الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

حكاية القصر المهجور

قد تكون مررت به عدة مرات ولكنك لا تعرف قصته، فهو أحد أشهر شوارع وسط البلد بالقاهرة، يقع بين المدخل الرئيسى لدار القضاء العالى بشارع 26 يوليو وحتى ميدان التحرير، هو الآن شارع شامبليون، وكان اسمه سابقًا شارع مويار.



 

خلال عصر الخديوية كان الشارع اسمه «وابور المياه» حيث كانت توجد به ماكينة رفع المياه التى تقوم بصب المياه فى أحواض التحلية من ترعة الإسماعيلية. وكانت الأحواض موجودة فى المكان الحالى لمبانى نقابتى الصحفيين والمحامين ونادى القضاة.

 

 

 

ومن المبانى الشهيرة التى توجد فى شامبليون، قصر الأمير سعيد حليم أحد أمراء الأسرة العَلوية، وفى فترة ما كان الشارع يحمل اسم الأمير حتى مارس عام 1923 حين قرر مجلس تنظيم العاصمة تغيير اسمه إلى شامبليون، تكريمًا لعالم المصريات الفرنسى «جان فرنسوا شامبليون» الذى استطاع أن يفك رموز حجر رشيد واكتشف قواعد اللغة الفرعونية القديمة (الهيروغليفية). 

ومن الذكريات التى تحيط بشامبليون خلال العقود القليلة الماضية وجود مقر شركة أفلام مصر العالمية التى كان يمتلكها المخرج الراحل يوسف شاهين، وأسسها عام 1971. فشهد الشارع صناعة وخروج عدد من أفضل أفلام السينما المصرية.

ومن صناعة الأفلام إلى الأكلات الشعبية التى تشتهر بها مصر، يأتى المصريون من مختلف أنحاء الجمهورية والأجانب أيضًا إلى شارع شامبليون خصيصًا لتناول طبق الكشرى المصرى لدَى أحد أشهر محال الكشرى فى القاهرة.

 

 

 

وبالشارع أيضًا كان يجتمع عدد من أشهر الفنانين لتناول الفول المدمس والحار وغيره من أطعمة الفلافل المصرية عند بائع أطلق عليه الفنان الراحل فريد شوقى، «سعد الحرامى» بعد مباراة فى الدومينو بينهما. فى منتصف الشارع سترى أسوار قصر مهجور ذى بوابة مغلقة متهالكة ونوافذ أصابها الخلل.

ولكن قد لا يخطر ببالك أن القصر فى الحقيقة تحفة معمارية أثرية قائمة منذ أعوام مديدة ولا يُعرف عنه أى شىء، سوى أنه قصر الأمير سعيد باشا حليم. وهو حفيد محمد على باشا الكبير.

ترجع قصته إلى رغبة الأمير سعيد حليم فى تشييد قصر ليكون بمثابة هدية فاخرة وثمينة لزوجته «أمينة طوسون» لتسكن به.

 

 

 

 

ولكن المفاجأة أنها رفضت السكن به وآثرت أن تعيش فى قصرها المطل على مَضيق البوسفور بتركيا. فقام الأمير سعيد حليم بإهداء القصر إلى وزارة التربية والتعليم، ليصبح فيما بعد مدرسة سُميت باسم مدرسة الناصرية الإعدادية حتى عام 2004.

قام الأمير سعيد حليم بتكليف المهندس المعمارى الإيطالى أنطونيو لاجياك، الذى قام أيضًا ببناء قصر المنتزه وأعاد بناء قصر عابدين بعد احتراقه، ببناء القصر على شكل حرف «U» بالإنجليزى عام 1896 على مساحة تمتد لـ445 مترًا تقريبًا. 

واستعان لاجياك بنوع من الرخام الأحمر النادر الذى أتى به من بلجيكا.

 

 

 

ويضم القصر فى زخارفه عددًا كبيرًا من التماثيل الأسطورية المستمدة من الحضارة الرومانية واليونانية، وقام بمزجها بتماثيل من الأساطير المصرية. ورُغم كل تلك الهندسة المعمارية الفاخرة وفرش الأثاث به، لم يقطن أحد به مطلقًا.

كان قصر شامبليون عند الانتهاء من تأسيسه يضاهى بجماله وروعته المعمارية قصر المنتزه وعمارة بنك مصر وعمارات الخديوية الشهيرة وباقى القصور المبهرة آنذاك.

ويتكون من مبنى رئيسى وجناحين يضمان عددًا كبيرًا من الغُرَف، يربط بينها سلم ضخم على كلا الجانبين. وفى أعلاه يوجد عدد من الغرف المصممة لإقامة الخدم.

الآن معروف باسم «القصر المهجور» وهو ذو نوافذ مفتوحة يخرج منها الظلام الدامس وتحيط به الأشجار بأغصانها وفروعها المرتفعة. وبات يحتاج إلى الترميم ليعود تحفة معمارية أنيقة.