الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

رقيب سمير جمعة مستجوب الأسرى الإسرائيليين ومترجم اللغة العبرية فى حرب أكتوبر:

الأسرى الإسرائيليون كانوا يعيشون حالة من الإنكار والانكسار والصدمة

طالما تسرب إلى نفوسنا جميعا الفضول تجاه مترجمى اللغة العبرية إبان حرب أكتوبر الذين تولوا مهمة استجواب الأسرى الإسرائيليين، ومهمة التنصت على الإذاعات الإسرائيلية، فهم فصيل من رجال الظل الذين قاموا بدور لا يقل أهمية عن المقاتلين فى الخطوط الأمامية. التقيت البطل رقيب سمير جمعة - أحد أبطال قوات استطلاع البحرية المصرية فى حرب الاستنزاف، وأحد مترجمى اللغة العبرية فى حرب أكتوبر والذى استجوب 39 أسيرا إسرائيليا فضلا عن مهمته فى التنصت على القادة الإسرائيليين، وإذاعاتهم العسكرية. 



بدأ معى الرقيب سمير جمعة حديثه منذ اللحظة التى جند بها فى الجيش المصرى: التحقت بالجيش المصرى كمجند عام 1969 فى القوات البحرية، وبعد أن حصلت على التدريب الأساسى انتقلت إلى وحدة الاستطلاع البحرى،  وقتها كنا أول مجموعة فى هذه الوحدة الجديدة آنذاك، وكانت مهمتنا خلال حرب الاستنزاف هى الاستطلاع خلف الخطوط الإسرائيلية، فكنا نصور مناطق تمركز الجيش الإسرائيلى،  ونحدد عدد قواته ونوع أسلحته فى مناطق لم يكن يستطيع أحد الولوج إليها باستثناء الاستطلاع الجوى على مستوى منخفض، وكان هذا فى غاية الصعوبة وقتها. وهنا كان يأتى دورنا كاستطلاع بحرى،  كان يدفع بنا كمجموعات مكونة ثلاثة أو خمسة أفراد للضفة الشرقية بوسائل بحرية ومعنا دليل من بدو سيناء، فنقوم بالاستطلاع والتصوير والمعلومات المطلوبة منا ونعود مرة أخرى.

( النصر أو الشهادة)

يتذكر الرقيب سمير أخطر عملية قام بها أثناء فترة حرب الاستنزاف، قائلا: سنة 72، كنت مكلفا مع زملائى بمهمة استطلاع فى منطقة رأس محمد، وصعوبتها أنها كانت فى معسكرات إسرائيل، ولم يكن معنا ما يثبت أننا جنود مصريون، كنا نرتدى زياً مدنياً،  وكنت ذاهبا متيقنا من استشهادى،  فتوكلت على الله، تاركا كل الخوف والقلق خلفى، وعلى العكس كنا نتسابق على الالتحاق بهذه المهمة. وقد أكرمنى الله ونفذتها مع زملائى الأبطال، وعدت سالما.

وعن مهمته التى كان منوطا بها فى حرب 73، شرح لى أن موقعه كان استطلاع منطقة بين شرق بورسعيد وشرق بورفؤاد تسمى «حصن بودابيست»، وكانت تعد أقوى نقطة الحصينة فى الضفة الشرقية. وكانت هناك مناورة تكتيكية خداعية يخدع بها الرئيس السادات الإسرائيليين، فيدفع الجيش الاسرائيلى لعمل حالة استنفار وطوارئ ليتكبدوا أموالا طائلة. وكان مفترضا أن تقام المناورة يوم 4 أكتوبر، لكن فوجئنا الساعة 12 ظهر يوم الخميس بإلغاء هذه المناورة، فرجعت إلى وحدتى الأساسية، وموقعى فى الأرشيف السرى مع زميلى المناوب.

وكنت آنذاك قد حصلت على فرقة عبرى فى المخابرات الحربية، وأصبحت مسئولا عن هذا الأرشيف، فكنا نتناوب على التنصت على القادة والجيش الاسرائيلى،  وكانت هذه مهمة أخرى أقوم بها إلى جانب مهمة الاستطلاع.

سألته بصفته متابعا لما كان يقال فى الجيش الإسرائيلى: هل شعروا بأى شيء قبل الحرب؟ فأكد لى أن الوضع هناك كانت هادئا للغاية، ولم يشعروا بأى شىء، ولهذا حدث عنصر المفاجأة.

 

 

 

( استجواب الأسرى)

يوم الجمعة الخامس من أكتوبر، التاسع من رمضان أرسل فى استدعائى اللواء بحرى يسرى قنديل-القائد العظيم- فأخذت معداتى بعد الإفطار مباشرة، وخرجت لأفاجأ بعربة تنتظرنى خصيصا لاصطحابى إلى قيادة المنطقة الشمالية العسكرية.

ووصلت إليها وكان وقت وصولى هو يوم العاشر من رمضان، السادس من أكتوبر، فوجدت ضابطاً من المخابرات ينتظرنى وأعطانى أوراقاً مكتوب عليها «نماذج استجواب أسرى» وطلب منى ترجمتها، وبمجرد ترجمتى لها، أخذنى إلى سجن حربى وبدأت مهمتى فى استجواب الأسرى.

يصف الرقيب سمير مشاعره التى مازالت مسيطرة عليه حتى الآن بالفرحة المختلطة بالفخر، أثناء استجوابه لأسير اسرائيلى أذعن أنه لا يقهر، كانوا مهتزين داخليا ومنكسرين، يعيشون فى حالة من الصدمة وعدم التصديق.

ولا أنسى أبدا ما قاله لى أحد الأسرى الإسرائيليين: لقد ضحك علينا قادتنا، وأوهمونا أن المقاتل المصرى يخاف، وأننا أقوى منه، لكن فى الحرب تأكد لنا أن الجندى المصرى أشجع جنود الأرض، فقد كانوا يقتحمون القناة بصدورهم غير آبهين للموت، والنتيجة أننا خسرنا.

سألته عن ماهية الأسئلة التى كانت تسأل للأسرى؟ فأجابنى أنها كانت تدور حول اسمه ورقمه ورقم وحدته وعدد أفراد سريته، ومهمته، وقادته، ومكان تعليمه، وتدريبه، وما إلى ذلك.

استمررت فى مهمة الاستجواب من يوم 6 أكتوبر حتى يوم وقف إطلاق النار، وكنت أتنقل بين مهمتى استجواب الأسرى، والتنصت على القادة الإسرائيليين وإذاعاتهم العسكرية، وتقديم تقرير كل ساعة لقادتى. وقد استجوبت بمفردى 39 أسيرا، فضلا عمن استجوبهم زملائى.

وبهذه المناسبة أود أن أبعث برسالة إلى الأجيال الحالية: مصر أمانة فى أيديكم، فقد بذلنا ما نستطيع من دم وروح فداء للبلد وترابها، فحافظوا عليها.