الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

عمـــــار يا سينــــــا

سيظل يوم «عيد تحرير سيناء» الموافق الخامس والعشرين إبريل من كل عام، ذكرى للعزة والكرامة المصرية، ورمزا لصلابة الوطن شعباً وجيشاً، وإصراره على استعادة الأرض. ففى هذا اليوم استرد الوطن سيناء الغالية بعد رحيل آخر جندى إسرائيلى نتاجا للمعركة السياسية والدبلوماسية التى أسفرت عنها اتفاقية كامب ديفيد التى وقعها الرئيس الراحل محمد أنور السادات من خلال وثيقتين؛ الأولى «إطار اتفاق السلام فى الشرق الأوسط» فى 17سبتمبر 1978، والثانية «اتفاق معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل» فى 26 مارس 1979.



وانتصرت مصر فى معركتها السياسية، استكمالا للمكتسبات التى حصلت عليها فى حرب السادس من أكتوبر 1973 المجيدة، تلك الحرب التى غيرت استراتيجيات الحروب التقليدية، والخطط العسكرية فى العالم، وعادت سيناء إلى حضن الوطن، فأصبح ذلك اليوم عيدا تحتفى به مصر.

أدت معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل إلى انسحاب إسرائيلى كامل من شبه جزيرة سيناء، وعودة السيادة المصرية على كامل ترابها المصرى، وتحديد جدول زمنى للانسحاب المرحلى من سيناء، جاء على النحو التالى:

- فى 26 مايو 1979: رفع العلم المصرى على مدينة العريش وانسحاب إسرائيل من خط «العريش - رأس محمد» وبدء تنفيذ اتفاقية السلام، وفى 26 يوليو 1979 كانت المرحلة الثانية للانسحاب الإسرائيلى من سيناء (مساحة 6 آلاف كيلومتر مربع) من أبو زنيبة حتى أبو خربة.

- فى 19 نوفمبر 1979: تم تسليم وثيقة تولى محافظة جنوب سيناء سلطاتها من القوات المسلحة المصرية بعد أداء واجبها وتحرير الأرض وتحقيق السلام، وفى التاريخ نفسه تم الانسحاب الإسرائيلى من منطقة سانت كاترين ووادى الطور، واعتبار ذلك اليوم هو العيد القومى لمحافظة جنوب سيناء.

- فى 25 إبريل1982 تم رفع العلم المصرى على حدود مصر الشرقية على مدينة رفح بشمال سيناء وشرم الشيخ بجنوب سيناء واستكمال الانسحاب الإسرائيلى من سيناء، وعادت سيناء إلى أحضان الوطن الأم.  الحرب ضد الإرهاب

 

 

 

فى عام 2013 تعرضت سيناء لنوع آخر من الحروب، أشد إيلاما وقسوة، وهى معركة مصر ضد الإرهاب، تلك الحرب التى جاءت كنتيجة لثورة الشعب المصرى ورفضه حكم جماعة الإخوان «الإرهابية» الذى كاد أن يفرط فى الأرض، فواجهت مصر حربها ضد خفافيش الظلام، ووقفت القوات المسلحة المصرية كحائط صد أمام العدو الخفي، وأطلق الجيش المصرى (العملية الشاملة- سيناء)، وضحى الأبناء؛ خير أجناد الأرض بأرواحهم الغالية فداء للوطن ولأمنه القومي، كما ضحى أجدادهم فى حربى «الاستنزاف» و«73»، وقدموا أنفسهم شهداء ليعيش الشعب المصرى فى أمن وسلام، وتم استئصال «الورم الداعشى» بنجاح، وانتصرت الدولة المصرية.

ثم بدأت مرحلة جديدة دشنها الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهى مرحلة البناء والتنمية الشاملة، فوقف المصريون وراء قائدهم الذى عبر بهم من مرحلة التيه والإرهاب إلى مرحلة الاستقرار والبناء. فطالما كانت مصر، لا سيما سيناء الغالية، مقبرة لأى عدو حاول أن يطأ بقدمه أرضها، ودائما ما انتصرت الإرادة المصرية فى وجه قوى الشر.

ويشرح اللواء أ.ح دكتور سمير فرج الخبير العسكرى حيثيات المعركة السياسية والدبلوماسية التى قادتها مصر لاسترداد سيناء قائلا: يوم 25 أبريل كان الانتصار فى المعركة الثانية «السياسية» لتحرير سيناء ورفع العلم المصرى فوق مدينة العريش، بعدما كانت مصر قد فقدت سيناء بعد هزيمة 67، واحتلها الجيش الإسرائيلى بالكامل. فشنت مصر معركة التحرير الأولى، لاستعادة سيناء، يوم «السادس من أكتوبر 1973 - العاشر من رمضان 1393»، حينما هاجم الجيش المصرى القوات الإسرائيلية، ودمر خط بارليف، وألحق بالعدو خسائر كبيرة، وحرر جزءا من سيناء.

