الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

متلازمة النوستالجيا؟!

كلنا نشتاق للحظات عشناها زمان، وتركت بصمة فى قلوبنا، ونقول فين أيام زمان؟.. لكن هل ممكن الاشتياق يتحول لمرض؟! 



هل الحنين إلى الماضى ممكن يعطل المستقبل أو الطريق إليه؟

الإجابة: نعم.. ممكن تتحول مشاعر الحنين إلى الماضى لمرض.. اسمه متلازمة النوستالجى. 

والسؤال: إمتى وليه؟ وإمتى تكون النوستالجى نعمة؟ وإمتى تكون نقمة؟ 

إزاى نخفف من مشاعر الحنين للماضى لو كانت قوية تعطل طريقنا للمستقبل؟ 

والأهم: ما أعراض مرض النوستالجى؟ أو ما هى أعراض متلازمة الحنين إلى الماضى؟

 

 

 

 

احذر الحالة

يقول الدكتور وليد هندى استشارى الصحة النفسية: إن النوستالجيا هى مشاعر الحنين إلى الماضى.. وهى تكون نعمة.. عندما يداوى كل واحد فينا نفسه بالشجن.. لكن إذا استحكمت الحالة.. وتعمق الإنسان فى مشاعر الماضى..مع رفض للواقع.. هنا تكون نقمة.. لأن الإنسان بتلك المشاعر يفتقد ملذات الحاضر ومتع الحياة وجمالها».

يكمل هندى: «لا مانع أن نعيش النوستالجى.. ولكن لا نتقوقع فيها.. لذا كان يُشار زمان إلى بعض أنواع تلك المشاعر بأنها أحد أشكال الاكتئاب». 

يقول هندى: لجوؤنا لتذكر الماضى والحنين إليه يعنى احتياجنا للشعور بالأمان واستعادة فترات الفطرة النقية وبراءة الطفولة وإعادة تذكر الدفء العاطفى.. لذلك ندخل فى حالة عاطفية.. كل واحد فينا يضع صورها لنفسه فى إطار مُعين، يسترجع فيها مشاعره العابرة، ولحظاته السعيدة». 

حسب هندى فإن 80 % من الناس تواتيهم مشاعر الحنين إلى الماضى بصورة قوية مرة واحدة على الأقل خلال أسبوع مثلًا.. والسبب لأن الإنسان لديه تراكم خبرات وذكريات، يستخدمها لرفع حالته المزاجية.. ويحسِّن من حالته النفسية، ويكسر حالة الملل التى يعيشها». 

يقول هندى: «غالبًا ما نشعر بتلك الحالة من الحنين مع مشاهدة فيلم قديم.. أو نسمع موسيقى لأغنية ما.. أو نذهب إلى أماكن نتذكر فيها مواقف مضحكة.. لكن المهم ألا تصبح تلك المشاعر مرادفًا لفقدان القيمة بالحياة الحالية.. ولا معناها أن نعتقد أن الحياة تتغير للأسوأ.. حتى لو نكون دخلنا فى دائرة المرض». 

كبر دماغك

يقول الدكتور علاء الغندور، استشارى الصحة النفسية: «حالة النوستالجى والحنين إلى الماضى لها إيجابياتها وسلبياتها، فلم الحنين للماضى الجميل وذكرياته بكل ما فيه من مشاعر طيبة، وأخلاقيات قيمة، يحفزنا على أننا نكرر تلك الأخلاقيات والسلوكيات الرائعة، أصبح شيئًا إيجابيًا، ومن سلبياتها: أننا نتحسر على ما مضى، أو نتألم من الناس المؤذية، ونحاول أن نسعى للانتقام».

وأشار الغندور أن «حالة النوستالجى تتنامى داخل كل منا لأسباب منها المقارنة الإيجابية بما كان عليه.. وما أصبح الآن.. فهذا يمنحه الشعور بالقوة والراحة، وهو يعيش لحظات من أحلام اليقظة فى هذا الزمن الجميل». 

يضيف: «المهم أننا ونحن نعيش تلك المشاعر بإيجابية أن نحاول استيعاب التغيير الذى حدث.. للتعايش بشكل طبيعى مع الحاضر ومع الماضى أيضًا.. مع اليقين بأن الماضى لن يعود.. ولا أريد له أن يعود».

ويقول الغندور: «خطورة النوستالجيا أن الإنسان يعيش فيها، ويوقف حياته عليها، فهذا يجعله غير قادر على التفكير الإيجابى الموضوعى، ويعوق تطوره، ويصبح غير قادر على أخذ قراراته، ولا يتعامل مع الناس، فيصبح لديه حالة من الانطواء».

 

 

 

وأضاف الغندور: «لنتغلب أو نخفف من هذه المتلازمة، أولًا: لابُد أن نتعلم كيف يضع الأمور فى مكانها الصحيح، ونعرف أن لا نزيد من التهويل فى المشاكل أو الأزمات التى قد نتعرض لها.. ولا تكون المبالغات أساس فى التعامل مع أحداث الحياة».

