الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

بطل استطلاع ثغرة الدفرسوار اللواء أ. ح أحمد كامل عبدالمطلب رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق:

أصررنا على صوم رمضان برغم فتوى الإفطار.. وزملاؤنا المسيحيون كانوا يصومون معنا

التقينا باللواء أ. ح  أحمد إبراهيم كامل عبد المطلب رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق، وحدثنا عن ذكريات الصوم والنصر فى ملحمة العاشر من رمضان، ومهمته التى كلف بها، وعن دور جهاز الاستطلاع فى المعركة. وحاورنا العقيد د. أحمد صليحة مستشار مدير المخابرات العامة الأسبق، ومدرس بمدرسة الصاعقة سابقا، بطل معركة بلاعيم النفطية، والتقينا بالرقيب سمير جمعة - مترجم اللغة العبرية، وهو أحد أبطال جهاز الاستخبارات المصرى والذى قام باستجواب الأسرى الإسرائيليين فى حرب أكتوبر، وأسندت إليه مهمة التنصت على قادتهم العسكريين. 



أحد صقور رجال جهاز الاستطلاع الحربى،  فعلى الرغم من أنه تخرج قبل الحرب بشهرين فقط، لكنه استطاع أن يقود فصيل استطلاع بمفرده فى أحد الألوية مشاة.. تمكن من توفير المعلومات الاستخباراتية التى أوقعت عساف ياجورى القائد الإسرائيلى فى أسر الجيش المصرى،  كما كان لفصيله الاستطلاعى دور مهم فى جمع معلومات فاصلة عن ثغرة الدفرسوار.. وبعد النصر تقلّد مناصب عدة حتى استطاع أن يصبح أحد أهم رؤساء جهاز الاستطلاع السابقين.. إنه اللواء أ.ح أحمد إبراهيم كامل عبد المطلب. 

بدأ معى اللواء أ.ح أحمد كامل عبد المطلب حديثه مستحضرا أجواء معركة العاشر من رمضان، قائلا: تخرجت قبل حرب أكتوبر بشهرين، وبدأت التدريبات ومرحلة التجهيز للحرب التى كنا نعلم أنها آتية لا محالة، لكن التوقيت كان مجهولا. كنت قائد مجموعة استطلاع فى أحد الألوية المدرعة بإحدى فرق المشاة، كانت مهمتنا فى النسق الثانى للعبور، فعبرنا فى المجموعات الثانية، وكان مخصصاً لنا عدد من المعابر.

بدأنا فى التحرك يوم العاشر من رمضان ليلا، وكان نطاق هجومنا من شمال الاسماعيلية حتى شمال كوبرى الفردان، وكان قائد الفرقة الثانية آنذاك العميد حسن أبو سعدة، وعبرنا وكانت الأولوية لعبور الدبابات، وكنا نقوم بالاستطلاع ونحصل على المعلومات، ونؤمن اللواء المدرع من أى عدائيات. بعد ذلك بدأنا أعمال القتال، ووجدنا اللواء الذى يقوده عساف ياجورى يتحرك باتجاه النقطة القوية بالفردان، فنجحنا فى صد هجومه وتمكنت عناصرنا من المشاة من أسر عساف، واستسلم جنوده، ودمرنا اللواء 190 الذى كان يقوده.

 

 

 

(فتوى الإفطار)

فى تلك الأيام صدرت لنا فتوى بجواز إفطارنا، لكن أصر جميع المقاتلين فى الجيش المصرى على الصيام، وبالفعل دخلنا الحرب صائمين، وكان شعارنا إما النصر أو الشهادة ونحن صائمون. وعلى عكس ما اعتقد البعض أن الصيام سيقلل من قوتنا ونشاطنا، ازددنا نشاطا وقوة. 

وكان يأتى لنا تعيينات القتال (الوجبات) للإفطار والسحور؛ كنت فى الإفطار، أصرف لجنودى معلبات تحتوى على أرز وخضار ولحمة وشاى ولبن مجفف، وفى السحور؛ فول ومربى، فضلا عن «زمزميتين مياه».

ولا أنسى أبدا زملاءنا المسيحيين الذين كانوا يصرون دوما على الصيام معنا، وعندما كنت أطلب منهم أن يفطروا، كان يقول لى أحدهم: رصاصة الاسرائيلى ما بتفرقش بين مسلم ومسيحى.

كما كنا نتناوب على الحراسة والاستطلاع، فبعد أن يفطر الجندى يتولى مكان زميله الصائم ليفطر، وهكذا فى السحور والإفطار.