أعقب تلك المعركة العسكرية سلسلة من المعارك السياسية والدبلوماسية، فكانت المعركة الثانية بقيادة الرئيس الراحل أنور السادات، فى توقيع اتفاقية السلام بكامب ديفيد والتى استطاع بها تحرير باقى سيناء، وتم إجلاء القوات الإسرائيلية منها، ورُفع العلم المصرى فوق مدينة العريش يوم 26 مايو عام 1979، وفى يوم ‏25‏ أبريل ‏1982‏ تم رفع العلم المصرى على مدينة رفح وأُعلن اليوم عيداً قومياً مصرياً فى ذكرى تحرير كل شبر من سيناء، فيما عدا طابا‏ التى استردتها مصر بعد ذلك وتحديدا فى عام 1989 فى معركتها الثالثة عندما افتعلت إسرائيل مشكلة، خلال مفاوضات انسحابها، بشأن العلامة 91، على خط الحدود، لتدعى أن طابا أرض إسرائيلية.

دخلت مصر معركة أخرى فى التحكيم الدولى لمدة سبع سنوات، حشدت فيها العظماء من رجال مصر القانونيين، وتعقبت اللجنة المعنية خرائط الإمبراطورية العثمانية المحفوظة فى إسطنبول، وحصلت منها على نسخ تؤكد أن طابا مصرية، كذلك أحضرت خرائط من بريطانيا تفيد بأن طابا مصرية، حتى أصدرت المحكمة الدولية حكمها بأحقية مصر فى أرض طابا، ورفع العلم المصرى فوقها يوم 19 مارس 1989.

 

 

 

ودارت المعركة الرابعة حديثًا، بعد عقود من توقيع اتفاقية السلام، التى قسمت سيناء لثلاث مناطق أ، ب، ج ونصت الاتفاقية على تواجد قوات عسكرية مصرية فى المنطقة «أ»، ويقتصر التواجد فى المنطقة «ب» على قوات حرس الحدود والأمن المركزى، بينما لا تتواجد أى قوات عسكرية فى المنطقة «ج» إلا بالتنسيق بين الجانبين المصرى والإسرائيلى. ولما انزعج الكثيرون من ذلك البند، عند توقيع الاتفاقية، صرح الرئيس السادات بأنه سيأتى من بعده من يُعّدل هذه الاتفاقية، وهو ما نجح فيه الرئيس السيسى عام 2021 بعد لقاء الرئيس الإسرائيلى فى شرم الشيخ، حيث تم تعديل الاتفاقية الأمنية، بتواجد القوات العسكرية المصرية فى المنطقة «ج»، لتبسط القوات المسلحة المصرية سيطرتها على كامل الحدود، وهو ما يدعو لفخر مصر وشعبها.

 

 

 

 

تنمية غير مسبوقة

ويضيف اللواء أ.ح دكتور سمير فرج: إن استرداد سيناء كاملة ساهم فى إعادة فتح قناة السويس، التى تمثل ثلث الدخل القومى المصري، وأصبحت مدن مثل شرم الشيخ، وطابا، ودهب مصدرا رئيسيا للعملات الصعبة نتيجة الرواج السياحى بها، كما تمكنت مصر من إعادة تشغيل واستغلال بحيرة البردويل وحقول البترول فى البحر الأحمر وسيناء، ومناجم الفحم والفوسفات والرخام فى سيناء، والاستفادة من تصدير إنتاجها.

وأكد الخبير العسكرى أن انتصارنا فى الحرب واستعادة الأرض، معناه ما نراه اليوم من إعادة بناء الدولة، وتنميتها بتحقيق فائض نمو اقتصادى، وتوجيهه لإعادة البنية الأساسية التى دمرتها الحروب، سواء الطرق أو مشاريع المياه والصرف الصحى، أو لتطوير الخدمات المقدمة للمواطن، كالمواصلات والمدارس والمستشفيات والمصانع، وإنشاء مترو الأنفاق، وتطوير المطارات وبناء الجديد منها، وكل ما يهم المواطن المصري، ويفى باحتياجاته.

ثم كان استرداد طابا فى 1989 كآخر جزء من سيناء بعد 25 إبريل 1982 اكتمالا لمعركة وكرامة للشعب المصرى وقواته المسلحة اللذين لا يقبلان التفريط فى أى شبر من أراضيهم. فلو لم تسترد مصر أرض سيناء وكل شبر فيها، لوضعت اسمها وسمعة جيشها العظيم على المحك. 

لقد رسخت حرب أكتوبر معانى الوطنية، والاستبسال والفداء، التى يتميز بها الشعب المصري، والقوات المسلحة. فقد استعاد الجيش المصرى سمعته وكرامته، ليس فقط بين المصريين، ولكن بين الأمة العربية والعالم كله، فقد قدم الجيش المصرى، فى حرب 73 دروسا عسكرية حديثة، ومفاهيم جديدة فى علوم فن القتال والاستراتيجية، والأمن القومى، إذ تغيرت قواعد ورواسخ العقائد العسكرية، المعمول بها فى المعسكرين الشرقى والغربى نتيجة خبرة حرب 73 التى صارت تدرس فى أعتى المعاهد والكليات العسكرية حول العالم بإمضاء مصرى.