يكمل: «ضرورى أن نكون فى علاقات طيبة ومُريحة، سواء فى الأسرة، العمل، وكل واحد لازم يكبر دماغه عن أى مشاكل أو صراعات مالهاش لازمة».

الحل لعدم التعلق الزائد بالماضى كما يقول الدكتور الغندور هو: «كل واحد لازم يشغل نفسه فى أمور محددة، يجلس مع شخصيات دمها خفيف، حديثها حلو، ولا يجالس الأشخاص المُحبَطة، أو المُحبِطة، فهذا يساعده على التخفيف من مشاعر الحنين إلى الماضى.. بمعناها السيئ.. أو بآثارها السلبية». 

خطورة ولا علاج

من جانبه قال الدكتور الحبيب النوبى، استشارى العلوم النفسية: «هناك من يعيش فى الحنين إلى الماضى، ولا بأس فى هذا الشعور، ولكن تكراره يُشير إلى حالة نفسية وعقلية ما قد تكون ليست صحية.. فعندما يركز الإنسان على تجارب سابقة باستمرار ويحيا فيها ويعيش داخلها.. فإنه يرى الحاضر والمستقبل بشكل مختلف، ويبدأ يفكر فى بكره هيكون إزاى، ويقارن بين الحاضر والماضى، وتبدأ رغبته فى العودة لفترة أو لحظة معينة فى حياته وهو فى بعض الحالات يوقف التفكير فى المستقبل». 

يكمل: «الحنين المنضبط إلى الماضى.. جيد جدًا وإيجابى.. والإيجابى أن نعتبر الحنين إلى الماضى والتفكر فيه وسيلة لفهم حاضرنا، ويصبح شعورًا إيجابيًا عندما نصل من خلالها لتجارب مشتركة، ونعزز علاقاتنا بالفعل مع من حولنا، أو نكوّن علاقات جديدة، من خلال شعورنا بحالة مزاجية ملائمة للتواصل مع الآخرين، أو ترتبط بمشاعر الدفء، والسعادة، الراحة». وأضاف: «مشكلة تلك المشاعر.. لدى بعضهم عندما ترتبط تلك الحالة من الحنين إلى الماضى بالحزن والندم، فينعزل الإنسان عن واقعه، وحديثه دائمًا يكون عن الماضى فقط، وغير قادر على أخذ قراراته، ودائمًا خايف من الناس ومن المواجهة، ويقارن بين زمان ودلوقتى فى كل كبيرة وصغيرة ما يدخله بالضرورة فى مرحلة الاكتئاب».

يقول: «الاكتئاب أنواع، فإذا كان مُكتئبًا بسبب اختلاف اليوم عن الماضى؛ فتعتبر مُصابًا بمتلازمة النوستالجيا.. وربما تطرأ عليك أعراض أخرى.. مثل حالات الرغبة فى البكاء أو أعراض القلق.. أو اضطراب نبضات القلب وأعراض أخرى».

خيبة أمل

من جانبه يقول الدكتور جمال فرويز استشارى الصحة النفسية: إن متلازمة الحنين إلى الماضى ليست مرضًا نفسيًا.. لكنها اضطراب نتيجة النقص العاطفى فيبدأ الشخص يشعر بالوحدة، والفراغ العاطفى.. وهنا تأتى مزيد من رحلة التفكير فى الماضى.. حتى إذا كانت قصصًا غير مناسبة.. لكن المضطرب يحن إليها أيضًا.. ويشعر بأن حياته كان يمكن أن تتغير.. لكن حاضره هو الذى منع ذلك التغيير».

وقال إن الشعور بالحنين للماضى، يأتى بدرجات متفاوتة، وكثيرًا ما تشتد هذه الحالة لدى بعضهم مع تغيير الفصول، وفى سن الفراغ العاطفى.. ومن علاماتها الحزن، والضيق الدائم.. كما أن لها انعكاسات جسمانية، مثل: ألم المعدة، القولون، صداع، اضطراب بسيط فى النوم، وأحلامه معظمها عن الماضى. 

 

 

 

ونوّه فرويز أن التعافى من تلك المتلازمة، يكون على حسب درجتها، فإذا كانت بسيطة، ستمر وحدها.. وإذا كانت متوسطة، فمُجرد الحديث مع طبيب نفسى سوف تهدأ كثيرًا، أما إذا كانت أعلى من المتوسط؛ فنضطر إلى الدخول فى برنامج علاج نفسى. 

أما أكثر المعرضين للإصابة بمتلازمة الحنين إلى الماضى.. على حد قول فرويز فهم «الشخصيات العُصابية، والاكتئابية، والوسواسية، والشخصيات الهيستيرية».