( صدمة.. وتخبط فى اسرائيل)

يصف لنا اللواء أ.ح أحمد كامل حال الجنود الإسرائيليين وقت أسرهم: كل الجنود الاسرائيليين طوال أيام الحرب كانوا ما زالوا تحت تأثير المفاجأة والصدمة، وكل إجراءاتهم وعملياتهم كانت تؤكد ذلك، وكان ذلك بمثابة رد اعتبار لما كانوا يدعونه من أن العرب أصبحوا جثة هامدة ولا خوف منهم.

فأصررنا على كسر شوكتهم والقضاء على عملية الغرور التى كانت مسيطرة عليهم، فقد كانوا يدعون أنهم سيدمرون القوات المصرية إن لم نتراجع للضفة الغربية، كما هدد هنرى كسينجر وزير الخارجية المصرى آنذاك أحمد حسن الزيات يوم 6 أكتوبر، لكنهم فشلوا فى كل هجماتهم المضادة ولم يتمكنوا من استعادة القناة يوم 8، 9، 10 أكتوبر، مما جعله يعتذر بعد ذلك ويقول له: إن القوات المصرية والسورية قدمت عملا مبهرا، وأن العجلة لن تعود إلى الوراء، وأن الجندى المصرى كان مفاجأة نصر 73. وهذا ما لمسته بنفسى خلال الحرب واحتكاكى المباشر بهم.

بعد ذلك قمنا بأعمال قتالية أخرى، وخاصة بعد أعمال التطوير، ورفع الضغط على الجبهة السورية، بدأنا كلواء مدرع فى التحرك والاشتباك تحت قيادة العميد عبد رب النبى حافظ، وكلفنا بتصفية وغلق الثغرة يوم 17 أكتوبر الساعة الرابعة عصرا، وقد كنت من ضمن العناصر التى اشتركت بها، فوصلنا إلى قرية الجلاء الشهيرة بـ «المزرعة الصينية» مع المشير طنطاوى الذى قاتل قتالا عظيما ضد القوات الاسرائيلية وفرقة شارون (الفرقة 143)، وكبّد الاسرائيليين خسائر فادحة، لدرجة أن شارون اعترف بتدمير أكثر من 70 دبابة. 

وهنا قدمت المخابرات العسكرية المصرية تقديرات خاصة استباقية بالعملية غزالة التى كان شارون معدا لها منذ عام 1971، وهى أنه فى حالة عبور قوات شارون من الشرق للغرب سيقوم الجيش المصرى بتوجيه ضربة لإحباط وتصفية قواته فى الغرب، وأنا فى ذلك الوقت مع مجموعتى حصلنا على معلومات تفيد بطول الثغرة الذى لم يتعد 6 إلى 8 كيلومترات.

 واستولينا على أكثر من أربع دبابات إسرائيلية لم تكن قد سارت أكثر من 62 كيلومتراً دليل على حداثتها لأن أمريكا كانت قد بدأت بجسر الإمدادات فى إسرائيل من يوم 12 أكتوبر. كما حصلنا على أسرى منهم لا تتعدى أعمارهم من 18 إلى 20 عاما، وهذا دليل على أن إسرائيل قد لجأت إلى الاحتياطى رقم 2 الذين انضموا بعد اقتحامنا لقناة السويس. 

 

اللواء أ.ح أحمد إبراهيم كامل عبد المطلب
اللواء أ.ح أحمد إبراهيم كامل عبد المطلب

 

(سيناء كتاب مفتوح)

وعن دور جهاز الاستطلاع فى تحقيق نصر أكتوبر، أكد اللواء أ.ح أحمد كامل أن الاستخبارات كان لها دور مصيرى  فى النصر، فبعد حرب 67، كانت عناصر الاستطلاع على اتصال مستمر بالإسرائيليين، ولم نغفل عنهم لحظة واحدة فى شرق القناة، فكانت الاستخبارات المصرية ترصد قواته وأعداده، وأوضاعه فى نفس الوقت الذى كنا نعيد فيه تنظيم صفوفنا وتطوير وتجهيز وتسليح قواتنا، بما فيها جهاز الاستطلاع نفسه. والحقيقة أن جميع العمليات الخاصة التى تمت فى حرب الاستنزاف كانت بمعرفة قوات الاستطلاع، والمجموعة 39 قتال التى كانت تحت قيادة البطل إبراهيم الرفاعى كانت تتبع جهاز المخابرات الحربية والاستطلاع التى كانت تمدها دائما بالمعلومات.

فضلا عن أن الاستخبارات جعلت سيناء كتابا مفتوحا أمام قادتنا والضربة الجوية، ومكنتنا من الحصول على أسرى، كما أننا من خلال الاستطلاع بدأنا قياس رد فعل الإسرائيليين عند قيام الجيش المصرى بتحريك رؤوس الكبارى وخطط الخداع الاستراتيجى لضمان عنصر المفاجأة، وخداعه بحربنا على الجبهتين؛ السورية والمصرية.