوذها بشكل أو آخر فى تشكيل ما هو قادم فى الحياة الأمريكية.

ويبقى السؤال الأهم: إلى أين سيأخذنا هذا الغضب الساطع؟ بعد ما تم تحريكه أو تحقيقه أو إنجازه فى الأسابيع الماضية؟ الحرب فى غزة مازالت مستمرة والغضب مازال هنا وهناك مشتعلا؟ وفى مثل هذه المعارك والمواجهات من السذاجة طرح السؤال إياه من هو المنتصر؟ ومن هو المهزوم ؟ ثم ما هو تبعات هذا الغضب.. وهذه المواجهة وهذه المكاشفة الذى أسقطت أقنعة وأزاحت أوهاما وكشفت النقاب عن عما يدور فى الأذهان والنفوس لدى أهل القرار والنفوذ!.