الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

طالبة جامعية

ريشة: هانى حجاج
ريشة: هانى حجاج

 جلست صامتا أتامل حولى فى ذلك البهو الفسيح وأنا أنظر إلى صورتها على الحائط، آه لقد كبرت.. تميزت ملامحها.. ازداد بريق عينيها، صارت شعلة، من يلمسها يكتوى بسنى العمر البضة فى معالمها المتوهجة، حاولت أن أتجمل فى تلك المرة، أتجرأ، أن أكسر كل حواجز الكلمات المتبعثرة فى خلايا وجدانى، تمنيت من تلك الفاتنة أن تنزل من فوق الحائط من صورتها وأن تتجسد أمامى بنفس ابتسامتها التى تتحدى كل جميلات الكون فنزلتُ أنا بعينيى الكليلتين إلى الامتداد الواصل بين الصالة الفسيحة والركنة التى أجلس عليها، إلا أن صوت أقدامها الآن يأتى مع أصوات الموسيقى الأجنبية الممتزجة برائحتها العبيرية التى تسبقها وهى قادمة مقبلة علىَّ مع بقايا اهتزازات جسدها فى ثوب فضى متلألئ يجعلنى أختلس نظرات خاطفة لا تخلو من حياء، جلست أمامى بشكل يدفعنى إلى الهروب منها إليها على الحائط، وإلى صورتها فرارًا من أنوثتها الفائرة كفوران الرغبة الكامنة فى نفسى، أغمضت عينى طأطأت رأسى هاربا من شيطان يحاورنى ويهمس لى قائلًا:



إنها ما عادت صغيرة، جمال، أنوثة، أشياء أخرى.

رباه أين أبواب الجدران؟! إننى لا أحتمل، هل ستخور مقاومتى؟! رغمًا عنى يمتد صوتى إليها دافئا متهدجا مختزلا كل سنى الحرمان، تفضحنى ارتعاشاته أمامها، لكنى أعود إلى طأطأة الرأس وسط ركام كلماتى المهزوزة برجفات الرغبة المرتبكة، فجعلت أتوارى فى أوراق الكتاب، أقلب صفحاته لأقاوم فتنتها  وعدم اكتراثها، فاستسلمت لخوفى ووقارى وقلت فى صوت أسيان:

سنقرأ اليوم قصيدة أبى فراس، فانطلقت ضحكتها بصوت يتحدانى يتمحور حول إحساسها بفتنتها الجديدة وخروجها من طور الطفولة البريئة إلى طور الأنوثة المستعرة، وأنا أجلس أمامها وديعًا متدثرًا بوقار شبه مكذوب، لكنى أخيرًا شحذت الجرأة بداخلى وكسرت الصمت بكلمات تنفض فى نفسى رجفة الخوف المحمومة.

 فقلت لها مبادرًا: ماذا لوقلت لك أنى أحبك؟ 

ردت بغرور وتأفف لا شعورى: أنت؟!

ابتلعت خجلى وقلتُ فى ضحكة متكسرة: ولم لا أكون أنا؟

 قالت فى تكبر: كثيرون قالوا لى ذلك!

 قلت: وأين أنا منهم؟!

 قالت بهروبية: لا أعرف.

 قلت: لا تتجاهلى.

 قالت: أتجاهل ماذا؟ ومن؟

 قلت: أنا!

 قالت: أنا لا أحبك لكنى أحترمك.

 نظرتُ إليها بعمق وعيناى تحدجان فى ملامحها التى صارت غريبة عنى بشكل  يهدم كل سنوات الحب السابقة، شعرت بالخجل من نفسى ومنها.

أسمع صوتها يتردد متلعثما فى غبار الأسف والاعتذار وهى تعتذر عن فظاظة ردها لكن…

فجاءة قطعتُ صوتها بضحكات عالية كضحكات محمد عبدالوهاب فى أفلامه القديمة كى أوارى خجلى وإخفاقى وأستل منها لحظات الخجل قائلا:

لا تصدقى ما قلت، فأنا كنت أمثل لحظة حب لأمهد للدرس فارتسمت برودة الخجل على وجهها المبتسم بصمت الاعتذار، بينما رحت أنا أقرأ قصيدة  أبى فراس الحمدانى أراك عصى الدمع شيمتك الصبر أما للهوى نهى عليك ولا أمر

وأنا أغالب إحساسا لا يكتب.