 والحقيقة أن تدرج مركز القوات المسلحة المصرية فى التصنيف العالمى، لتصل إلى القوة التاسعة على مستوى العالم، كان يعتمد فى واحد من بنود ذلك التصنيف على الخبرة القتالية، التى حصّلها الجيش المصرى فى حرب 73.

 

 

 

لحظات لا تنسى

تحدثنا مع اللواء د.محمد الغبارى أحد أبطال نصر أكتوبر، ومدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق، واسترجع معنا تفاصيل مهمته فى معركة استرداد سيناء وتحريرها قائلا: كنت ضابط عمليات فى سلاح المدرعات برتبة نقيب آنذاك، وكان عندى فرقة لمدة عشرة أيام، فوجئت باستدعائى يوم الخميس الموافق 4 أكتوبر لتنفيذ أحد المشروعات التى كنا مكلفين بها، وبعد الانتهاء من المشروع جاءت لنا الأوامر للمكوث فى أماكننا بالقناة، لكننا لم نبلغ بقيام الحرب بعد.

وفى يوم الجمعة فوجئنا بمرور رئيس الأركان الذى طلب منا تحصين أماكننا، وعدد من الإجراءات الأخرى، وهنا بدأنا نشك فى قيام الحرب. وجاء يوم السبت الموافق 6 أكتوبر وعلمنا بموعد الحرب، وجاءت لنا التعليمات فى أظرف مغلقة، وعلمنا ببدء تدفق القوات وعبورها الساعة الثانية، وحصلت على جداول العبور.

ويضيف: كنت مسئولا عن عبور المدرعات على الكبارى فى إطار خطة عرفت بـ «خطة تأمين التحركات» وهى عبارة عن تأمين نقاط العبور والتى سميت بساحة الإسقاط، وكانت تتكون من كبارى ومعديات وبرمائيات، وكان لابد من وجود جداول للعبور بترتيب القوات التى ستعبر تباعا، وفى هذا الموقع كان يتواجد فيه ضابط عمليات وهو أنا، مع ضابط شرطة عسكرية، ومهندس من سلاح المهندسين العسكريين، وكل منا لديه أفراد الطاقم الذين ينفذون المهمة فى ساحة الإسقاط.

ويكمل: فى الساعة الثانية ظهرا بدأت مع زملائى بإنزال المعدات فى المياه، وشرعنا فى التنفيذ، وبعد إتمام الإسقاط وبناء الكوبري، بدأنا فى تنظيم عبور القوات حسب الجداول المحددة بالدقيقة والثانية، ونجحت مهمتنا.

ويصف اللواء الغبارى شعوره مع زملائه لحظة العبور قائلا: لا أستطيع أن أصف إحساسى ولا أحد يستطيع وصفه، وجدنا نفسنا نهتف بأعلى صوت: الله أكبر فى جميع المواقع، بدون أن نتفق مسبقا. فتراب سيناء غالى علينا وتحريرها من أعظم لحظات حياتى.

وعن شعوره إبان 30 يونيو2013، قال لنا: شعرت فى سنوات الإرهاب التى عاشتها سيناء بنفس المرارة التى عايشتها بعد 5 يونيو 1967، فهناك عدو إسرائيلى كان يحتل أرضي، وهنا عدو إخوانى كان يريد احتلال بلدي، والحمد لله تخلصنا من الاثنين، فدائما ما كانت مصر مقبرة لمن يفكر فى التعدى على أرضها.

واستكمل: الحقيقة أن مقاتلى سيناء من أفراد القوات المسلحة تميزوا ببراعة  وقوة وفداء وتضحية، فهم من حرروا سيناء من الجماعات التكفيرية كما حررناها من العدو الإسرائيلى وخاضوا نفس الحرب التقليدية التى خضناها، فمن ذهب إلى سيناء وصد الإرهاب بجسده، واقتحم البؤر والمواقع، مثل الذى اقتحم النقط الحصينة ليعبر جنوده ، والعقيدة واحدة وهى التضحية بالنفس من أجل الوطن وعزته وكرامته.

وبمناسبة الذكرى الـ42 لتحرير سيناء، قال اللواء د.الغباري: الحمد لله أن البلد تحررت من كبوتها، وبدأنا فى الاستقرار والتنمية، وتحولت سيناء من أرض عبور إلى أرض إقامة، لأنها كانت كذلك فى الماضي، لكنها تشهد الآن تنمية استراتيجية وزيادة فى المعدل السكاني، ونهضة زراعية وصناعية، وأيضا زراعة الولاء والانتماء فى قطعة غالية من أرض مصر لا نستطيع الاستغناء عنها أبدا.